Tuesday, December 25, 2007

نشرة تكامل: ما ضاع حق وراءه مطالب

مقال نشر في نشرة "تكامل" الصادرة من قبل شبكة تكامل الشبابية العربية- العدد (2)- صيف 2007م
-----------------------------------------
إضاءات في الحقوق: ما ضاع حق وراءه مطالب

د. عبدالجليل السنكيس[1]

كلام جميل و ذو معان سامية لأمير المتحدثين خليفة المسلمين الرابع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه. وقد بحثت في القوقل (Google) عن هذه الكلمة الوضاءة، فأتت الصفحات تلو الصفحات ممتلئة بالإشارة إليها على لسان العديد- من يعرف صاحبها ولم يعترف به، وكلها كانت تركز على الإشارة المباشرة من هذه العبرة، وهي المطالبة بالحق والحقوق. هي كلمات بسيطة وذات دلالات واضحة، كما تتسم بالشحن الموجه والسعي لتحقيق المراد، اتخذها العديد من المطالبين بالحقوق والمؤسسات الحقوقية، شعاراً تنادي به وتخاطب به الجماهير والقواعد الشعبية، لتبث فيه روح المطالبة بالحق وعدم التنازل عنه.
في هذه الحلقة من إضاءات في الحقوق سوف نقوم بـ"تشريح" هذه الكلمة لنأخذ منها الإضاءات اللازمة لتنير درب المطالبة بالحقوق والتأسيس الواعي لمنهجية السعي لتحقيقها. تنقسم المعاني في هذه الكلمة إلى ما يلي:
1) التعرف على الحق- البوصلة:
التعريف بالحق أو التعرف عليه هو الأساس الأول المطلوب لخلق توجه وسعي باتجاهه. أن يعلم الإنسان ما هي الحقوق وان يتعرف عليها هي عبارة عن الكشف عن الخارطة قبل البدء في خطوات الطريق، وقبل تعلم كيفية المطالبة بها. التعرف على الحق بمثابة البوصلة التي تعرف صاحبها وتدله على الطريق الصحيح. فمن غير المنطقي، أن يتحرك الإنسان في الصحراء- مثلا- وبشكل عشوائي دون أن يعلم الخط الذي يسير عليه، وأين يريد أن يذهب. فخطة الطريق مطلوبة، وأهمها معايير التأكد من صحة الطريق، وهنا يأتي دور البوصلة.
أن يعرف الإنسان ماذا يريد، هي المحطة الأولى قبل التحرك لتحقيق ذلك، ولهذا إن من الأهمية بمكان التعريف بالحقوق حتى يتولد الدافع الطبيعي تجاهها في محاولة للحصول عليها.
وتشير الدلائل بأن أن الأنظمة الدكتاتورية، إما تعطي لنفسها ما هو غير حق لها، أو أن تستغل جهل المواطنين والشعب بحقوقهم، ولهذا فهي تواصل انتهاكها، دون اعتبار أو اهتمام بردود فعل منهم. ولهذا، طالما عارضت الأنظمة الشمولية والدكتاتورية برامج التوعية بالحقوق والتعريف بها وتعلم أدوات المطالبة بها. وكان كلما تكونت مؤسسة تسعى لتوعية وتثقيف الناس بحقوقهم، أن أعاقت عملها، وحاولت مضايقتها ومحاصرتها إعلامياً وقانونياً. بل سعت هذه الأنظمة بإتباع مسارين للالتفاف حول المطالب الحقوقية:
أ‌- المسار الأول: صنع المنظمات البديلة أو اختراق الموجود منها، وذلك للتشويش على عملها، أو التحكم والتأثير على توجهاتها، وبرامجها وقراراتها.
ب‌- المسار الثاني: تقوية الأواصر مع المنظمات الدولية، بل السعي للاشتراك في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لاستغلال نفوذها وعلاقاتها الدولية لمنع أي محاصرة لأنشطتها المناهضة للحقوق أو التأثير على كشف انتهاكاتها لتلك الحقوق أو استهدافها للنشطاء والمدافعين عنها.
ولهذا لا عجب من دخول بعض الدول التي طالما عرفت بانتهاكاتها لحقوق الإنسان لمجلس الأمم المتحدة الذي من المفترض أن يدافع عن الحقوق ويضرب أعضاءه المثل الأعلى قبل مطالبة غيرهم بمراعاة وحفظ تلك الحقوق. ولا عجب من عدم تفاعل بعض المنظمات المعروفة مع بعض القضايا والانتهاكات في الدول- خصوصاً دول المنطقة العربية- لانتشار أخبار عن تأثير دولارات نفط بعض الدول المنتهكة على بعض العاملين في هذه المنظمات.
ولهذا، فإن على عاتق النشطاء والمدافعين عن الحقوق والمؤسسات الحقوقية المحلية والدولية عبء غير قليل في نشر ثقافة الحقوق عبر برامج مكثفة تصل للمواطنين في أماكن سكناهم. تجدر الإشارة هنا إلى أمرين:أولهما، أن التثقيف ليس الغرض منه، وإن هو جزء أساس ومهم أيضاً، خلق كوادر حقوقية ومنارات تنير درب الآخرين وتسعى من خلال ما تعلمته للمساهمة في نشر ثقافة الحقوق. إن الغرض الأساس هو خلق وعي بما هي الحقوق، وأنواعها، وكيفية المطالبة بها، من خلال ثقافة وعادات وتاريخ المجتمع المعني. وهذا يقودنا للنقطة الثانية، وهي أن يكون هناك تبسيط لعملية التثقيف والتوعية. فالهدف الأساس، هو التحسيس والتعريف بالحقوق، وعليه، لابد أن تأخذ هذه العملية في الاعتبار، وعي الناس ومستواهم الاجتماعي والثقافي، ونقلهم بشكل هادئ وسلس إلى مستويات متقدمة بالحقوق. فلابد الاستفادة من الثقافة المحلية، والظروف المتاحة، واستخدام اللغة المقبولة من القطاع العام من الناس.
2) السعي للحق:
بعد التعريف بالحق ووضوح الرؤية والمطلب، ينتقل الإنسان بشكل طبيعي- ما لم تعوقه عوائق، نذكرها في إضاءات مستقبلية، إلى الخطوة الثانية وهي الحصول عليها. فمتى ما تكونت للإنسان المعرفة بالحق (البوصلة) وتبلورت الخارطة (طريق السعي)، أضحى تحرك الإنسان شيء طبيعي. فإذا ما عرف الإنسان حقوقه الاقتصادية، فلابد أن يتولد لديه الإحساس الطبيعي للحصول عليها. وهنا يجب أن نشير إلى أن الحقوق لا توهب وإنما تؤخذ، لسبب بسيط أن هذه الحقوق، إما سلبها آخر وهو متنعم بها ويريد أن يواصل احتفاظه بها، ولذا سيتمنع أو يعيق إعادة هذه الحقوق لأصحابها أو مشاركتهم له فيها. أو أن هذه الحقوق هي وجود الآخر وسيطرته، فمتى ما أخذت منه، زال وجوده. وعليه، فإن الحقوق عادة ما تنتزع من جهة لتستقر في جهة أخرى، أو أن تكون شراكة بين مطالبين بها. ومثل ما ذكرنا سابقاً، فقد دأبت الأنظمة الشمولية على التعمية والتجهيل بالحقوق أو العمل على منع التثقيف والتوعية بها، لعلمها بأن الخطوة التي تلي المعرفة بالحق هي المطالبة به. وعليه، إذا لم يكن هناك مطالبين بالحق، فلن يتبرع من يتنعم به- ظلماً وبهتاناً- بأن يعطيه لم هب ودب، طواعية. من جانب آخر، فإن المطالبة بالحق دليل الحق. بمعنى أن لو أن شخص ما لا يشعر بأن الحق الفلاني له، فكيف يبرر مطالبة الآخرين به. كيف يطالب الإٌنسان بما ليس له؟ إن مطالبته بالحق هي التي تضغط على منتهكيه أو سالبيه للتنازل عنه وإرجاعه لأصحابه.وعليه، حتى تسترجع الحقوق، وحتى يتنازل عنها من يعتاش بسلبها، لابد من المطالبة بها، والسعي الحثيث للحصول عليها.
3) عدم ضياع الحق:
بعد معرفة الحق وتعريفه، والمطالبة به وتأكيده، يصبح أمراً صعباً تضييعه أو إضاعته. بعد أن يعرف الإنسان ما يريد، ولديه خطة الوصول للحق والسعي له، لا يمكن أن يضيع ذلك الحق. إنها حقيقة- يؤكدها كلام الأمام علي (كرم الله وجهه)- بأن المعرفة حجة، وبأن المعرفة بالشيء وتعريفه تمنع الجهل به وضياعه. وعليه، تصبح مسألة وقت وجهد، لنيل ذلك الحق وتحقيقه. لا يمكن لطالب الحق أن ينسى حقه بعد ما علمه وتعرف عليه وعلى طريقة الوصول إليه. كما لا يمكن لمنتهك الحق وما نعه أن يستمر في منهجية نكران الحق وحرمان أهله منه في ظل وجود من يعرف أن له حقاً ويطالب به.
كلمة أخيرة:
هذه كلمة رائعة من روائع كلمات خليفة المسلمين الرابع، توضح بشكل بسيط ومباشر ومؤثر ملامح مبدأ أساسي للمطالب بالحقوق، تركز في المبادرة الشخصية لصاحب الحق، بأن يتعرف على حقه وحدوده (التثقف والتثقيف والوعي) وكيفية الحصول على ذلك الحق من خلال انتهاج وسائله المشروعة، وبهذا لا يمكن أن ينكر أو يضيع أو يضيّع ذلك الحق. مع وجود العلم والمعرفة بالحق، والسعي في المطالبة به، هو إعلام وتوثيق له، لا يمكن محوه من ذاكرة طالب الحق ولا منتهكه ولا شهود التاريخ من بقية البشر.
[1] ناشط وباحث أكاديمي بحريني (المدوناتaslingace.katib.org, alsingace.jeeran.com alsingace.blogspot.com:-
العنوان البريدي: asingace@gmail.com)