Saturday, March 29, 2008

عفواً .. أنت طوفة هبيطة.. أنت محلل

عفواً .. أنت طوفة هبيطة.. أنت محلل
الطفل.. المرأة ..الشاب.. طالب المدرسة.. طالب العلوم الدينية.. البيت.. المسجد: لا حرمة لأي منها

عبدالجليل السنكيس
27 مارس 2008م

لم أكن مستغربأً من تعاطي القوات الأجنبية (الرسمية والميليشيا) الحاقدة مع المواطنين سواء كانوا أطفالاً في سن أحمد عقيل ذي الأربعة
عشر ربيعاً حين تكالبوا عليه أمام منزل والده، وهو وحيداً أعزل وضعيف البنية، وأشبعوا جسمه بالضرب بعد أن شجوا جبهته وسالت الدماء منه، وظلوا يركلونه ويضربونه إلى أن أفقدوه وعيه. كان أحد القوات المرتزقة يتساءل إن كان قد فارق الحياة أم لا. فكان جواب الآخر، بأنه سوف يثبت إذا كان كذلك. فقام بركل ذلك الشاب، وهو غارق بدمه، بقوة وعنف ليتحرك الأخير معبراً عن الألم. فما كان من الأول والبقية إلا أن تكالبوا عليه مرة أخرى ليوسعوه ضرباً وشتما. هكذا تعامل أولئك المرتزقة مع أحمد وهو بحسب جميع الأعراف الدولية طفل، ولكنه هنا في البحرين من أصحاب المحللة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فلا بأس أن ينال منه أولئك ما ينالوا حتى وإن أزهقوا روحه، فهم..أولئك القوات المسلحة.. يدافعون عن أنفسهم ويحمون الأمن كما يصرح "رجالات الأمن في هذا البلد".. وبعد هذه التصريحات والرصيد المفتوح من حماة الأمن، من يقف في وجه المرتزقة الحاقدين ومن يحاسبهم على ما يفعلوا في المواطنين العزل؟

ولم أتعجب مما حدث قبل يومين فقط، عند مدخل أحد القرى، هذه المرة لم يكن شاباً متلثماً ويحمل في يده حصاة. ولم يكن رجلاً يركض بعد أن أشعل النار في إطار ليعرب عن احتجاجه، ولم يكن ولم يكن.. لقد كان أحد طلبة العلوم الدينية ويلبس الجبة دليلاً على ذلك، وكان في سيارته ومع زوجته الموقرة. كيف تعامل المرتزقة أفراد القوات الأجنبية معه ومع زوجته حينما طلبوا توقف سيارته عند مدخل تلك القرية العصماء. أهانوه، وطلبوا منه أن يخرج من سيارته، ضربوه بعد أن كالوا لهما من الكلام ما كالوا. فما كان من زوجته إلا أن تنقض عليه لتحميه من أولئك الأوباش الأجانب، فأوسعوها هي الأخرى ضرباً وشتيمة. طبعاً، وبحسب رجالات الأمن وحراس البلد، فإن الشيخ الموقر وزوجته المصونة، هما اللذان حاولا الإعتداء على قوات الأمن المسلحة، وما كان من تلك القوات التي تكيل السب والشتائم للداخلين والخارجين من تلك القرية إلا ان يدافعوا عن انفسهم بكل ما أتوا من قوة حفاظاً على الأمن والإستقرار. لم تكن تلك الحادثة هي الوحيدة تلك الليلة. فمسلسل إهانة أبناء هذا الشعب لم يتوقف. هذه المرة أيضا لطالب علم آخر ومع زوجته أيضاً، تم إيقافه وتعنيفه وتوجيه الكلام السيء له ومعاملته معاملة سيئة لا تليق ببشر، ولاتليق بمواطن، ولا تليق برجل وقور مع زوجته، ولا برجل دين محترم. نعم. نفس المعاملة حدثت لطالب علم دين آخر، أفي ذلك تجني على تلك القوات الأجنبية، أم أن هناك قناعة متولدة عند أولئك بعد أن ملئت قلبوهم حقداً على أبناء الطوفة الهبيطة. فلا الطفل الصغير ولا الرجل الكبير..لا المرأة ولا الرجل.. لا طالب الجامعة والمدرسة النظامية ولا طالب العلوم الدينية بمأمن من العقاب.

كلهم مذنبون، حتى الطفلة الصغيرة فاطمة الستراوية ذات السنوات التسع، لم تسلم من بطش القوات الأجنبية. كانت تلك البريئة تتصور أنها في بلدها تنعم بالأمن والأمان، ولها أن تلعب وتمرح فيه، حتى مع ضيق العيش، وتعبر عن طفولتها البريئة. كانت ذاهبة لشراء العشاء، تصوروا، هي لحظات حتى تفقد وعيها بسبب كمية الغاز الكيماوي الذي يملء المحيط. تسقط تلك البريئة على الأرض مغشياً عليها، وتبقى أياماً، بين الموت والحياة. هو اللطف الإلهي بها وبأهلها ما أعادها للحياة لترجع البسمة على محياها وعلى وجوه أهلها الكرام..

كبرى.. تلك السيدة التي لم تخرج من بيتها أو غرفتها، لم تكن لتسلم من "قنابل السلام" التي أرسلتها القوات الأجنبية فوق البيوت وعلى النوافذ لتجرحها في مواقع مختلفة من جسمها وتحرق وبعض أثاث شقتها. ما ذنب تلك المسكينة البريئة يا رجالات الأمن؟

ونتذكر كيف هجموا على ذلك الشاب مع زوجته الحامل في شهرها التاسع.. وضربوها بعد أن حضنت زوجها لتحميه من ضرب المرتزقة، فما كان منهم إلا أن ضربوها هي الأخرى. وعندما حاول ذلك الشاب أن ينفذ بجلده ويهرب من العذاب.. يضرب بالرصاص المطاطي من أمام السيارة ومن خلفها، بعد أن خرج عليه أفراد القوات الأجنبية من كل حدب وصوب. لقد كان لطف الله عظيما أن زجاج تلك السيارة من النوع المقوى فحمى ذلك الشاب من اصابة في وجهه كما توضح صور السيارة بعد الإصابة..
ونتذكر، كيف هجم المستوردون من صحارى الأردن وسوريا واليمن والبلوشستان ومن بلاد الرافدين على بيوتات أولئك الشباب الأبطال القابعين في السجون.. كيف هتكوا حرمتها.. كيف كسروا الأبواب ودخلوا على أولئك النشطاء وهم نائمون مع أزواجهم تحت جنح الليل وستره. كيف أن تلك الزيجات كن بلباس نومهن، وبلا حجاب.. كيف جروا أولئك الأبطال أمام زوجاتهم وأطفالهم، وأمهاتهم، كما تجر الأضاحي على الأرض.. كيف روعوا أهاليهم وضربوا كبار السن الذين كانوا يتساءلون عن سبب الإعتقال وبهذه الطريقة الهمجية. ونتذكر تكسير أبواب البيوت والعبث بمحتوياتها.. ونتذكر الهجوم على المصلين في مسجد الصادق والإعتداء عليهم، وضرب المسجد "بالمنجنيق الربل" وتكسير زجاجه ومحتوياته..

ماذا يعني ذلك؟ وماذا بقى لإنسان هذه الأرض؟
إن كل ما حدث من اعتداءات متواصلة مستندة على تعبئة نفسية من الجهات الأمنية وحماية قانونية ورسمية، لأنه لم يكن يتصرف أولئك الغرباء والمرتزقة بهذه الطريقة مع أبناء البلد لو يكن هناك تفهيم أو فهم متداول بحرية التصرف و"الحلية" لما يصدر منهم من تصرفات تجاه أولئك دون "البشر". فأولئك أصحاب الطوفة الهبيطة ويستطيع الجميع أن يطئهم، ولن يهتهم بهم أحد. بل إن التوجه هو لمحوهم من الوجود.. تشريدهم لأصقاع الأرض.. تفقيرهم.. تجهيلهم.. منعهم من العبادة.. منعم من العيش الكريم.. بل منعم من العيش. ولهذا فلا مشكلة أن يضرب طفل.. أن تسقط إمرأة حامل بطفلها.. أن يضرب رجل كبير في السن.. أن يهان رجل محترم وطالب علم دين أو دنيا..لا يوجد أي مشكلة..فلا يوجد لهذا الشعب الأصيل من يدافع عنه من ينتهك أبسط حقوقه.

"حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة"
كنت اتصور بأن بعد ما حدث من انتهاكات يومية، أن ينتفض من يحس بالعزة والكرامة من أبناء هذا الشعب.. من هم يملكون التأثير.. من هم متصدون لحماية المكتسبات ودفع الضرر عن هذا الشعب.. أن يدعون لحركة احتجاجية نخبوية وشعبية متواصلة حتى تتوقف كل أنواع الإنتهاكات لأصحاب الطوفة الهبيطة.. بشكل دائم ونهائي، ومعاقبة المسئولين سواء كانوا أمنيين أو من الحكومة أو من البلاط الذين أوعزوا أو شجعوا أو حرضوا أو دعموا مشروع الإستهداف لأصحاب الطوفة الهبيطة.. بل حتى ترسم قواعد اللعبة مرة أخرى على أساس الإحترام المتبادل وأن الأمن للجميع وأن الخير والثروة والكرامة للجميع.. أليس حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة؟ وهل لم تنتهك حرمة إنسان هذه الأرض، ولم تداس كرامته وتدفن في التراب؟ ألم يتم التعامل مع إنسان هذه الأرض بأقل من بني البشر؟ فماذا يسمى الضرب.. والإهانة والسب والإعتداء الجسدي والجنسى ؟ ..ولكن.. أكتفينا ببيان.. للأسف. فهل يعذر من يرى في ذلك ذلاً ومهانة لاتطاق؟