نعم.. أتفق معك يا أستاذة لميس، ولكن ألا تتفقين معي بأن التوقف دليل الموت، وأن الركض بشكل عام هو دليل الحياة.
بدون البحث، وبدون السعي وراء الطموح، لا يبقى للحياة طعم، أقلها بالنسبة لبني البشر..العتالون بالطبيعة.
أترككم مع مقال الأستاذة لميس.. الى كل عتال
استراحة الخميس .. إلى كل عتّال..
لميس ضيف
قيل مرّ سلطان بقوم ففزُّوا له واقفين، إلا عتّالاً أطبق البؤس على روحه، فبدا وكأنه مغيّب في دنيا أخرى..!! فسأله السلطان ما خطبك ياهذا؟! فأجاب: الفاقة يامولاي.. الفاقة التي ولدت معي وسأموت معها.. سارع الحراس لرفس العتّال عقاباً له على طريقته الرعناء التي أجاب بها السلطان، إلا أن السلطان أوقفهم ونظر للعتّال الشعث المغبر قائلاً: سأغير قدرك لأني شئت؛ وأنا قادر.. كل تلك الأراضي والعِزب التي تراها على مد ناظرك هي ملكي أنا؛ وسأهبك منها ما تريد..!!وأمام دهشة العتّال الذي برقت الدهشة في عينيه؛ رسم السلطان بصولجانه خطاً، وأردف: ستبدأ أرضك من هذا الخط - وأركض- فأينما وقفت قدماك فهي نهاية ملكك الجديد..!!سويعات مرّت على العتّال وكأنها الدهر.. فوكزه أحد الحراس وصرخ به'' اركع وأشكر السلطان على كرمه البالغ''.. ولكنه لم يفعل بل بدأ في العدو.. جرى بكل قوته.. جرى وهو يتذكر الحرمان والطفولة المعذبة.. وهو يتذكر ليالي الجوع التي سيودعها دون عودة.. أطلق رجليه للريح حتى بهتت ضوضاء السلطان والحراس، بل وبهتت الدنيا من حوله.. نال التعب منه وبدأت رجلاه تثقلان، وكاد أن يقف ويقع عدة مرات، لولا أنه قال في نفسه ''بضعة أمتار بعد''، وكان كلما تجاوز الأمتار التي منّى نفسه بها استزاد قليلاً.. وظل كذلك حتى سقط ميْتاً من فرط الإعياء!!تلك القصة هي أحدى قصص طاغور - حكيم الهند العظيم - نقلتها لكم بتصرف يخدم ما نريد قوله اليوم.. وقد وقعت تلك القصة فعلاً - بتفاصيل مختلفة- لعداء كيني في إحدى المارثونات؛ ركض حتى توقف قلبه ومات!! فللقلب طاقة لا يصح تجاوزها.. وإنْ تجاوزتها فقلبك ينذرك بإشاراته.. فإن أنت ما تجاهلت الإشارات؛ غامرت دون إرادة منك؛ بتوقفه!!فكم واحد بيننا يشبه هذا العتّال؟!يركض في الدنيا طالباً المزيد، فإن ناله طلب الاستزاده..!! كم واحد منا تجاوز ما غزا جسده من إعياء، وما تملك نفسه من ضجر وسأم وواصل العدو غير عابئ بالجرم الذي يرتكبه في حق نفسه!!للحياة إغراء غريب ذو منطق مخادع.. هناك بريق ما في الظمأ.. يسميه البعض طموحاً، ولكنه واقعاً جشع وحمق.. وكثيراً ما يكون هروباً.. فالخائف يركض بلا تفكير.. فهو يخاف الوقوف.. يخاف الحياة.. يخاف إن هو توقّف أن يواجه نفسه.. وأي أمر في الحياة أصعب من أن يواجه المرء نفسه!! هذا الجري المتواصل؛ هذا العدو الذي لا يهدأ؛ يستلُّ السعادة من القلب .. ويقصِّر ساعات اليوم، ويأكل من العمر سنينَ - بل- ويقصر عمر السعادة نفسها.. إذ يتلاشى الرضا بتحقيق حلم - سريعاً- لوجود مطلب وحلم جديد.. هذا التطلع الدائم.. هذا الزهد المطلق بما نملك؛ وهذا التّوق المستمر لما لا نملك .. يورث القلق الدائم.. ويجعل الحياة رحلة مضنية.. حتى إذا ما حان وقت الراحة والتقاط الأنفاس، وجد المرء نفسه ركاماً من الأمراض والآلام والندوب .. فتتحول المرحلة التي - يُفترض- بها أن تكون مرحلة استرخاء؛ لمرحلة استحقاق؛ ندفع فيها فاتورة السنوات الماضية بكل ما فيها من إهمال للذات والصحة والأحباب..!!الطمع يحوم حول ابن آدم كغراب البين.. يمحق العمر ويضرب المرء بسوط من الذل والبؤس.. يقول نبينا الكريم (ص) في الحديث الشريف ''لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثاً.. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب''.فلا تكونوا كذلك العتّال.. الذي ركض.. فركضت منه الحياة..!!
رابط المقال : http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10164
رابط المقال : http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10164