Tuesday, October 21, 2008

شهادات التعذيب في المحكمة- من يأمن في هذا الوطن؟

في ظل أزمة الثقة، مسرحية بخش لن تكون النهائية:

من يأمن في هذا الوطن؟

عبدالجليل السنكيس

19 أكتوبر 2008م

كنت من ضمن الحضور لمحكمة الإستئناف في قضية ضحايا مسرحية ديسمبر الماضي التي ترأسها يوم أمس قاضي القضايا العمالية، بمساعدة إثنين من المصريين بتاع "أسكت"، الذي بدأ أحدهم بالإيعاز للشرطي بأن يخرج كل من يحدث صوتاً من الحضور، دون أن يرجع في ذلك لإذن القاضي. ورأيت بأم عيني، كيف يقضي القاضي على شهادة الشهود: يقضمها، يبعثرها، يجعلها هباءً منثورا، وهكذا دور القضاة في القضايا السياسية، وأنى لهم غير هذا الدور.

الشاهد يقول بأنه سمع حسن يصرخ ويأن في زنزانته في وكر التعذيب في التحقيقات، القاضي يقول (يحقق): أنت سمعت، ولكنك لم ترى. وهناك فرق بين من سمع ورأى. القاضي يسأل الشاهد: كيف عرفت ذلك. قال الشاهد: كنت معتقلاً معهم لفترة. القاضي: هل تعرضت للتعذيب؟ الشاهد: نعم.. تعليق، صعق كهربائي، ضرب. شاهد آخر يقول بأن عيسى جيئ به وإثنان يساعدناه على المشي،حيث لا يستطيع المشي بسبب التعذيب. القاضي يحقق مع الشاهد: كيف حكمت ان ذلك بسبب تعرضه للتعذيب؟ يمكن طايح، أو متعور وما يقدر يمشي!!!.

شاهد ثالث يقول رأيت ناجي في الممرات، وهو مصمد العينين، وليس عليه سوى فانيلا أثناء فصل الشتاء القارص. في التوقيف (وكر التعذيب) يوميا ولمدة 13 يوم، كان يؤخذ ناجي ليلاً، وكنت أسمع صوته وهو يصرخ. رأيته ذات مرة وهو ملقى على الأرض، وأحد أفراد قوات الشغب- ضخم الجثة- يضع رجله على صدره، وهو لا يستطيع التنفس. معذب التحقيقات ينظر إلى ناجي.. يأكل المكسرات ويرمي قشرها عليه!!.

شاهد رابع يقول: رأيت عيسى معلقاً، والدم على أكتافه، ويصعق بالكهرباء. رأيت ميثم والدم على جسمه ويهلوس، بعد رجوعه الساعة الرابعة فجراً وقد أُخذ الساعة 12 ليلاً.ويواصل نفس الشاهد: وأنا في طريقي للحمام، سمعت حسن يصرخ وهم يضربونه. وفي مكاتب التحقيقات، رأيت محمد مرمياً على الأرض، مقيداً بالأفكري "القيد الحديدي"، ويضرب المعذبون على رأسه.

هذه بعض شهادات الشهود..القاضي، كان يختصر تلك الشهادات يشوش الشهود،ويذكرهم بين الفينة والأخرى بأنهم على اليمين. وهل بقى شك في حيادية القاضي والقضاء، الحكم معروف مسبقاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

في الجلسة السابقة، طلب المحامون عرض قرص مدمج في هذه الجلسة. لم يتم تجهيز الصالة بما يضمن عرض الفيلم الذي يوضح بعض لمحات التعذيب للمعتقلين. يأتي ذلك ضمن اللعب بالزمن وتطويل بقاء النشطاء داخل السجن في محاولة لكسرإرادتهم. القضاة، قبل إنهاء الجلسة وتأجيلها لـ 23 من نوفمبر القادم، سألوا المحالمين: ماذا تريدون أيضاً. المحامون ردوا: نريد أن نقدم مرفعات، فتم إعلان التأجيل. أحد أعضاء هيئة الدفاع يقول وهو خارج من المحكمة: "ما دام هذا جو المحكمة.. لا تترجون خير..لا تترجون خير"!!!

في خارج المحاكمة، لوحظ وجود الجلادين المجالي والفضالة، في لباس مهندم يغطي حيوان شرس، حيث عرف هذين المعذبين في تفننهما في إذاقة النشطاء والمدافعين عن الحقوق صنوف العذاب والمهانة. وليس بغريب أن يقوم أفراد الجهاز الأمني البحريني بهذه الممارسات، حيث كانت له اليد الطولى طوال التاريخ، في تحريك الأوضاع السياسية بعناوين مختلفة.

لم تفارق فكرة المسرحيات "الأمنية" أبناء شعب البحرين، وخصوصاً بعد الإنقلاب الأول على الدستور الشرعي لعام 1973م، فلقد أعتاد الأحرار من أوال أن يكون في كل "ديسمبر الأمن في خطر". وكان جهاز هندرسون السيئ الصيت، يواظب على أن يستغل عقدة النظام وأزمة الثقة بالشعب التي يعيشها منذ مقدمه، ليعلن عن وجود محاولات انقلاب، واكتشاف خلايا ارهابية، والعثور على أسلحة في البر والبحر، وهكذا، ليسمح له، وتعبيراً عن ذلك الخوف وتلك العقدة، بعمل اللازم لحماية العرش، والقضاء على أي محاولة للإنقلاب على الشرعية!. هكذا، منح النظام المتسلط، ومنح جهاز أمن هندرسون لنفسه الصلاحيات المطلقة التي لا يجرء أحداًَ، مهما كان على تعديها. وكل مايصدر من هذا الجهاز، هو وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه. وكانت جميع الأجهزة تسخر لإرادة هندرسون ومن يقوم مقامه، بما فيها رأس النظام. فما يقرره جهاز "إرهاب الدولة"، من سيناريوهات، ومن ضحايا، ومخلفات، ومخرجات لمسرحياتهم، كانت أجهزة الدولة مرغمة على التناغم والتعاطي- كالممثلين الكومبارس الذين يعملون ما يؤمرون- دون أي تدقيق أو مراجعة أو إعادة نظر.

وحتى يضمن جهاز "هندرسون الإرهابي" استمرار قبضته وسيطرته وحظوة كلمته وقراره، لم تكد تنتهي فصول مسرحية، حتى تتبعها مسرحية أخرى. ومن يذكر من الأخوة ما يقوم به جهاز إرهاب الدولة في السبعينات، والثمانينات والتسعينات، يستطيع أن يروي لنا الكثير. وما أحوجنا لتوثيق تلك الأحداث بشيء من التفصيل والعمق.

في بداية العهد الجديد، وليس بجديد، كان لابد من تغيير التكتيك ليتحول من القمع الحديدي الإقصائي والإستبدادي الى أسلوب الإحتواء والتخدير، فيما تجري مشاريع استلاب الإرادة عبر الميثاق المشئوم، تبعته قوانين شرعنة تهميش الإرادة وحماية الجلادين، وتكميم الأفواه، ثم تلا ذلك دستور الشيخ حمد الذي فرضه بشكل أحادي على شعب البحرين، ومن ثم مفرزات تلك الوثيقة من مجالس بصامة، تقر ولا تشرع، تصرخ ولا تمنع أذى، ولا تتحرك إلا وفق إرادة الدوواين. أصدرت هذه المجالس القوانين التعسفية التي تقنن للسلطات الأمنية أداءها وعملها المستهدف للنشطاء والمدافعين عن الحقوق والمؤسسات الفاعلة فيه. فكان قانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات، وقانون الإرهاب، وقانون المفرقعات، وغيرها من القوانين التي لا تزيد الجهاز الأمني إلا قبضة.

بدأت المسرحيات القديمة في عهد الشيخ حمد، بقتل الشاب الشهيد علي جاسم، واستخدام حرق سيارة الشرطة كطعم لإعتقال الوجبة الأولى من النشطاء المعروفين والذين عرفوا بمعتقلي مسرحية أحداث ديسمبر، تلتها مسرحيتي حرق مزرعة عطية الله والإعتداء على سيارة الميليشسيا ومقتل بخش –أحد أفرادها من الجنسية الباكستانية، في قرى المنطقة الغربية وتحديداً كرزكان. تلى ذلك مسرحية الأعتداء على سيارة رجل المخابرات في سار واعتقال الثلة الشابة من تلك القرية الآمنة، ثم مسرحية حرق الكراج في السهلة وما تبعها من مداهمات في بيوت قرية السهلة، ومن ثم مسرحية حادث المعامير وتفجير السيلندر في سيارة. أما المسرحية الأخيرة، والتي تستهدف قرية الدمستان، والتي جاء إخراجها من خلال الإعتداء على سيارة مدنية والمنزل المهجور الذي يحوي بعض الإطارات الكبيرة والقنينات الفارغة.

الوثيقة التي عرضها فريق الدفاع عن معتقلي كرزكان، الذين يذوقون أنواع التعذيب والمهانة في وكر التعذيب في التحقيقات نكاية بهم، تثبت بأن أحد أفراد ميليشيا السلطة المسلحين "ماجد أصغر بخش" قد مات قبل خمسة شهور من تاريخ المسرحية، ودلل على ذلك عدم وجود جثته في البحرين ليتم تشريحها وتحديد سبب الوفاة وتاريخه. كما يدلل على ذلك اختفاء السيارة المحروقة التي كان يستقلها بخش ورفاقه، والتي ستوضح كيفية مقتله، إن كان قتل في تلك الليلة وفي تلك المنطقة، ناهيك عن التناقضات في تصريحات المسئولين، وعائلة بخش وغيره.

إن وثيقة "بخش" تثبت مرة بعد أخرى ضعف السيناريوهات التي يخرجها جهاز هندرسون السيء الصيت، وتذكرنا بمسرحية مصنع الملوتوف في بني جمرة الذي كشف لاحقا بأنه مرزعة خاوية فيها قرد وحمار.
إن ما يمكن استنتاجه بأن مادام النظام مستمر في التعاطي مع الشعب بعقلية أزمة الثقة التي يعيشها هو لوحده، ومطلق العنان لوحوش رجالات هندرسون- لا أبقاه الله- لخلق المسرحيات الأمنية والتفنن في تعذيب النشطاء والمدافعين عن الحقوق والمطالبين بحياة حرة كريمة، فإن حالة اللاستقرار ستستمر وتتواصل، وحالة الغليان سيزداد والغضب سيتعاظم، وحينها لن يفيده المرتزقة الذين أتى بهم من كل حدب وصوب، وعلى الظالم "الطاغية" تدور الدوائر.