من للمحرومين من الجنسية؟
عبدالجليل السنكيس
البحرين
16 نوفمبر 2005م
مقدمة:
جذب موقع البحرين الإستراتيجي ومواردها الاقتصادية والتجارية كثيراً من الغزاة على مر التاريخ، كما جذب المهاجرين من الساحل الشمالي للخليج (العربي/الفارسي) وجميعهم من الإيرانيين، شيعة وسنة، إلى الساحل الجنوبي منه. كانت الهجرة جماعية وتميزت بدواعيها الاقتصادية بشكل عام ودواعي دينية بشكل خاص. من جانب آخر، فقد شهدت هذه الرحلة نزوحاً أو هجرة وتهجيراً من البحرين على الساحل الجنوبي للخليج لبلدان مختلفة منها إيران، وكانت أغلبيتها، إن لم نقل جميعها، لدواعي أمنية وخوفاً من سطوة الحكام.
لم تقتصر الهجرة من إيران على البحرين، بل تعدتها إلى الإمارات العربية المتحدة، قطر والكويت. أما الهجرة والتهجير، فكان بشكل غالب إلى إيران والعراق لأن غالبية من يتم تهجيرهم ينتمون للطائفة الشيعية التي ترتبط بهذين البلدين، بصورة أو أخرى. ويسمى الشيعة منهم بـ "العجم" محليا والسنة بـ "الهولة"، حصل بعضهم على الجنسية البحرينية وسمي الباقون بعديمي الجنسية أو "البدون" أي بدون جنسية.
غالبية البدون في البحرين هم مواطنون من أصول إيرانية من الجيل الثاني والثالث ممن ولدوا وعاشوا في البحرين ولا يعرفون بلدا سواه، يسجلون رسميا كمقيمين ويحرمون من كثير من الحقوق كالاستفادة من سكن الدولة وشراء عقار أو تملك مشروع تجاري أو البعثات الدراسية أو السفر وإن كان للعلاج . وعليه فالتسمية الدقيقة التي تصف هذه الشريحة من المواطنين هي انهم "محرومون من الجنسية". المشكلة تتركز في المحرومون من العجم - أي الشيعة- بعد أن قام النظام بتجنيس إخوانهم السنة- أي الهولة- من نفس الأصول عملا بطريقته الطائفية واستراتيجيته في محاولة تغيير التركيبة الديموغرافية خاصة بعد الحركة الشعبية المطلبية سنة 1994، عندما ارتفعت الأصوات المطالبة بالديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والمشاركة في صناعة القرار.
من جانب آخر، وفي ظل عملية التغيير الديموغرافي –المعروف محلياً بالتجنيس السياسي- التي تثبت الوثائق بدءها بعيد تغييب السلطة التشريعية والرقابية الشعبية في أغسطس 1975م، قامت السلطات بمنح الجنسية لعدد من المحرومين منها لأسباب سياسية، كما سنرى، بينما أبقى بعض منها ولنفس النوعية من الأسباب. وهناك ما يربو على 150 عائلة او ملف لطلبات منح الجنسية البحرينية من المحرومين منها، وتتضمن من لهم أصل سعودي، لبناني، مصري وغيرها من الجنسيات المختلفة، كما هو موجود لدى لجنة المحرومين من الجنسية البحرينية.
طبيعة التعاطي القضية
عبدالجليل السنكيس
البحرين
16 نوفمبر 2005م
مقدمة:
جذب موقع البحرين الإستراتيجي ومواردها الاقتصادية والتجارية كثيراً من الغزاة على مر التاريخ، كما جذب المهاجرين من الساحل الشمالي للخليج (العربي/الفارسي) وجميعهم من الإيرانيين، شيعة وسنة، إلى الساحل الجنوبي منه. كانت الهجرة جماعية وتميزت بدواعيها الاقتصادية بشكل عام ودواعي دينية بشكل خاص. من جانب آخر، فقد شهدت هذه الرحلة نزوحاً أو هجرة وتهجيراً من البحرين على الساحل الجنوبي للخليج لبلدان مختلفة منها إيران، وكانت أغلبيتها، إن لم نقل جميعها، لدواعي أمنية وخوفاً من سطوة الحكام.
لم تقتصر الهجرة من إيران على البحرين، بل تعدتها إلى الإمارات العربية المتحدة، قطر والكويت. أما الهجرة والتهجير، فكان بشكل غالب إلى إيران والعراق لأن غالبية من يتم تهجيرهم ينتمون للطائفة الشيعية التي ترتبط بهذين البلدين، بصورة أو أخرى. ويسمى الشيعة منهم بـ "العجم" محليا والسنة بـ "الهولة"، حصل بعضهم على الجنسية البحرينية وسمي الباقون بعديمي الجنسية أو "البدون" أي بدون جنسية.
غالبية البدون في البحرين هم مواطنون من أصول إيرانية من الجيل الثاني والثالث ممن ولدوا وعاشوا في البحرين ولا يعرفون بلدا سواه، يسجلون رسميا كمقيمين ويحرمون من كثير من الحقوق كالاستفادة من سكن الدولة وشراء عقار أو تملك مشروع تجاري أو البعثات الدراسية أو السفر وإن كان للعلاج . وعليه فالتسمية الدقيقة التي تصف هذه الشريحة من المواطنين هي انهم "محرومون من الجنسية". المشكلة تتركز في المحرومون من العجم - أي الشيعة- بعد أن قام النظام بتجنيس إخوانهم السنة- أي الهولة- من نفس الأصول عملا بطريقته الطائفية واستراتيجيته في محاولة تغيير التركيبة الديموغرافية خاصة بعد الحركة الشعبية المطلبية سنة 1994، عندما ارتفعت الأصوات المطالبة بالديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والمشاركة في صناعة القرار.
من جانب آخر، وفي ظل عملية التغيير الديموغرافي –المعروف محلياً بالتجنيس السياسي- التي تثبت الوثائق بدءها بعيد تغييب السلطة التشريعية والرقابية الشعبية في أغسطس 1975م، قامت السلطات بمنح الجنسية لعدد من المحرومين منها لأسباب سياسية، كما سنرى، بينما أبقى بعض منها ولنفس النوعية من الأسباب. وهناك ما يربو على 150 عائلة او ملف لطلبات منح الجنسية البحرينية من المحرومين منها، وتتضمن من لهم أصل سعودي، لبناني، مصري وغيرها من الجنسيات المختلفة، كما هو موجود لدى لجنة المحرومين من الجنسية البحرينية.
طبيعة التعاطي القضية
- ما بين المحرومين والمجنسين لأغراض سياسية:
أبان فترة الانفراج السياسي-نهايات العام 2000 وبدايات العام 2001- لاحظ بعض المراجعين لدائرة الهجرة والجوازات، وجود منضد "كاونتر 9" خاص لاستلام جوازات بحرينية، بحيث يذهب طالب الجنسية الى الكاونتر المعني ويشير الى الجنسية الأصلية، فيقوم موظف الجوازات بأعطاءه قائمة تلك الجنسية ليتأكد من وجود اسمه فيها، بعدها يستلم الجواز البحريني. وكانت الجنسيات المتواترة حينها، هي اليمنية، السورية والأردنية. وقد كان الإقبال حينها على ذلك المنضد ملفت للعيان ومعبراً عن حجم قوائم وكثر الطلبات. ولدى علم الجمعيات السياسية المعارضة بهذا الأمر، عملت على إجراء بعض التحقيقات، وأنتجت فيلماً وثائقياً تم تصويره سراً في حي الدواسر بالمنطقة الشرقية وعرضته في ندوة جماهيرية في 16 يوليو 2003م. وقد أوضحت تلك الوثيقة بعض ملامح التجنيس التي تجري في الخفاء وعبر مراكز تجنيس في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية لأفراد قبيلة الدواسر، كما سلطت الضوء على آلية التقديم والمدة الزمنية وشروط الحصول على الجنسية التي كانت بعشرات الآلاف [1]. وقد أطلقت الجمعيات على تلك العملية بالتجنيس السياسي لأنه خارج إطار القانون ويهدف لتحقيق مكاسب سياسية حيث ثبت استخدام المجنسين من خارج البحرين في التصويت على ميثاق العمل الوطني في 14-15فبراير 2001م والانتخابات النيابية في 24أكتوبر 2002م [2].
وإثر تلك الندوة وما طرح فيها من وثائق، ظهرت التصريحات الرسمية المتناقضة التي أكدت وجود توجه سياسي لعملية التجنيس الجماعي [3] وفي ظل التعاطي الشعبي، ظهرت أصوات تنادي بتوزيع الجنسية بالشكل القانوني ولمستحقيها، مما أبرز بشكل قوي الدعوة لإنهاء ملف "البدون" الذين قد استوفوا شروط الجنسية، خصوصاً في ظل تواتر أخبار وقصصاً تسلط الضوء على البعد الإنساني من معاناتهم داخل وخارج البحرين. وقد أسست عملية التجنيس السياسي تحركاً حقوقياً ذا بعد إنساني عند المجموعات الأهلية، وسياسي لدى السلطات، في محاولة لتبرير عملية التجنيس الأصلية، ذات الأبعاد السياسية. فحتى تغطي على عملية التجنيس خارج إطار القانون التي فاحت ريحتها، استعملت ورقة تجنيس أعدادٍ من فئة البدون.
لقد استعملت السلطة المجنسين للتأثير في العملية الانتخابية [4] بحيث تضمن وصول ممن هم محسوبون عليها من خلال السماح للمجنسين في المشاركة في الانتخابات فور تجنسهم بل دون أن يكونوا قاطنين في الدوائر الانتخابية التي قسمتها على أسس طائفية وقبلية، كما سعت إلى إرغام المحرومين من الجنسية إلى المشاركة في الانتخابات بعد أن أعطتهم الجنسية. فبحسب المادة 6 من قانون الجنسية لعام 1963، فإنه ليس للمتجنس حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في المجالس المحلية خلال العشر سنوات الأولى من تجنيسه [5] كما يجب إضافة معلومات الجواز السابق في الجواز البحريني بعد تسليمه للسلطات عند تسلمه الجواز البحريني [6]. وحتى تتحقق مآرب السلطة من التجنيس، لم تلتزم بالمواد القانونية، بل سعت الى شرعنت حق المجنس حديثاً، من خلال الدستور المتفرد به الشيخ حمد، في المشاركة في أي عملية سياسية، وأخفت أي معلومات تدلل على أن من أدلى بصوته في الانتخابات، مجنس أم لا.
لازالت السلطات تواصل عملية التجنيس، من قبائل سوريا والأردن واليمن والسعودية، وشرطة الداخلية الباكستانيين الى المنفيين من آل مرة القطريين. من الرياضيين، من أفريقيا الى المغنيين الغربيين، الى المبينيين والأكاديميين في الجامعات الوطنية. كلهم يمتازون بتمتعم بحنسية فعلية وعدم الحاجة المباشرة لها، وجلهم يسعى لتحسين وضعهم الإقتصادي من خلال الإنتفاع من الإغراءات والتسهيلات التي تقدمها السلطة لهم. بخلاف المحرومين من الجنسية الذين فوق ذلك الحرمان من الهوية، يحرمون من كل التسهيلات، بل يضيق عليهم ويحاربوا.
- التناقض في التصريحات وعدم الشفافية
نقلت الصحافة المحلية في ديسمبر 2001 اختفاء مشكلة "البدون" بعد الموافقة على طلبات 8168 شخصا للحصول على الجنسية على لسان وكيل وزارة الداخلية لشؤون الهجرة والجوازات. وفي 22يونيو2002، أعلن مدير عام الإدارة العامة للهجرة والجوازات، بأنّ الحكومة البحرينية وبأمر من الحاكم قد أغلقت ملف عديمي الجنسية ممن يقيمون في البحرين والذين يبلغ عددهم- حسب تصريحه- لا يتجاوز العشرة آلاف شخص، ولكن السلطات عادت لتؤكد في نهاية شهر أغسطس من العام نفسه على لسان وزير شؤون الديوان الملكي، بأنها تعد بحل لمشكلة "البدون" خلال أسابيع قليلة قادمة [7].
على إثر الندوة الجماهيرية وما أثير فيها، أرسلت الجمعيات السياسية الست التي نظمت تلك الندة خطاباً لوكيل وزارة الداخلية للجنسية والجوازات والإقامة- الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة- في الثاني من أغسطس 2003م تستوضح عن بعض المعلومات، ولم يتم الرد عليها لحد كتابة هذا التقرير [8]. وقد تمحورت الرسالة حول التناقضات في التصريحات الصحافية والمقابلات التلفزيونية الخاصة بأعداد وشروط من تم تجنيسهم، وعن عدد من تم تجنيسهم تحت بند الاستثناء لرأس الدولة، وكذلك عدد الذين تم تجنيسهم من البدون.
وإثر التعاطي الشعبي مع التجنيس والندوة الجماهيرية، قامت السلطة بترتيب عدة لقاءات صحافية وتلفزيونية لترد على المعارضة وقد حوت تلك اللقاءات تصريحات متناقضة، منها ما ذكره محمد البـنعــلي، مدير الشئون القانونية بالإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة [9]، أن منْ تمّ تجنيسهم بشكل مباشر بلغ عددهم 15832 منذ سنة 1950م لغاية 30 أبريل 2003م، بينما جاء تصريح الشيخ راشد وكيل الوزارة [10] ليحدد عدد منْ تمّ تجنسيهم منذ تاريخ 1957 حتى نهاية عام 2002م بـ 16606 فرد.
كما ورد في تلك المقابلة التلفزيونية بأن عدد من تم تجنيسهم من أصول إيرانية يبلغ 42677 منذ العام 1950 لغاية 30 أبريل 2003م، بينما كان العدد حتى نهاية مايو 2001م، حسب الجدول المنشور بصحيفة الأيام بتاريخ 7 يوليو 2001م هو 28702، وقد صرح وكيل الوزارة بتاريخ 27 أبريل 2002 لصحيفة أخبار الخليج البحرينية أنه تمّ منح 8 آلاف شخص الجنسية البحرينية (معظمهم من البدون) وهناك 800 طلب يجري بحثها، وبذلك لن يتجاوز العدد الكلي للمجنسـين من أصول إيرانية 37502.
وقد قام النظام بمنح الجنسية لبعض المحرومين منها بينما حرم البعض الآخر، حتى أنك لتجد في البيت الواحد مجموعة من الأخوة قسم منهم حاصل على الجنسية والآخر محروم منها ومن لوازمها وامتيازاتها مع وحدة الموضوع والظرف والجميع من أبناء هذا الوطن. المحرومون منها يطرقون كل الأبواب ويتعلقون بأي نسبة من الأمل ولا زالوا حتى هذه اللحظة. يقول أحدهم أنه حاول جاهدا دون أن يعطى فرصة لطرح قضيته فقد حاول مقابلة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الهجرة والجوازات ولكنه منع والجواب له هو أنّ "الشيخ لا يقابل الذين عندهم طلبات". وحاول أن يكتب البعض في بعض الصحف المحلية، فلم تسع الحرية الصحفية في البلاد في عهد الإنفتاح، حتى لنشر مقاله. وعند لجوء بعض المحرومين إلى "الديوان الملكي" وتسليم رسائل الطلب والمتابعة، لا يتم حتىالرد عليهم. وتنقل منسقة لجنة المحرومين من الجنسية قصة أحدى الأخوات البحرينيات المحرومات من الجنسية وهي تعيش في دولة خليجية بسبب زواجها من خليجي هو الآخر من فئة "عديمي الجنسية" في بلده وقد تم مؤخرا منح الجنسية لجميع أفراد عائلتها ما عداها هي ونظراً لظروف والدتها الصحية قدمت إلى البحرين في 20/8/2002 وتم توقيفها في المطار لمدة أربعة وعشرين ساعة وفي أثناء ذلك توفيت والدتها وهي لم تتمكن من رؤيتها للمرة الأخيرة. لقد جاءت لتلقي النظرة الأخيرة على والدتها ولتودعها ولكن الإجراءات الرسمية حالت بينهما ثم حرمتها من وجودها مع أبناءها فقد منعت من الرجوع إلى أبناءها لأنها لا تملك وثيقة سفر. وكثير من هذه المآسي التي يعيشها هؤلاء البحرينيون.
لا توجد إحصائية حقيقية لتعداد المحرومين الموجودين داخل البحرين كما أكده تصريح وكيل الوزارة الشيخ راشد آل خليفة لجريدة الأيام في 7 يوليو 2001 الذي أخبر بأن ما تم تجنيسهم ممن سماهم بالإيرانيين ما بين العام 1950 والعام 2001 هم 28 ألف و702 فرد (هذا الرقم يمثل أكثر من 4% من تعداد السكان للعام 2001 والبالغ 650ألف و604 نسمة [11])، في حين أن هذا الرقم وهذا التصنيف قد خلا من جداول التعداد السكاني والذي عرف انتماءات السكان غير البحرينيين، كما لم يعرف أو يعترف بوجود هذه النسبة حتى تحت عنوان "البدون" وصارت مغيبة من جداول التعداد السكاني.
يتواجد البدون في مساكن خاصة، حيث لا يحق لهم الانتفاع بالبيوت والخدمات السكنية التي توفرها الدولة للمواطنين، ويتمركزون بشكل كثير في مدينة المنامة والمحرق. والبدون أو المحرومون، كما هم المواطنون الشيعة، ممنوعون، - بشكل قانون غير مكتوب- من التملك في الرفاع، محل تمركزعائلة آل خليفة.
البحرينيون المهاجرون والمهجرون (عائلة الحاج صالح) [12]
الحاج صالح بن احمد الستراوي مواطن بحريني من جزيرة سترة، اختلف معه الشيخ محمد بن راشد بن عبدالوهاب آلخليفة على ملكية ارض، وقد أصدرت المحكمة في كتابها العدد 1439 لسنة 1356 هجرية بإدارة مستشار حكومة البحرين، حكما غيابيا بان تكون ربع الأرض فقط للحاج صالح. ولان الحاج صالح اعتبر قرار المحكمة ظالما ومنحازا، فلم يقبل به، وقد تعرض لمحاولة اغتيال في منزله، فهرب مع أولاده للعراق في 1938م. وكان الحاج صالح يحمل جوازا رقم 19، وشهادة جنسية رقم 438، كما كان يحمل هوية إقامة في محافظة البصرة صادرة عام 1939، وقد توفي فيها عام 1946، ولا يزال اثنين من أولاده أحياء ولديهم الجوازات البحرينية القديمة. ويبلغ الآن عدد الأبناء والأحفاد حوالي مائة شخص، معظمهم لا زالوا يقيمون في البصرة.
في عام 1957 تم إحصاء جميع العراقيين بما فيهم المقيمين، وتم حساب عائلة الحاج صالح كعراقيين وحصلوا على الجنسية العراقية. ولكن في عام 1986 صدر قرار من الحكومة العراقية بإسقاط الجنسية عن جميع المقيمين الذين كان أجدادهم يحملون إقامة قبل إحصاء 1957، واعتبر حصولهم على الإقامة غير قانوني لإخفائهم الهوية الحقيقية، وتعرض هؤلاء نتيجة ذلك للكثير من المضايقات.
وتوجد وثائق صادرة عن الحكومة العراقية تعمم على الدوائر والجامعات بان أبناء الحاج صالح الستراوي ليسوا عراقيين وإنما من حملة الجنسية البحرينية. وقد اثر ذلك بشكل كبير في معاملاتهم مع الجهات الرسمية، وفي دراسة أبنائهم الجامعية وفي الحصول على العمل، بل وحتى في الحصول على البطاقات التموينية أبان الحصار الاقتصادي على العراق. وقد عانى أبناء الحاج صالح من الإهانات عند مراجعة الإدارات الحكومية خصوصا عندما تتوتر العلاقة بين الحكومة العراقية ودول الخليج. ولم يتم إصدار بطاقات إقامة لبعض أبنائهم. وهم حاليا يعملون في ابسط الوظائف رغم حمل بعضهم لشهادات جامعية.
وفي ابريل 1989 حاول هشام عبدا لرزاق صالح مع والده دخول البحرين، حيث كان عبدالرزاق يحمل الجواز البحريني القديم، ولكن تم احتجازهما في المطار لمدة 3 أيام، ومن ثم تم ابعادهما إلى بغداد. وفي عام 1990 قام أبناء الحاج صالح بمراجعة السفارة البحرينية في بغداد، وتم إعطائهم شهادات تثبت تقدمهم بطلب الحصول على جوازات لتفيدهم في التعامل مع السلطات العراقية. وأبان الغزو العراقي للكويت، ذهب بعض أفراد العائلة للسفارة البحرينية في الكويت، حيث كانت الجالية البحرينية مقيمة في السفارة، وقد قام أبناء الحاج صالح بمغامرات لتوفير الأكل وتوصيل المراسلات المختومة بالشمع الأحمر بين السفارات البحرينية في الكويت وبغداد. وقد حصلوا على شهادة بذلك من السفير.
ولكن أبناء الحاج صالح ظلوا حتى الآن دون أن يتمتعوا بالحق في الحصول على جواز السفر وفي حرية التنقل. وفي عام 1995 حاول بعضهم مغادرة العراق مع النساء والأطفال، بعد الحصول على تأشيرات إلى الأردن، ولكن في حدود الأردن تم التحقيق معهم لساعات طويلة ومن ثم تم إعادتهم إلى العراق، وقيل لهم اسألوا السلطات العراقية عن السبب.
وبتاريخ 11/10/ 2000، في حكم صادر عن المحكمة الكبرى المدنية البحرينية، في الدعوى المقدمة عن 6 من أحفاد صالح الستراوي ضد إدارة الهجرة والجوازات، صدر الحكم بإلزام المدعى عليها باستخراج جوازات سفر بحرينية للمدعين. وذلك بناء على أن المدعين بحرينيون بالسلالة طبقا لما نصت عليه المادة 4 من قانون الجنسية لسنة 1963، اذ إن والدهم بحريني الجنسية ولديه جواز سفر بحريني.
عائلة الحاج الستراوي حاليا منتشرة في بلدان مختلفة: 75 فرد في العراق، 7 في الكويت، و17 طلبوا اللجوء في أوربا بمساعدة الأمم المتحدة بعد أن أجبروا على مغادرة الكويت بعد الحرب. 66 من هؤلاء هم أبناء وأحفاد الحاج صالح وهم بحرينيون يحق لهم قانونا الحصول على جوازات السفر والعودة إلى بلادهم البحرين.
لقد أصدرت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة شهادات باستحقاق اللجوء لأفراد هذه العائلة لحرمانهم من جنسيتهم الأصلية ومن حقهم في العودة إلى بلادهم. بعد تولي الشيخ حمد بن عيسى مقاليد الحكم كتبت العائلة له مجموعة من الخطابات، طلبا الرجوع إلى البحرين، دون أي فائدة تذكر.
إضافة الى عائلة الحاج صالح، فهناك الآلاف من البحارنة الذين تم تهجيرهم في بدايات القرن الماضي وهم يقطنون جنوب غرب ايران، جنوب العراق، شبه الجزيرة العربية وبعض المناطق الشرقية لأفريقيا.
إن قضية عائلة الحاج صالح الستراوي ليست قضية منعزلة، بل هي قضية نموذجية، تكشف طبيعة النظام وممارساته. ويمكن عبر هذه القضية اختبار حاكمية القانون، وطبيعة قانون الجنسية البحريني وفاعليته. ويمكن مقارنة قضية عائلة الحاج صالح بقضايا الآلاف من أبناء القبائل من سوريا واليمن والسعودية ممن تم منحهم الجنسية بشكل سري وبدون تحقق الشروط، ورغم تمتعهم بجنسية فاعلة أخرى. وهذا ما يكشف بعض ملامح التوجه الحقيقي للتلاعب بالهوية البحرينية.
فهل يعي الشعب ورموزه خطورة ما يعترف النظام بالقيام به دون مراعاة لمشاعر ووطنية أهل البحرين؟ وهل سيسعون لفضحه في السر والعلن، قبل أن يقع الفأس في الرأس؟ وحينها لا ينفع الصوت.
الهوامش- المراجع:
- كتيب الندوة الجماهيرية "التجنيس السياسي في البحرين"- جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية العمل الوطني الديمقراطي، جمعية التجمع القومي الديمقراطي، جمعية العمل الإسلامي، جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي- أغسطس 2003م.
- أوضحت المادة الفيلمية التي عرضت في تلك الندوة المشهورة مقابلات شخصية مع أفراد من قبيلة الدواسر السعودية الذين تم تجنيسهم خارج إطار القانون، وقد شهدوا بمشاركتهم في التصويت على الميثاق والانتخابات النيابية، دون أن يكونوا قاطنين في البحرين.
- في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 22 يوليو 2003م ذكر محمد البنعلي- مدير الدائرة القانونية- بأن العدد الكلي لمنْ تمّ تجنيسهم منذ العام 1950 لغاية 30 أبريل 2003م هو 61585 فرد، بينما في مقابلة الشيخ راشد آل خليفة –وكيل وزارة الداخلية مع جريدة الأيام البحرينية عدد 18 يونيو 2003م، ذكر بأن عدد من تم تجنيسهم منذ العام 1957م حتى نهاية 2002 م هو 52ألف. وهذا يدلل على أنه تمّ تجنيس ما يقارب 9585 شخص منذ بداية سنة 2003 حتى 30 أبريل 2003م - أي حوالي عشرة آلاف في غضون 3-4 أشهر.
- لقد كان ذلك جلياً في دوائر انتخابية مثل الزلاق التي فاز فيها من صوت له من خارج الدائرة من المجنسين من المملكة العربية السعودية الذين بلغ عددهم 60% من القائمة الانتخابية.
- يتماشى هذا النص مع المادة 16 من دستور البلاد للعام 1973م.
- استناداً للمادة (15) فقـرة (3) من اللائحة التنفيذية لقانون جوازات السفر رقم (11) لعام 1975، فإنه أن يدون في صفحة "الملاحظات" من جواز السفر البحريني للمتجنس رقم الجواز السابق وتاريخ ورقم شهادة الجنسية والمادة التي منحت الجنسية بمقتضاها، وهي المادة (6).
- اتفق ذلك مع ضغط الشارع لمقاطعة الانتخابات للمجلس النيابي.
- الجمعيات السياسية الموقعة على الرسالة هي الوفاق الوطني الإسلامية، العمل الوطني الديمقراطي، التجمع القومي الديمقراطي، العمل الإسلامي، المنبر التقدمي الديمقراطي، الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي
- المقابلة التلفزيونية بتاريخ 22 يوليو 2003م
- جريدة الأيام 18 يونيو 2003
- التعداد العام للسكان والمساكن والمباني والمنشآت لدولة البحرين لسنة 2001م
- هذه القصة منقولة من أدبيات مركز البحرين لحقوق الإنسان.