Saturday, November 12, 2005

تقديم في ندوة
"آفاق العمل السياسي الجديد في مقاومة أجندة السلطة"
عبدالجليل السنكيس
بلاد القديم- البحرين
11 نوفمبر 2005م


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

السلام عليكم أيها السيدات والسادة ورحمة الله وبركاته،

فقد سجّل التاريخ نضالات الشعوب والثورات من أجل تغيير أوضاعها التي لم تكن ترضى عنها ولا تحقق طموحها وأمانيها. وتميزّت تلك النضالات بالتنوع في المطاب والأساليب، والعمق الشعبي، والبعد النخبوي، إضافة الى مدى عنفوان تلك التجارب التي تراوحت بين الدموية والعنف الى السلمية أو ما يسمى نضال اللاعنف. ولكل من أسلوب من أساليب النضال علاقته بثقافة المجتمع ومزاجه، وعاداته، وما نشأ عليه من طبيعة مجتمعية.

وبحسب الكاتب الفلسطيني سعيد مضية في مقاله في مجلة رؤية بعنوان" نضال اللاعنف انسجام الوسيلة مع الهدف":
فإن نتيجة التنافس بين العنف واللاعنف على وعي الجماهير، بين ما يطلق عليه الكفاح المسلح وما يطلق عليه النضال السلمي يتوقف على عوامل موضوعية تكمن في النفسية الاجتماعية، إلى جانب عوامل ذاتية تكمن في معرفة الحزب أو مجموعة أحزاب مؤتلفة بالأسلوب الصحيح للاقتراب من الجمهور وفهم نفسيته والتفاعل معها أو تغييرها لاجتذابه ـ الجمهور ـ إلى طروحاته السياسية، ثم الإتقان التام لنواميس النضال وسبل تطويره حتى النهاية المظفرة".

وفي المفاضلة بين النضال الجماهير والحركة المسلحة، يشير الكاتب مضية الى:

"يجند نضال اللاعنف نسبة عالية من الجمهور قد تصل، إذا ما روعي تنويع أنماطه وتطوير أساليبه، إلى ثمانين بالمائة من الجمهور من مختلف الأعمار والاتجاهات. بينما العنف يستوعب الشباب بنسبة لا تزيد عن خمسة عشر بالمائة. وعبر تصعيد الكفاح تتبدد بين الجمهور حالات الإحباط وعدم الثقة بالذات والارتياب بالآخرين. في مدرسة النضال الجماهيري تجري عملية تربوية تثقيفية للجماهير وتتفتح براعم وتنبت فسلات، مثل التآخي والتكافل الاجتماعي وتتضاعف العزيمة الكفاحية أضعافاً مضاعفة. الكفاح المسلح يحرر المناضل من الخوف ومن الإذعان لسطوة الطغيان، إلا أن العرَض المرَضي يعاوده حالما يعود إلى مجتمع تتكالب عليه عقد الاضطهاد والقهر والانسحاق. أما نضال اللاعنف فيسلح الجمهور بأسلحة اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية".
ويستشهد الكاتب، بالوقائع التاريخية وتجارب الأمم التي اتخذ فيها الجهاد شكل النضال السلمي. ويذكر التجربة الهندية التي شارك فيها العديد من رجال الدين على رأس الجمهور المسلم خلف المهاتما غاندي. وكان عبد الغفور خان نائباً للمهاتما في منطقة شمال غربي القارة الهندية. وفي مصر، اتخذ المصريون عبر ثورة 1919 شكلاً لنضال اللاعنف، وشكلت منعطفاً هاماً في تطور مصر الحديث. وبذلك حصلت دول الهند وغانا وغينيا (ساحل العاج سابقاً) وكذلك دول شمال إفريقيا على استقلالها. كما حققت إيران من خلال اللاعنف ثورة أطاحت في العصر الحديث بسلطة الشاه عبر تفكيك وشل أعظم جهاز عسكري في العالم الثالث.
وفي أوروبا، كما يذكر الكاتب، "خاضت قرية فرنسية حملة دامت أكثر من عشر سنين في سبعينات القرن الماضي لإبطال قرار عسكري بتوسيع قاعدة عسكرية في أراضيها. تنوعت أشكال النضال وتفرعت الاتصالات من أجل تشكيل رأي عام فرنسي يدعم المزارعين. وعبر سيرورة المقاومة التزمت الحكومة وأجهزتها بالقوانين وحكم المؤسسات الأهلية والرسمية. واستجيب لمطالب سكان القرية. والتجربة رائعة وملهمة بتفاصيلها. وأثناء الحرب العالمية الثانية استطاع الجمهور الدانمركي بالنضال السلمي إفشال خطة المحتل النازي لتغيير البرنامج الدراسي. توحد الجميع بشأن اندماج المدرسة في الهوية الحضارية للأمة. ويجري حالياً في كل من الدانمارك والسويد وضع خطة مقاومة اللاعنف ضمن الاستراتيجية الدفاعية، كما يجري إدخال موضوع مقاومة اللاعنف في البرنامج الدراسي".

هذه مقدمة احببت أن اشارككم فيها من خلال تسليط الضوء على منهجية التحرك السلمي، او تحرك نضال اللاعنف، والذي يؤسس لمشاركة القطاعات الشعبية المختلفة في فعاليات وأنشطة احتجاجية، دون اللجوء الى أي من الوسائل التي لا تتماشى مع أعراف السلم والحركات السلمية المناهضة.
وتتميز هذه الأنشطة باستخدامها لوسائل الضغط على السلطات من خلال برامج سلمية تتضمن ما يعرف بالعصيان المدني الجزئي والشامل. كما تتضمن لتحقيق مطالبها برامج التثقيف الشعبي والتحسيس بأهمية تفعيل الدور الشعبي في تحقيق المطالب. وتستند في ذلك على وسائل التواصل بين القطاعات الشعبية، والمؤسسات الأهلية، إضافة الى استحصال الدعم والتضامن الدولي، الذي يمثل نوعاً آخر من انواع الضغط على السلطات، حيث موائمة واستحباذ انتهاج الوسائل السلمية الشعبية في المقاوم.