Thursday, March 08, 2007

استراتيجية تدوير المسئولية: خشم المجتمع

استراتيجية تدوير المسئولية:

"خشم" المجتمع
عبدالجليل السنكيس
5 مارس 2007م

توطئة:
قبل أن "ننبش" في موضوع الحلقة الأولى مما نطلق عليه استراتيجية تدوير المسئولية، سوف نشير الى بعض المعاني مما إخترنا من عنوان لهذا المقال "خشم" المجتمع. كلمة "خشم" تعني باللهجة البحرينية الدارجة "أنف". وقد ربطت بكلمة المجتمع لنقصد بها الجهة التي "تتحسس" و"تتشمم"- أي تشم، و"تتلمس" و"تتعرف"، و"تتطلع"، و"تتفضل"- أي ينتابها الفضول، و"تتقصى"، "وتترصد"، "وتتابع"، وتتعرف"، وغيرها من المعاني التي ربطت بصورة وأخرى بالأنف والأدوار التي يقوم أو يمكن أن يقوم بها. وهناك تعبير باللغة الانجليزية "نوزي –nosey" وتدلل على الفضول ومحاولة التقصي، فإذا ما حاول شخص التدخل في شئون غيره أو فيما لا يعنيه أو يتعدى حدود فضوله، يقال له لا تكن "خشم – نوزي بالإنجليزي". ولن نذهب كثيراً فيما يمكن أن يعنيه "الخشم" أو أن يمثله، فقد وصل المعنى.
أما ربط "الخشم" بالمجتمع" فنعني به أن هذا "الخشم" يخص المجتمع وجزء منه ويقدم خدمات مجتمعية! على غرار "شرطة المجتمع". فهذا الخشم- أو يتقمص دوره، كاللجان أو الفرق أو البلطجية، أو حمالة "العصي والقرباج" فهم يتنعمون، أو يراد لهم أن يتنعمون، بغطاء وشرعية مجتمعية. فهم، يفترض أن يقدموا خدماتهم – مجاناً (ابتداءا، وبعد أن تتحسن الخدمات ويراد لها أن تتعمق، أو يتشجع لها باعة الضمير، فستكون بمقابل مادي) وبمرأى وقبول وموافقة، بل مباركة من المجتمع، لأنه الهدف من وراءها- شم الروائح النتنة ومصدرها، والتعرف على "الإطارات المحروقة" وواضعها، وتحديد هوية "المخربين والمندسين". وقد تتطور المهمة، الى الترصد لمن يقول "لا" ومن يقول "نعم"، وتقصي من "يبكي على الحسين (ع)، ومن يخدم زوار بيوت ذكر الله". التطوير حتمي في هذه الدنيا، ومن فكر في سرقة البيضة، فسوف يأتي يوم، ليفكر في سرقة الجمل! إنها مسألة وقت، حتى تشرعن عملية الدخول في خصوصيات الناس ومواقفهم وأفكارهم وتطلعاتهم، وحتى أحلامهم. فـ"للخشم" طموح، لأن يلعب دوراً أبعد من الرصد والشم، ولربما يتصور القارئ أدواراً أخرى له.
المقدمة:
"استيقظت فرنسا على حرائق غضب الضواحي الباريسية، التي يعشش فيها الفقر والبطالة والضياع والأمل المفقود، في أحياء تركت لمصيرها تعاني البؤس والإهمال واللامبالاة، ضمن تجمّعات سكانية كثيفة، متذمّرة من رداءة السكن وغياب المرافق والفقر والحرمان، وعزلتها وانكماشها في مربعات الإحساس بالدونية وغياب الآفاق، والتأوّه من الظروف الاجتماعية القاسية ولسعات
العنصرية، والتذمّر من الظروف الاجتماعية الكالحة وقسوة الحياة المادية"

هذه المدخلية التي قدمها الطاهر العبيدي- رئيس تحرير مجلة مرايا باريس في مقاله "فرنسا تنام على براكين ثورة الجياع" المنشور على موقع مجلة العصر[1]، في محاولة لتحليل موجة الحرائق التي ضربت أحياء فقيرة في بعض ضواحي باريس والتي نتج عنها خسائر مادية فادحة من حرق لأكثر من 9000 سيارة- من قبل عشرات الشباب والأحداث - الأمر الذي تدخل فيه الجيش الفرنسي لضبط الأمور. ومن الأمور التي رعت الأنتباه الموقف الذي أعلنه الرئيس الفرنسي- وهنا تأتي حنكة القيادة السياسية- بما معناه بأن ما حدث يعبر عن معاناة وردة فعل لظروف غير طبيعية، وأمر بالجهات الحكومية المسئولة باتخاذ اجراءات لمساعدة الأحياء الفقيرة ونشلها من الوضع التي تعيشه ( تم رصد أكثر من 100 مليون يورو مساعدات مالية)، كما تم دراسة آليات لمكافحة التمييز الطائفي والعنصري لمنع حدوث هذا التوتر المجتمعي.

لنقارن بين هذا التعاطي الحضاري الذي يعكس ثقة الحاكم بنفسه وبحكومته، كما يعكس خبرته وحكمته، وبين تعاطي النظام في البحرين مع التحركات الاحتجاجية في الأيام الماضية. فلم يوصم أولئك الشباب- الفرنسي- "الطائش" باستلام أوامر من الخارج، أو من قبل مندسين "يعرضون السلم الأهلي للخطر" ليحققوا أجندة خاصة بهم. ولم يتهم أولئك بالانضمام الى مافيا التخريب "وأصحاب المولوتوف"، ولم يسع لخلق بؤر توتر مجتمعية من خلال "خلايا" تجسس مجتمعية ولجان شعبية "خشوم مجتمعية"، من أجل تدوير أصل القضية واللف حول أساس المشكلة، بل بجعل المواطنين ينشغلوا ببعض، وتنشأ الصراعات البينية، على بصر وبصيرة من النظام صاحب سياسات وبرامج التأزيم والتفقير والحرمان والتهميش والإلغاء!!

لقد أصلت الحكومة المنتخبة من الشعب الفرنسي للتعامل بحكمة مع القضية التي شغلت الرأي العام الفرنسي والدولي وخلقت أجواء غير آمنة لفترة من الزمن، ناهيك عن الخسائر المادية الفادحة التي تحملها الاقتصاد الفرنسي. وفي يوم وضحاها، يسكت أوار تلك الحرائق وتنتهي المشكلة، لأن الحكومة الفرنسية قررت أن تكون صادقة مع نفسها وشعبها، ولم تلق باللوم على أحد وفي مقدمتهم الضالعين في الحرائق، ولم تتعاط مع ظواهر المشكلة بل مع أسبابها ومسبباتها. فبدلاً من توجيه اللوم للشباب- وأنا هنا لا أحاول إيجاد مبرر له أو لغيره- ولكن الحكومة الفرنسية – من خلال رئيس جمهوريتها- إحتمل ان تكون الجهة التنفيذية هي المقصرة وهي المسئولة، ولهذا بدأ بها وحملها مسئولية معالجة المشكلة من داخلها، وليس بإلقاء اللوم على من هو خارجها.

الموضوع:
في البحرين، وبدلاً من مواجهة القضايا والمشاكل- التي يكون النظام أساساً والمتسبب فيها- يخلق أزمات يشغل فيها الشعب، ويجعل بعضه يواجه بعض ويتهم بعض. كنا نتصور أن يتعلم النظام من التجارب البشرية المفيدة، بدلاً من تجارب الأنظمة العنصرية والأبارتايد والطائفية. وفلسفة النظام هي أن يتم تحميل أفراد الشعب المسئولية الكاملة لكل القضايا. فمشكلة السكن، هي زيادة التكاثر وكبر حجم العوائل البحرينية، فلابد على الشعب أن يتحكم في نمو عدد أفراده. ولضمان أن يكون ذلك حلاً مفروضاَ، تخلق أزمة السكن، والبطالة، والفقر، بحيث لا يسهل على البحريني أن يتزوج ويتكاثر. المساحة الموجودة من سكن ووظائف وموارد دخل هي للموطنين الجدد –المرتزقة- الذين يأتون من آفاق الأرض، بعدتهم وعددهم التي تتسم بكثرة الزيجات والولد. أما البحريني، فعليه الصبر والسلوان، وإلا فالهجرة أولى له، وليترك بلده وبلد آبائه للمستوطنين الجدد الذين جلبهم النظام ليغير هوية وتاريخ هذا الشعب وهذه الأرض.
ولهذا فلجنة السكن الملائم، ولجنة العاطلين ومتدني الدخل، ولجنة المحرومين من الجنسية، ولجنة المبعدين، ولجنة الشهداء وضحايا التعذيب، ولجنة النشطاء ومعتقلي الرأي وغيرها من اللجان الشعبية التي وجدت من أهلها –أي من أصحاب المعاناة فيها- هي لجان تريد مصادرة السلم الأهلي، وتسعى للتخريب وطرد الاستثمار من البلاد، وتخلق الهلع والخوف في نفوس المواطنين والمقيمين، لأنهم نظموا أنفسهم وطالبوا بحقوقهم، بوسائل سلمية متحضرة، ولم يلاقوا إلا الأبواب الموصدة، والاستهداف ومصادرة المطالب، والتهميش والتغييب. كنا نتوخى أن يفتخر النظام بوجود هذه المؤسسات الأهلية المعبرة بصدق عن مطالبها وأهدافها. ولكنه بدلاً من ذلك، يسعى لاختراقها، وتذويبها وإقصاءها، بل يوجه جرائده الصفراء لخنقها ومصادرة وجودها، عبر مرتزقة القلم، وملمعي الأحذية. ويصبح أصحاب المعاناة: المحرومون من السكن الملائم، والوظيفة التي توفر العيش الكريم، الجنسية والمواطنة، الاستقرار والسكن النفسي، هم المتهمون. النظام يحرمهم ويمعن في إذلالهم، وإقصائهم وإيذائهم، ومنعهم من الحياة الطبيعية الكريمة، وفوق كل ذلك، يتآمر عليهم، ليتنازلوا عن مطالبهم، ويقبلوا بما يرضى لهم فرعون!!
يمكننا أن نأتي بالأمثلة العديدة التي توضح كيف أن النظام يعمل بالمثل المصري "ضربني وبكى، وسبقني واشتكى". فالشعب هو الظالم، وهو المتآمر، وهو الذي يسعى دائما لتوتير الأوضاع، وسلب الأمن والأمان، ويهوى "تعكير الصفو والطمأنينة". أما النظام- ببرامجه ومؤامراته وأجهزته الفتاكة ورجالاته الدموية، فهي بريئة براءة الحمل ويجب على المجتمع أن يهب لنجدته، ولحمايته من أشرار الناس: من المحرومين، والمنتهكة حقوقهم، والمغيبين، والفقراء والمعوزين، والذين لا يجدون ما يكفوا به بطونهم ولا ينعمون بسقف أو فراش آمن.
والفكرة أن يقوم المجتمع من المؤمنين والعقلاء والثقاة بالعمل على حماية النظام من سفاكي الدماء من الذين يغرر بهم للمطالبة بحياة حرة عزيزة كريمة في وطن آمن. وعليهم أن ينظم- أولئك العقلاء- أنفسهم ليعملوا على التعرف على المحرمين والفقراء والمغيبين والعمل على منعهم من أي يأنوا أو يتأوهوا ويقولوا آهٍ آه. عليهم أن يكبتوا معاناتهم وآلامهم وينطلقوا "للصخير" خلف جبل الدخان المبجل ويزأروا بأعلى أصواتهم ويصرخوا في الفضاء، وبذلك يفرغوا عن أنفسهم الغيظ والغضب والمشاعر الإنسانية الطبيعية، وبذلك تذهب معاناتهم، ويعودوا لحياتهم الطبيعية. وهكذا دواليك، حتى يقبض الله أرواحهم، في إحدى تلك الصرخات، ويقال حينها بأنه "انتحر" وأزهق نفسه، وخرج عن ملة الإسلام وكان من الكافرين!!

لجان "خشم المجتمع":
هي لجان لجم الصوت والاحتجاج والمطالبة الشعبية، وتسعى لشل حالة الرفض الناتجة عن الإحتقان المتزايد والإحباط المنتشر- خصوصاً في أوساط الشباب الذين بدأوا يحسون بتوقف الوقت، وبأن المستقبل قد أنتهى في الماضي، بفعل مؤامرات الصافرية في محاولة لاستبدال شعب البحرين ومؤسساته المجتمعية بشعب جديد يستورده النظام من أصقاع الأرض- كما كشفه البندر في تقريريه الأول والثاني.
المطلوب هو أن يتم انتقاد النظام وتوجيهه للقيام بما هو في مصلحة الشعب، لا مصلحته، ومهما تكن التكلفة. المطلوب ان يرتفع الصوت عاليأ في وجه النظام ليكف عن استهداف الشعب وتدجين قواه المجتمعية، بدلا من معاونته للتآمر على الشعب. وما اللجان الشعبية التي يروج لها النظام عبر صحفه الصفراء، ويحاول البعض- بجهل أو علم- أن يؤسس لها ويخلق لها جواً مقبولاً، ما هي إلا أدوات تفتيت لقوى ومؤسسات المجتمع، ومساهمة لخلق نزاعات بينية بين الناس وبعضهم البعض، وسوف يسهم في النيل من المؤسسات المجتمعية التي سوف تشارك في هذه المؤامرة الدنيئة.
ولهذا نطالب الجميع أخذ الحيطة والحذر من عدم الإنجرار وراء هذا المخطط، بل رفضه وفضحه، وعدم السماح له بالتنفس بين ظهرانينا.
ونصيحتنا للنظام بأن يكف عن التآمر والوقوف على الأسباب الحقيقية وراء "ردات الفعل" الشعبية، والتوقف عن التفكير بعقلية المؤامرة من قبل الشعب وأفراده. إن شعب البحرين شعب مسالم، ومتسامح، يطلب الاعتراف بوجوده ومطالبه وحقوقه التي سوف ينالها - طال الزمن أم قصر. وأن أفضل الحلول التفاهم مع الشعب لا التآمر عليه.



[1] http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentID=7228