Tuesday, December 26, 2006

الشيخ الجمري وملامح موقعه القيادي

الشيخ الجمري وملامح موقعه القيادي
عبدالجليل السنكيس
المعامير- البحرين
25 ديمسبر 2006م

السلام عليك أيها الشيخ الصابر المحتسب، لقد عشت محنة هذا الشعب وعانيت ما عانيت لأن يصل صوته ومطالبه مجلجلاً في الخافقين. لقد حجزت لك قلوب المواطنين مكاناً أبدياً خاصاً في قلوبها، ولسوف تذكرك طالما بقت، ولاح نهار. السلام عليك أيها الجندي الذي لم يفت عضده، حتى كاد له الأعداء ودبروا لم المكائد، وأقعدوه. نعم، أقعدوه، ولكنهم لم يستطيع أن يقتلعوه من قلوب المواطنين سنة وشيعة، وصار مناراً وعلماً لمطالب هذا الشعب حتى تتحقق بإذن الله تعالى.

في هذه العجالة، نحاول أن نسبر بعض السمات القيادية للشيخ – شيخ الشهداء والمجاهدين- في محاولة لإدراك نجاحه في كسب قلوب من إتفق واخنلف معه، ونيل إحترام وتقدير الجميع. وللإيجاز، فإنه يمكن إختصار هذه السمات في العناوين التالية:

Ä الأبوية والأحتضان:
لم يتعاطى الشيخ – طاب ثراه- بإنتقائية فيما يخص القضايا المطروحة والعاملين عليها. بل فتح خطوطاً مع الجميع، ولم يرسل أي إشارات إلغاء أو تجاهل، بالعكس فقد تمكن أن يجعل الآخرين يتقربون لنيل تبنيه لقضاياه، لما لمس منه التعاطف والمتابعة والدعم، فكان لايركز على الإختلافات بل على التقاطعات. فأي نشاط وعمل يدفع باتجاه تعزيز المطالب، ونيل الحقوق، كان الشيخ داعماً له ومؤيداً. ولايكفي أن يبلغ القائمون على المشاريع المطلبية بدعمه، بل يحرص على حضور أنشطتها العلنية وأرسال إشارات التبني. لقد عززت هذه المسلكية أبوة الشيخ وجذرت من موقعه في كثير من المناطق والأنشطة المجتمعية.

Ä التواصل والمشاركة:
عمل الشيخ على أن التواصل مع الآخرين من خلال الأنشطة المجتمعية، ومد الجسور مع شرائح المجتمع، وكان إذا تعرف على شخصية ما أو ارتبط بنشاط ما، لا ينسى ان يتواصل معهم كلما سنحت الفرصة، ويثري أصحاب تلك الأنشطة بنصائحه وإرشاداته. لم يأنف الشيخ أن يسهم بالدعم المادي والمعنوي لأصحاب الأنشطة المجتمعية، وكان حريصا على الحضور مع الناس في أنشطتهم وفعالياتهم، يشاطرهم فرحهم وأحزانهم. لقد نجح الشيخ في خلق وشائج تواصل مع أفراد المجتمع، من خلال أريحيته، وتعاطيه مع الجميع وفي اللقاءات العامة. إستطاع الشيخ أن يرسل رسائل التقريب مع الجميع، بحيث يتطلع من يريد لفتح خط تواصل ومحادثة، وتسامر، دون عوائق نفسية. ولهذا من الصعب نسيان تلك اللقاءات المجتمعية التي يقوم بها الشيخ، وحفرت زياراته وتواصله ذكريات عزيزة على الجميع.

Ä الإنفتاح والتفهم:
لقد تمكن الشيخ- رحمة الله عليه- من إرسال رسائل تعبر عن قدرة في الإنفتاح على الجميع، بغض النظر عن إنتماءاتهم الفكرية والسياسية، وكان على قدرة في فرض احترام الأخرين له بسبب ذلك. كان على قدرة متميزة للإنصات والإستماع وعدم مقاطعة الآخرين، بل تفهم آراءهم، دون أن يرسل رسائل تنازل الشيخ عن فكره ومعتقده. ولهذا، يفضل الكثير من غير الدينيين والإسلاميين، التعاطي والتعامل معه، بل وتسليمه صك الحديث باسمها. كان الشيخ على قدرة في ربط المجاميع الأخرى به، بحيث تظل تدافع من أجل الحفاظ على ذلك الرباط، وقد كان ذلك جلياً في التعاطي من الجميع مع رحيله- طاب ثراه. لقد كان الشيخ محورياً بحيث يلتف الآخرين حوله ويستظلون بظله بسبب قدرته على الإنفتاح عليهم وتفهمه لهم وتفهمه له.

Ä القبول بالآخر والتعاطي معه بإيجابية:
إستطاع الشيخ أن يفتح الخطوط مع الآخرين، والعمل معهم يمستوى متقدم من الحرفية. فلم يكن يتحسس من إختلاف الآخرين معه- فكراً وممارسة- ولكنه على قدرة بأن يخلق خطوط مشتركة تجعل الآخرين يتفاعلوا معه، بل يقدموا طرحه على ما يعتقدون، ثقة فيه واطمئنانا بعدم مصادرته لحقهم في حرية الإعتقاد. لم يكن الشيخ يشترط أن يتنازل الآخرين عن آراءهم وقناعاتهم الفكرية ليدخل معهم في مشاريع عمل وطنية. وكان شعاره العمل مع الجميع من أجل الجميع.

هذه بعض ملامح موقع الشيخ القيادي، والتي ستكون محل تمعن وتفكر وتذاكر من قبل العاملين والناشطين، الذين يفتقدون شخصه وروحه. وسيبقي الشيخ- طاب ثراه- علماً ومناراً شاخصاً للأبصار في الصمود والممانعة وقيادة الجماهير لتحقيق مطالبها بكل حضارية، ولهذا استهدفته السلطة ولم تستطع مواجهة المد البشري التعاطي النخبوي الإيجابي مع شخصه. فكان لابد للسطلة أن تغيبه عن محبيه- من الشعب ونخبه- في محاولة لمحو ذاكرتها وتواصلها معه، ولكنها فشلت فظل الجمري بروحه مع الشعب، وحفر ذاكرته في قلوب الجميع وغدى الجميع يتطلع لوجود جمري آخر، غير موجود. لقد رسم معاني تتطلع الشخوص لها، وصار مثلا للصمود والممانعة.
وأخيراً أقول،
لقد فقدناك أباً وقائداً ومعلماً. إن المكان الذي ملئته سيبقى شاغراً حتى يظهر من يحوز عليه، وسيظل الشعب يتذكر المشاعر الحنونة والكلمات العذبة التي تصدر منه، للصغير قبل الكبير، وللمرأة قبل الرجل، وللعالم قبل الجاهل. فرحمك الله يا أبا "جميل" عشت مثال العزيز الممانع والمطالب بحقوق الشعب، والمتعاطف مع طالبيها- كائنا من كانوا. إنك جبل من صمود ضد الظلم والاضطهاد في أوال، فسلام عليك يوم ولدت، ويوم توفاك الله ويوم تبعث حياً، وحشرك الله مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وعزانا فيك أنك فينا مناراً للممانعة ضد كل معاني الإستسلام، ومثال الرفض لكل عناوين الرضوخ والتمييع لمطالب الشعب، وفي مقدمتها الدستور المعبر عن طموح الشعب وآماله.