Tuesday, May 30, 2006

السُــقــط

الـسُــقــط

عبدالجليل السنكيس
البحرين: 28 مايو 2006م

لأنهم احترموا دستورهم الذي شاركوا في صياغته، وقدروا من انتخبهم، قرر عدد كبير من أعضاء مجلس الأمة الإنسحاب من جلسة طرح مشروع الحكومة الكويتية لتغيير الدوائر الإنتخابية. وهذا هو الضغط الشعبي المتعاضد مع نواب مجلس الأمة يدفع الى أن يستعمل أمير الكويت الأدوات الدستورية لحل مجلس الأمة، ويحدد موعداً لعقد انتخابات جديدة، محترماً بذلك إرادة الشعب، بغض النظر عن القناعة بحقيقة ما حصل. الحكومة الكويتية تحاول تغيير الدوائر الإنتخابية الى عشر دوائر بحيث تضمن زيادة مقاعد الموالاة لها، والمطلب الشعبي يريد (تقليصها الى) خمس دوائر ليزيد من حقيقة التمثيل الشعبي.

لقد احترم هؤلاء النواب أنفسهم ، لهذا نقدر لهم اتخاذهم موقفهم الرافض للعب بنتائج العملية الديمقراطية ورفضهم للمشاركة في تزوير إرادة الشعب.

أما في بلدنا البحرين، يصرح مسئول كبير في الدولة بأن مجموع الناخبين في كل دوائر المحافظة الجنوبية (حوالي 15 ألف حسب تصريح المسئول) يساوي عدد مجموع الناخبين في دائرة واحدة من المحافظة الشمالية (من أولاد الملحة طبعاً)، ولا يهز ذلك أي شعرة لمن يطلق عليهم "نواب" الشعب وممثليه.

أليس هو المجلس الذي رفض تضمين الضمان الإجتماعي- ضد التعطل وعلاوات أخرى لذوي الدخل المحدود والمحرومين من السكن الملائم- ضمن الميزانية الحالية للدولة بعد الفائض الكبير في الواردات (البالغ حوالي 200 مليون دينار) الناتج من الفارق في أسعار النفط، ودخل بابكو، ومدخولات تأجير القاعدة الأمريكية؟

أليس هذا المجلس من يصدر "شهادات زور" لتجاوزات السلطة ويعمل على مشاركتها في تضليل الرأي العام العالمي والمحلي؟

ألم يشهد للسلطة بإلتزامها بالقانون في تجنيس عشرات الآلاف من جنسيات دول مختلفة لا يعلمون عن البحرين إلا أنها مصدر للثراء ومرتع الرذيلة؟ وأن هناك مخالفات بسيطة، أوصى بإصلاحها. ألم يدع بعض أعضاءه للتطبيع مع المجنسين الذين أصبحوا أبناء البلد-حسب ادعاءه- وآخر يطلب إزالة كلمة "مجنس" من مشروع قانون جديد ويستبدلها بكلمة "مواطن"؟ مواطنون وأصحاب البلد كمغني البوب المتهم بالتحرش الجنسي بالأطفال مايكل جاكسون والمطربة السوري اصالة. هذا، في الوقت الذي لازال المئات من المحرومين من الجنسية البحرينية من الذين ولدوا في البحرين وترعرعوا فيها، وآخرين ولدوا من أصول بحرينية، لا هوية لهم ولا جنسية.

أليس هذا المجلس هو الذي برأ ساحة من سرق وغطى على نهب أموال شعب البحرين- خصوصاً العاملين والموظفين وذويهم- في الهيئة العامة لصندوق التقاعد، والهيئة العامة للتأمينات؟ أليس هو من ساعد على سرقة مال الشعب مرتين؟! مرة حين برأ ساحة السرّاق ولم يطالبهم بإعادة ما تمت سرقته من أموالهم الخاصة، ومرة أخرى عندما سمح لتعويض الهيئتين من ميزانية الدولة، وبذلك يتم نهب أموال الشعب مرتين بيد من هم محسوبون على أنهم ممثلون له جاءوا بالانتخاب.

وماذا عمل المجلس في سرقة الاراضي والإستحواذ على السواحل؟ ماذا عمل في قضية سواحل المالكية، وسند ودمستان والبسيتين والحد؟ هل استطاع المجلس ان يستعيد اي من الأراضي التي تم سرقتها او السواحل التي تم تحويلها لملكية خاصة لأفراد من العائلة الحاكمة؟ أم يتم الإستحواذ في عمر المجلس أكثر من أي وقت مضى. فأين خليج توبلي الذ تقلص من حوالي 25 الى حوالي 7 كيلومتر مربع؟ وأين المجلس من القضية البيئية والتلوث: غاز المعامير وردم خليج توبلي، و ساحل سترة؟

أليس مجلسهم هو الذي رفض الاقتراح برغبة بشأن قيام وزارة التنمية الاجتماعية بإصدار بطاقات خاصة للمستفيدين من المساعدات الاجتماعية، يستطيعون من خلالها الحصول على تخفيضات مناسبة في بعض الخدمات التي تقدمها عدد من الوزارات، ومنها تخفيض رسوم الكهرباء والماء والبلدية، الإعفاء من رسوم جسر الملك فهد وإلغاء رسوم التعليم الجامعي
[1]؟

ألم يمرر هذا المجلس في الفترة القريبة الماضية قانون التجمعات، الذي صاغته وطرحته السلطة التنفيذية، في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تعتبر حق التعبير والتجمع حقاً أصيلاً لا يمكن مصادرته بدعوى الحفاظ على الأمن؟ فهؤلاء لم يلتزموا حتى بما ألزموا به أنفسهم عندما أقسموا على صيانة ورعاية دستورهم الذي صاغته لجنة معينة وفرض على الشعب على حين غرة.

أين الموقف العملي لهذا المجلس من التطبيع التدريجي للسلطة مع العدو الصهيوني؟ ألم تغلق السلطة مكتب مقاطعة العدو الصهيوني منذ زمن وها هي تعلن عنه في الملأ؟

وناهيك عن المواقف التي وقف هذا المجلس فيها كحاجز وصد منيع أمام المصلحة الشعبية. لماذا؟ لأنه أداة من أدوات السلطة تستخدمه لتمرير ما تريد وتلبسه بلباس القانون، مؤكدة بقول "قولوا – أو صارخوا- ما تشاءون، ونفعل ما نشاء".

أين وأين وأين؟ أغلبها أسئلة تبحث عن دور رقابي ولو بسيط، بشكل أساسي، بعد أن إختفى الدور التشريعي، ما لم ترغب السلطة المتسلطة في ذلك. ولكن كل الشواهد تدلل على أنه حتى هذا الدور، الذي يعول عليه البعض، ويكلف ميزانية الدولة حوالي 8 مليون دينار سنوياً (عبارة عن رواتب ومخصصات لأعضاء المجلس وإدارته) ليس فقط غير متيسر إلا بإرادة السلطة المتسلطة، فإن قدرة الحكومة على التأثير على الجانب الرقابي أكبر بكثير مما يتصوره البعض. لقد استطاعت السلطة المتسلطة، بتحريك بعض- وليس كل- أدواتها "المدسترة" لتحويل كل جولات الرقابة التي يثيرها أعضاء المجلس الى إيجابيات تصب في صالحها. فتذكروا ماحدث في قضيتي التجنيس، والتأمينات الإجتماعية اللتين أثبتا للجميع بأن مفاتيح اللعبة في داخل المجلس هي للسلطة المتسلطة فقط.

ولكن هل هذا أمر مستغرب من هذا المجلس "السقط"، وهل جد جديد؟ وتسميتنا له بالسقط أي الجنين الميت، لنوضح بأنه ولد ميتاً وغير قادر على النمو والتطور وحتى الحياة. هذا "السقط" لايمكن أن يتطور أويعيش لأنه تكون في أجواء غير صحية (خلسة وبالحرام) ولم يتم تهيئة البيئة المناسبة له كي ينمو ويعيش. بكل بساطة، هو فاقد لمتطلبات الحياة، ولا يمكن إسعافه بأي وسيلة لأن يمارس دوراً طبيعياً في الحياة، وموقعه النهائي هو قبر في باطن الأرض.

ولا مناص من وليد جديد متوافق عليه ينمو في رعاية أبوية من الجميع، وقادر على التأثير والتغيير، لأجل غدٍ أفضل. فما عملته السلطة المتسلطة في هذا البلد وشعبه، أمرٌ لا ينفع معه الصراخ والعويل في مجلس السقط.



[1] جريدة الوسط بتاريخ 22 مايو 2006م: التنمية الاجتماعية» رأت عدم الحاجة لهذا الاقتراح- «خدمات النواب» ترفض إصدار بطاقات تخفيض للمحتاجين