Sunday, June 07, 2009

عندما يكون القرار عند أشباه الرجال

عندما يكون القرار عند أشباه الرجال
عبدالجليل السنكيس
5 يونيو 2009م
لم أكن أشك في عدم جدية السلطات في غلق الملف الأمني وفتح أي قناة للحوار الجاد لسبب واحد هو أن النظام سيكون مضطراً للإعتراف بالشعب وقواه، وهو أمر ليس مستعداً له لحد الآن.لقد طغت المماطلات والتسويفات فترة ما بعد الإفراج عن الجزء الأكبر من المعتقلين، وكان جلياً لدينا ما يقوم به النظام، بحيث لا يرغب أحد في تعكير صفو أي مبادرات ومساعي كريمة لحلحلة الوضع أوتنغيص أو القضاء على أي آمال يتشبث بها المعتقلون وأهاليهم. لقد اتضح السبب الرئيس وراء الإفراجات والتي كانت بمثابة تنفيس وتخفيف للضغط الذي بدأ يتزايد- محلياً وعالمياً- على النظام ومؤسساته، بحيث لا يفوت أسبوع دون أن يصدر تقرير حقوقي أو إعلامي أو تغطية خبرية عن مجريات الأنشطة الإحتجاجية في البحرين.
لقد وصلت الرسالة قوية للنظام بضرورة تدارك الوضع قبل أن ينفلت والعمل على تخفيف حدة الإحتقان الشعبي قبل أن يحدث ما لايحدث عقباه. لقد كان القرار الفوقي شديداً على "رجالات" الأمن بأجهزته المختلفة التي لا ترى إلا العصى وكسر العظام سياسة لتسيير الأمور. ولم يكن "أشباه رجال" تلك المؤسسات قادرين على اسيتعاب القرار الملزم بالتنازل عن المسرحيات وتعذيب الليالي وصراخ المعذبين في أروقة القلعة والتحقيقات ومراكز التعذيب. ولهذا، لابد أن يعربوا عن امتعاظهم وغضبهم، بعد أن جاء قرار الإفراجات الملزم ليفشل كل ما قاموا به، بعد أن ملئوا الدنيا صراخاً والجرائد بيانات وتصريحات تتهم نشطاء وأبناء هذا البلد بالخيانة ونعتهم بالنعوت التي يعلى اللسان على ذكرها.
ومن هنا، تمسك أولئك المسئولون عن "خراب البصرة" بعدد من المعتقلين والنشطاء تعبيراً عن حفظ ماء الوجه، بعد أن توعدوا من تم الإفراج عنهم بأن هناك- بهذه التعابير تحديداً- مسرحيات قادمة في المستقبل وأنهم سوف يرجعون للمعتقل. هكذا تدار الأمور في هذا البلد المليئ بالمعاناة والظلم والاضطهاد والقمع، ولا يلقى من السلطات سوى الكذب والخداع والغدر. ولعل هذا الحديث قاس على البعض، ولكن النظام استغل تلك السجية الطيبة لأبناء هذاالشعب المغلوب على أمره، وبادلوا طيبته وتسامحه وتعاليه على جراحاته بالخبث والتنكر والتعالي عليه وعلى معاناته.
وذهب النظام ليزيد في معاناة الشعب بشتى الصور، واستهدف ان يذيقه الهوان والويلات، لأنه- أي النظام- علم بأن مساحة التعبير عن مواقف الرفض والإستنكار محدودة ومقيدة، ولهذا استعمل ضد ذلك مرتزقة قساة "جلف" جلبهم من أصقاع الأرض، ومكن المعذبين- أشباه البشر- من مصر والأردن وسوريا والعراق لينهشوا في أجساد الأحرار في داخل المعتقل والسجون.لم يكن نكث العهود ونقض كلمات "الرجال" أمراً جديداً على هذا النظام، ولم تكن المرة الأولى التي يقوم فيه "رجالات" النظام بإطلاق الوعود والشعارات البراقة والمواثيق، لينالوا سكوتاً، أو اقراراً، أو تعاوناً معهم. وكان الشعب ورجالاته، في كل مرة، يتجاوبون- كما هي سجيتهم الوفاء وحب الخير لهذا البلد وأهله- ويتعاطون بإيجابية، ويتطلعون الى لين قلب أو استجابة لمطالب. ولكن هيهات!فمن شرب الغدر وتشرب به، لا يفي بالعهود والمواثيق.
ومن اعتاد على الكذب في حياته، فهذا ديدنه مع الناس، دون حياء أو استحياء من أحد. ومن لا يعترف بالشعب وحقه في القرار والثروة، لا يأبه بالشعب ومعاناته. ولهذا كان مطلبنا ولا زال استقالة الحكومة البوليسية وانتخاب الشعب لحكومته بنفسه، وهو أمرٌ لا يمكن أن يقبل به أولئك –أصحاب الدم الأزرق- الذين يعتقدون بأنهم فوق الشعب وفوق البشر الذين هم مجرد رعايا.النظام لا يعرف إلا لغة واحدة، آمن بها منذ قدومه لهذا البلد، وصارت أسلوبه في التعاطي مع الشعب واحراره. للأسف، فإن لغة القوة – بكل معانيها- هي اللغة التي يعترف بها ويحترمها وينصاع. وما دامت المجاميع الشعبية والنخبوية لا تعبر بأي صورة كانت عن مضامين وعناوين القوة التي ينصاع لها النظام، فإنه ماض في مشاريعه وأساليبه القهرية.
وهذا ما قامت به الحركة الإحتجاجية التصاعدية والمستمرة، في فترة ما قبل الإفراجات، من صنع موقف شعبي قوي رضخ له النظام، وإن لم يعترف بذلك. وقد قلناها من قبل، ونكررها مرة أخرى، ما لأبناء هذا الشعب إلا أبناءه، ولا يكسر القيد ويطلق النشطاء المرتهنين إلا أحرار هذا البلد لأنهم الوحيدين الذين يحسون بقيمة أبن البلد ومقامه وحريته. والورقة الشعبية الضاغطة قادرة على قلب الموازين وخلق معادلة جديدة تفرض على النظام الإنصياع والإنكفاء عن منهجية "أشباه الرجال" التي يسير بها البلد الآن، ويدفعه للهاوية. أما النظام، فلا ارتباط بينه وبين أبناء الشعب، ولهذا جاء بالمرتزقة والمعذبين "أشباه الرجال" ومكنهم وجيشهم ضد الشعب، ظناً منه بأنه يحمي نفسه، ولبئس القرار. يتضح جلياً ما تقوم به "عصابة أشباه الرجال" في دفع البلد الى زاوية الدهليز الأمني الضيق، وهو أمر إن كان محل رضا "عقلاء" القوم فإنها الطامة، وهي بلا شك سوف تكون لها نتائجها الوخيمة على الوطن وأهله.
وإن لم يكن قرار إدارة البلاد- بهذه العقلية الصبيانة- متروك لأشباه الرجال ليحرقوا البلد بمن فيها، فأين موقفهم وأين موقعهم، وأين صوتهم، أم هم مشغولون بجمع الدولارات وتكثير من شركات الإستثمار والعقارات الدولية؟ أمر آخير، فإشعال النار أمر قد يتم التحكم فيه، ولكن استمرار الإشتعال وحرق الأخضر واليابس هو أمر آخر، عادة ما يخرج عن التحكم والسيطرة، خصوصاً في وجود مواد الإشتعال والاحتراق. ولا يخفى على أحد مدى قابلية الأجواء الغاضبة والمحتقنة في البحرين للتنفيس عن غضبها في ظل سياسات سرقة المال العام الذي تستولي عليه النخبة المحسوبة على السلطات من جهة، وتمكين المرتزقة من موارد هذا البلد على حساب المواطن الأصلي – بسنته وشيعته. ومن غير "أشباه الرجال" من يتلاعب بالنار معبراً عن صبيانيته؟ ومن غير رجال القوم وعليته من يوقفون أولئك عن حرق البلد وتدميره؟