Thursday, October 13, 2005

لاءات الشيعة العشر: لاءات رفض الذل والعيش دون عزة وكرامة

عبدالجليل السنكيس-البحرين
10 أكتوبر 2005م
تقديم:
ظهرت بعض الأصوات التي تحاول استخدام وسائل النخوة والإستفزاز العاطفي بغية تغيير مواقف المعارضة في البحرين تجاه السلطة. وكما هو معلوم، فإن المعارضة ارتأت ان تقاطع العملية السياسية التي يقودها النظام لعدم اعتراف الأخير بوجود شعب له الحق في صياغة دوره في العملية السياسية. وقد كان ذلك جلياً في مقاطعة المعارضة للإنتخايات النيابية (الصورية) في العام 2002م، بعد أن ألغى رأس النظام دستور البلاد العقدي وفرض بصورة فوقية واحادية دستور غير متوافق عليه، يفرض وصاية النظام على العنصر المنتخب ويلغي تأثيره ووجوده الحقيقي في صناعة القرار.
تاتي هذه الأصوات، لتعطي انطباعاً بان الشيعة، وهم غالبية سكان البحرين والمعارضة، بأنهم اتصفوا بمعارضتهم غير المؤسسة، وكانت لهم لاءاتهم العشر عبر التاريخ والتي ابعدتهم عن المشهد السياسي.
المقال يؤكد بأن الشيعة لا يميزون في مطالبهم عن بقية المطالب الشعبية، وان لاءاتهم تأتي لتؤكد تعبيرهم عن الشعب البحريني الرافض لكل معاني الذل والتهميش المقنن. لاءات الشيعة، هي مطالب الشعب البحريني ليلعب دوره الحقيقي في صياغة القرار وصنعه ويضع اللبنات الأولى لحياة عزيزة كريمة
.
أصل لاءات الشيعة..

كان في بيان الإمام الحسين (ع) حينما أعلن خروجه ما قال: "لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما، ولكني خرجت للطلب الإصلاح في أمتي جدي، محمد (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي (ص)، فمن رغبني بالحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي، فإنه حسبي الله ونعم الوكيل". وفي جانب آخر، قال: أن الدعي بن الدعي قد وقف بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، ونفوس أبية". كما قال عليه السلام: "إن لم يستقم دين محمد، فيا سيوف خذيني"، و"خط الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وخيل لي مصرع أنا لاقيه، رضا الله رضانا أهل البيت".

هذه هي لاءات الشيعة، هي لاءات الحسين (ع) الذي أبى إلا أن يعيش بعزة وكرامة، وإلا فإن الموت أفضل. هي لاءات ترفض الذل والإذلال والركون الى الظالمين. أم يكن في مقدوره، روحي فداه، أن يتعايش مع الواقع، ويرضى بحكم يزيد والطغمة الحاكمة، ولكنه رفض كل ذلك:" يزيد، قاتل النفس المحرمة، ومثلي لا يبايع مثله..". فالحق والباطل لا يجتمعان، تحت أي عنوان من عناوين الموضوعية والرضا بالواقع.

هي لاءات ترفض أن تؤسس للباطل وتعطيه شرعية، وأن عنى بذلك أن تقدم أغلى ما تملك. فالغاية هي رضا الله، وليس الحصول على متع الدنيا ولذاتها، فما عند الله أبقى. هي لاءات للإقصاء عبر الإرادة الملكية والتقنين.

اللاءات وعلاقتها بالمطالب الشعبية:
نعم، طالبنا بالبرلمان وبالحياة الديموقراطية، ودعمنا ما يسمى بمشروع الإصلاح.لكنه لم يكن إصلاحاً، بل إفضاح. فهل هذا البرلمان الذين
ناضل الشعب من اجله؟ هو مجلس القرار فيه لرأس النظام وحكومته، وليس للشعب. هو مجلس يعطي الشرعية لقوانين الإرهاب والقمع. هو مجلس يتغاضى عن الفساد ويسمح له بالمرور، كما حدث لسرقات وإفلاس الهيئتين. هو مجلس أبي أن يجرم التمييز، ورفض أن يحاكم الجلادين والمعذبين. هو مجلس مرر الميزانيات دون اعتبار للمحرومين والفقراء ومحدودي الدخل. هو مجلس غض الطرف عن المدبر والمنفذ الذي وراء جريمة ملف التغيير الديموغرافي، وطرح التطبيع مع المجنسين. هو مجلس اسس على إلغاء الوجود الشعبي من خلال دستور عقدي وينتخب أعضاءه من خلال تمثيل حقيقي وعادل للدوائر الإنتخابية.

نعم، كان شعارنا الدستور هو الحل، ولم يكن الدستور الذي فرضه، وتفضل به، صاحب الجلالة، سليل الفاتحين، دون اعتبار للوجود الشعبي أو قواه، هو الذي طمح له الشعب ودفع ثمنه غالياً من خلال الضحايا والمعتقلين والشهداء. نقول لا لدستور يكرس السلطات جميعاً بيد رأس النظام، ويؤسس لملكية مطلقة، لا وجود للشعب فيها. نقول لا لدستور تكون فيه كلمة الشعب هي الدنيا، وكلمة الحاكم هي العليا. نقول لا لدستور، لم يتفق عليه الشعب، ولم يقره، ولم يكن له فيه كلمة. نقول لا للدستور الذي به تنتقص الحقوق وتسلب، وتشرعن قوانين الظلم وسحق الاصوات الشعبية المطالبة بالحقوق وبحياة العزة والكرامة.

لا للدستور الذي يعطي "الخيط والمخيط" لرأس النظام وعائلته الكلمة المطلقة، ولا كلمة للشعب في: التغيير الديموغرافي، وسرقة الأراضي والسواحل والجزر، وتطبيع العلاقات مع الصهاينة، واقتسام الثروة الوطنية.

لاءات الشيعة لم تكن للشيعة، بل كانت لكل الوطن والمواطنين. وكم حاول النظام على طول التاريخ أن يستميل الشيعة، لا لأنهم مواطنون يساويهم بغيرهم، ولكن ليخلق حظوة تضعف الشعب كله. عمل ذلك رأس النظام السابق- الشيخ عيسى بن سلمان- بشكل ومارسها الحالي- الشيخ حمد بن عيسى – بشكل قوي وملحوظ، وسوف يأتي الوقت الذي يتم فيه الكشف عن تلك المحاولات. لقد رفضت القيادات الشيعية كل تلك المحاولات ورأت على أن ذلك ظلم وتكريس له، وأنهم لا يميزوا بين المواطنين ولم يقدموا مطالب خاصة للشيعة على المطالب الوطنية. فلقد ادركوا بانه "أكلت يوم أكل الثور الأسود". لقد طالبت تلك القيادات بان يتم الإستجابة لكل المواطنين، بغض النظر عن خلفيتهم المذهبية. وعليه، فإن لاءات الشيعة كانت لاءات للوطن وكل المواطنين، ولهم شرف قولها وممارستها.
اللاءات العشر
:
ونعيدها ونقولها بالفم الملئان، هذه لاءات الشيعة، والمتمعن فيها يعرف ما هي الـ"نعم":
1) لاء، للتفرد بالقرار والسلطة والثروات، ونعم للمشاركة الشعبية على أوسع معانيها: ملكية دستورية وحكومة منتخبة ومصدق عليها من قبل برلمان حقيقي منتخب.
2) لاء، للتغيير الديموغرافي واللعب بالتركيبة السكانية وتمكين غير البحريني وتقريبه، ونعم للحفاظ على الهوية والإرث الثقافي والتاريخي للبحرين، ونعم للبحريني في كل المواقع، صغيرها وكبيرها.
3) لاء، لعناوين فتح البحرين التي يتشدق بها النظام ويحاول أن يكرسها في مناهج التعليم والثقافة العامة ومن خلال عناوين البنية التحتية، ونعم لأصالة الوجود الاسلامي والديني لشعب البحرين
4) لاء، لتحويل البحرين لملك خاص لأبناء واحفاد العائلة الخليفية، ومصادرة السواحل والجزر والأراضي العامة، ونعم لعودة كل تلك الأراضي والجزر لأهل وشعب البحرين والإستفادة منها بالشكل الأمثل.
5) لاء، للتمييز بين المواطنين وزرع الحزازات الطائفية والمذهبية، ونعم للمساوات بينهم في الإنتفاع بثروات البلاد ومواردها ومرافقها. نعم لتجريم التمييز، كائناً من كان وراءه.
6) لاء، لخلفنة المواقع الرسمية، وتمييزهم وتمايزهم عن بقية أفراد الشعب-سنة وشيعة، ونعم لتولي المناصب استناداً على المؤهلات والقدرات، لا الولاءات.
7) لاء، لدستور غير متوافق عليه، يكرس سلطات رأس النظام وعائلته، وبه تنتهك الحقوق والحريات العامة، ونعم لدستور عقدي يحفظ الحقوق للشعب حقوقه ويؤسس بان الكلمة العليا في إدارة الدولة هو ممثل الشعب الحقيقي.
8) لاء، لدوائر انتخابية طائفية، قبلية، تكرس الولاء للعائلة والحكم، وتزرع الفرقة بين المواطنين، ونعم لدوائر انتخابية تصون كرامة المواطنين حين تساويهم ببعض، وتعبر عنهم تعبيراً صادقاً غير موجه، وتضمن العدالة والمساواة.
9) لاء، لمجلس عناونه "تشريعي" ولكنه يبصم على ما يريده الحكم، ويمر من خلاله ما يبتغيه النظام، لا ما يريده الشعب. ونعم لمجلس يعزز الدور الشعبي في صناعة القرار من خلال القدرة والتمكين في التشريع والرقابة الكاملة والمستقلة.
10) لاء، للتداخل بين السلطات وتغليب السلطة التنفيذية، ونعم للفصل الحقيقي بين السلطات يسمح لسيادة حقيقية للقانون وقدرة حقيقية لعمل قضائي يحقق العدل والانصاف.

هذه لاءات الشيعة التي لن تتنازل عنها، وستظل تدافع عنها في كل محفل. هي مطالب ليست بدعة ولا جديدة، وعلى من له تأثير في القرار ورغبة في استقرار سياسي دائم أن يسعى لحلحلتها، لا أن يتجاهل وجودها ويطيّفها- أي يجعلها طائفية، ويحاول تقزيمها ويهمش تاثيرها. هذا ديدن من يرغب في تحقيق اصلاح حقيقي مستمر يضمن علاقة محترمة وقائمة بين الحاكم والمحكوم، وبدون التعاطي الإيجابي مع هذه القضايا، يبقى فتيل الأزمة قائم بين الشعب والنظام، ولن يحله مسايرة المسايرين، ولا محاباة المتمصلحين، ولا تسجيل المشاركين.

*****