بأي آلاء ربكما تكذبان؟
فيض من غيض أدوات السلطة
عبدالجليل السنكيس
البحرين:31 مايو 2006م
في غضون شهر واحد فقط، أرسلت السلطة برسائل عملية مختلفة تعبر عن قدرتها في المناورة في ظل الصلاحيات التي منحها إياها دستور الشيخ حمد المنفرد. وتضمن ذلك جوانب تشريعية، كما في تمرير قانون التجمعات وتعديل اللائحة الداخلية لمجلس نواب الشورى، وأخرى رقابية تتعلق بالتدقيق في ميزانية الدولة ومحاسبة الوزراء في الجلسات العامة. فما هي هذه الأدوات، وهل يستطيع مجلس نواب الشورى من الوقوف أمام هذه الأدوات؟
قانون التجمعات- أول الغيث:
لسوءه ونتيجة للضغط من خارج مجلس نواب الشورى (المجلس المنتخب)، تراجعت السلطة وسحبت مشروعها الأول لقانون جديد للتجمعات العامة، واضطرت لإدخال تعديلات على القانون القديم رقم 18 لعام 1973م. تنتقص هذه التعديلات من حرية التعبير والإجتماع وتقيد الإجتماعات العامة سواء في شكل مسيرات أو اعتصامات أو حتى اجتماعات في مجالس خاصة تعقد أنشطة وفعاليات عامة، وتسمح للأفراد الأمن بالتدخل وفض الإجتماعات وتوجيه العقوبات التي تتراوح بين شهر وسنة أو/ مع غرامة 50 -200 دينار لمن يخالف اي أوامر بفض إجتماع ما.
يتعارض هذا القانون مع جوهر الحق- الذي ينادي به الجميع- كما يتناقض مع المواثيق الدولية والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية. وعليه لابد من وقفة شعبية، نخبوية، من المؤسسات والمواقع الإجتماعية المختلفة، وإسقاطه كما أسقط سابقه. ولايمكن التعويل، كما هو معلوم على نواب الشورى أو على معيني الديوان ان يجهضوا هذا القانون، الذي يتطلب تضافر جهود قانونية، حقوقية وسياسية، إضافة للدينية لوأده، ولكن من خارج أجهزة السلطة. وللأسف الشديد، لم تكن ردود فعل الجهات المجتمعية المختلفة بالمستوى المطلوب الرادع لتسلط السلطة، من خلال تمرير هذا القانون، الذي يهدف لمنع أي أنشطة إحتجاجية شعبية.
تمرير الميزانية للسنتين القادمتين - بصفة الإستعجال:
وهناك جانبين في تمرير الميزانية بهذه الصورة. الأمر الأول هو الضغط على نواب الشورى والدخول في مساومات بينية لتمرير الميزانية بأقل قدر من الحساب والمحاسبة. والأمر الثاني هو التأكد من تمرير الميزانية الضخمة (لسنتين متتاليتين) في وقت خرافي قصير. فبحسب المادة 87 من دستور الشيخ حمد غير الشرعي:
«كل مشروع قانون ينظم موضوعات اقتصادية أو مالية، وتطلب الحكومة نظره بصفة عاجلة، يتم عرضه على مجلس النواب أولاً ليبت فيه خلال 15 يوماً، فإذا مضت هذه المدة عرض على مجلس الشورى مع رأي مجلس النواب إن وجد، ليقرر ما يراه خلال 15 يوماً أخرى، وفي حال اختلاف المجلسين بشأن مشروع القانون المعروض، يعرض الأمر على المجلس الوطني للتصويت عليه خلال 15 يوماً، وإذا لم يبت فيه المجلس الوطني خلال تلك المدة جاز للملك إصداره بمرسوم له قوة القانون».
مما يعني أن الميزانية تمر على مجلس نواب الشورى لمدة 15 يوم فقط (لم يحدد انه يوم عمل، وبالتالي تتضمن الإجازات بما فيها يومي الخميس والجمعة) فيه يتداولوا فيه ما يتداولون، ومن ثم يمررونه للمجلس المعين- سواء كانت لهم ملاحظات أو اعتراضات او لم تكن- لينظر في أي ملاحظات أو اعتراضات ودراسة الميزانية لمدة تساوي أيضا 15 يوماً. وإذا ما أراد المجلس المعين ان يرد على ملاحظات أو اعتراضات مجلس نواب الشور فيجتمع المجلسين معاً ليتم التصويت على الميزانية. وكما هو معروف وحسب الإجراءات الإدارية والإجازة الأسبوعية، فإن 15 يوم لمجلس نواب الشورى تقل الى حوالي النصف. وعليه فإنه لايمكن بأي حال من الأحوال مناقشة أو مسائلة الميزانية بشكل حقيقي وصادق في الفترة المتاحة.
وفي كل الأحوال، السلطة لها الغلبة:
- بحكم الأغلبية الموالية للسلطة في مجلس نواب الشورى بسبب توزيع الدوائر الإنتخابية الموجهة طائفياً وعشائرياً
- بحكم وجود مجلس المعينيين ومشاركتهم في التشريع والمراقبة (على فكرة، فإن المجلس المعين له فرصة أفضل في المناقشة في قضايا الإستعجال، حيث أنه يستطيع أن يستفيد من 15 يوم الممنوحة لمجلس نواب الشورى، بالإضافة الى 15 يوم المسموحة له. وبالتالي فالمدة المتاحة له تمثل مدة اطول من الممنوحة لمجلس نواب الشورى، وهذا يعزز مكانته ومقامه كملجس معين من الديوان. ولكن ما فائدة هذا الأمر للشعب. فهذا المجلس مضمون المخرجات، ولا تقلق الحكومة من تحركه).
- وحتى وإن اضطرت السلطة لجمع المجلسين، في مجلس وطني واحد، فإن الغلبة للمعين، حيث أن رئيسه يرأس المجلس الموحد. وهذا الأمر يعطي السلطة التمكن من تغليب رأي المعينيين، في حال ضمان ان غالبية نواب الشورى- وليس كلهم- ممن يحسبوا على المعارضة. وهذا الأمر الأخير تم تجاوزه والتغلب عليه من خلال توزيع الدوائر غير العادلة التي تضمن وصول عدد كاف من المحسوبين على السلطة ليزيد من كفة الموالاة في مجلس نواب الشورى.
أما لماذا تمرر السلطة الميزانية لعامين متتاليين بهذه الطريقة، فهناك أكثر من جواب. أولها، قطع الطريق على أي مساءلات ومراقبة لها في مجلس نواب الشورى القادم. وهذا يعني إعفاءه من أي دور أساسي في المسائلة في التبعات المالية المرتبطة بها. الإحتمال الثاني، تمرير الميزانية الضخمة في وقت قصير، دون عوار رأس، خصوص من قبل نواب الشورى الذين تعود عليهم وتعودوا عليه. وقد تكون هناك خروقات واستفهامات مالية ومسائلة في هاتين الميزانيتين، ولكن لن يسمح الوقت بتداركهما، ولا أستبعد توجه السلطة في هذا الجانب. الأمر الآخر، المساومة على تمديد الفصل "التشريعي" وتأجيل الإنتخابات الصورية عن تاريخها المتوقع. وهذا أمر يتسق مع الأعضاء الحاليين الذين يرغبون بالبقاء في مقاعدهم لتقديم الشورى لرئيس الوزراء، كما صرح في رمضان الماضي. ولهذا، يأتي الحديث الآن عن لوبيات-يزعم- لإزالة صفة الإستعجال، مما يمهد لتمديد لايقل عن ستة شهور، على أقل تقدير.
هذه الأداة، كما غيرها بيد السلطة تحركها كما تشاء، لتبين مدى قدرتها على المناورة واللعب، بالمعايير والمقاييس التي تراها مناسبة، وحسب ما تشتهي، وهل يتستطيع مجلس نواب الشورى- بكتله مهما كان حجمها- ان يقف أمام هذا المستوى من اللعب الذي حكمه دستور الشيخ حمد الذي فرضه على الشعب فرضاًَ؟ الجواب واضح من التجربة. لالالالالالالالالالالالالالا كبيرة!
ترقية الوزراء- لا مسائلة علنية:
لم يعد رئيس الوزراء- منذ أكثر من 35 عام من تاريخ البحرين الحديث- هو فقط الأوحد الذي لا تتم مساءلته. فقد شملت هذه الكرامة وزراءه العدول. وكانت السلطة يوم الثلاثاء الماضي قد مررت رؤيتها بشان مسائلة الوزراء لتنتقل من كونها «علناً» في قاعة المجلس بحضور وسائل الإعلام– حسب المادة (146) من اللائحة الداخلية للمجلس، الى غرف اللجان المغلقة. وبهذا تثبت السلطة مرة أخرى على قدرتها على الإلتفاف على اللوائح والإنقلاب عليها، بل تغييرها لصالحها، كم حدث هذه المرة. وقد حدث ذلك بحضور 27 فقط من أصل 40 من أعضاء المجلس- أي بحضور 67.5% فقط منهم (وكان التصويت بـأغلبية نسبية 15من أصل 27 أي ما نسبته 55.5% من الحضور، وكان ذلك كافياً بالنسبة للسلطة). في حين أن عدداً أكبر من أعضاء المجلس حاول مسبقاً ان يعدل اللائحة الداخلية لهم، والتي صاغتها وفرضتها السلطة عليها، ولم يستطيعوا.
إن مسائلة الوزراء خلف الجدران وفي الغرف المغلقة بعيداً عن أعين الناس والصحافة، ينفي منها صفة الرقابة الشعبية، مهما تم تبريربها.
حرمان المحكومين من حق الممارسة السياسية:
هذه الممارسة التي لم تستعملها السلطة في العام 2002م، لأنها لاتريد أن تعكس مسلكية تشين ما تم ترويجه عن مشروع الشيخ حمد. ولكن الآن، وبعد ان وصلتها الإشارات الكثيرة والمختلفة بدعم ذلك المشروع الصوري، وبعد التصريحات من الأمريكان والبريطانيين بدعم المشاركة على صوريتها، فإن السلطة أصبحت أكثر صلافة. بل إنها لم تعبأ، ولم (ولن) تظهر أي نوع من التقدير لإعلانات المشاركة التي تمت دون ثمن او مقابل. وقمت بإعلان منعها للمحكومين بمدد لا تقل عن ستة شهور من حق الممارسة السياسية من تصويت وترشيح- حتى وإن صدر عفو خاص. فالجريمة – السياسية منها- تبقى في نظر السلطة، والمجرمون وإن تلبسوا لباس القربى والتزلف، فلا زالوا مدانين.
ودور الموطنين (المجنسين سياسياً) في العملية السياسية:
من جانب آخر، تقر السلطة، وتطلب من المجنسين حديثاً والموطنين لأهداف سياسية بالمشاركة في الحياة السياسية، على خلاف الأعراف الدولية. بل يشاركوا ضمن مخطط سلطوي لتزوير العملية الإنتخابية ولعبة التحكم في نتائج عملية، تبدو، ديمقراطية. وهذا ما حدث في انتخابات 2002م حيث شاركوا في دائرتي البديع (بالمحافظة الشمالية) والزلاق (المحافظة الجنوبية). وهذه المرة، كما تتواتر الأخبار، فإن دور الموطنين سيكون أكثر، وستشمل دوائر أكثر. فالأخبار تتواتر عن تسجيل اعداد كبيرة من المطـًنين على عناوين مختلفة في دوائر انتخابية، لحين الإعلان عن موعد الإنتخابات القادمة، وذلك ضمن دور أوسع واشمل مما لعبوه في الأنتخابات السابقة. ويضمن ذلك دوائر في المحافظات ذات الكثافة السكانية ذات توجهات معروفة، حيث من المتوقع، نتيجة لذلك، أن تشهد مفاجآت غير متوقعة، او محسوبة للبعض.
هل هذه آخر أدوات السلطة؟
إن في جعبة السلطة الكثير الكثير من الآليات والأدوات التي يمكن ان تحركها متى وكيف ما تريد، وجلها يركز على تقليص وتقييد الجانب الرقابي، على نقيض ما يعتقده البعض. تأتي هذه التكتيكات من السلطة المتسلطة، بعد ان احترزت، بل ضمنت، قدرة العنصر المنتخب من القدرة على التشريع. وقد رفع الجميع الراية البيضاء واقتنعوا من عدم القدرة على التشريع، بعد شعارات التغيير من الداخل، التي أثبت فشلها الذريع.
والسلطة بهذه الرسائل في المدة القصيرة الماضية، تريد أن تؤكد بان هذه القناعة (عدم القدرة على التغيير والمناورة) يجب ان يتعدى الجانب التشريعي لتشمل الجانب الرقابي. التشريع والرقابة، أدوات للسلطة المتسلطة- وليس لأفراد او من يمثل الشعب- لتضمن وتحمي مصالح العائلة ومن يدور في فلكها، وليس لمصلحة الشعب.
هي رسالة لمن يهمه الأمر، بأن الدخول والمشاركة في مشاريع السلطة المتسلطة، يكون بشرطها وشروطها، وليس كما ينبغي أو يعتقد من يشارك، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
فيض من غيض أدوات السلطة
عبدالجليل السنكيس
البحرين:31 مايو 2006م
في غضون شهر واحد فقط، أرسلت السلطة برسائل عملية مختلفة تعبر عن قدرتها في المناورة في ظل الصلاحيات التي منحها إياها دستور الشيخ حمد المنفرد. وتضمن ذلك جوانب تشريعية، كما في تمرير قانون التجمعات وتعديل اللائحة الداخلية لمجلس نواب الشورى، وأخرى رقابية تتعلق بالتدقيق في ميزانية الدولة ومحاسبة الوزراء في الجلسات العامة. فما هي هذه الأدوات، وهل يستطيع مجلس نواب الشورى من الوقوف أمام هذه الأدوات؟
قانون التجمعات- أول الغيث:
لسوءه ونتيجة للضغط من خارج مجلس نواب الشورى (المجلس المنتخب)، تراجعت السلطة وسحبت مشروعها الأول لقانون جديد للتجمعات العامة، واضطرت لإدخال تعديلات على القانون القديم رقم 18 لعام 1973م. تنتقص هذه التعديلات من حرية التعبير والإجتماع وتقيد الإجتماعات العامة سواء في شكل مسيرات أو اعتصامات أو حتى اجتماعات في مجالس خاصة تعقد أنشطة وفعاليات عامة، وتسمح للأفراد الأمن بالتدخل وفض الإجتماعات وتوجيه العقوبات التي تتراوح بين شهر وسنة أو/ مع غرامة 50 -200 دينار لمن يخالف اي أوامر بفض إجتماع ما.
يتعارض هذا القانون مع جوهر الحق- الذي ينادي به الجميع- كما يتناقض مع المواثيق الدولية والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية. وعليه لابد من وقفة شعبية، نخبوية، من المؤسسات والمواقع الإجتماعية المختلفة، وإسقاطه كما أسقط سابقه. ولايمكن التعويل، كما هو معلوم على نواب الشورى أو على معيني الديوان ان يجهضوا هذا القانون، الذي يتطلب تضافر جهود قانونية، حقوقية وسياسية، إضافة للدينية لوأده، ولكن من خارج أجهزة السلطة. وللأسف الشديد، لم تكن ردود فعل الجهات المجتمعية المختلفة بالمستوى المطلوب الرادع لتسلط السلطة، من خلال تمرير هذا القانون، الذي يهدف لمنع أي أنشطة إحتجاجية شعبية.
تمرير الميزانية للسنتين القادمتين - بصفة الإستعجال:
وهناك جانبين في تمرير الميزانية بهذه الصورة. الأمر الأول هو الضغط على نواب الشورى والدخول في مساومات بينية لتمرير الميزانية بأقل قدر من الحساب والمحاسبة. والأمر الثاني هو التأكد من تمرير الميزانية الضخمة (لسنتين متتاليتين) في وقت خرافي قصير. فبحسب المادة 87 من دستور الشيخ حمد غير الشرعي:
«كل مشروع قانون ينظم موضوعات اقتصادية أو مالية، وتطلب الحكومة نظره بصفة عاجلة، يتم عرضه على مجلس النواب أولاً ليبت فيه خلال 15 يوماً، فإذا مضت هذه المدة عرض على مجلس الشورى مع رأي مجلس النواب إن وجد، ليقرر ما يراه خلال 15 يوماً أخرى، وفي حال اختلاف المجلسين بشأن مشروع القانون المعروض، يعرض الأمر على المجلس الوطني للتصويت عليه خلال 15 يوماً، وإذا لم يبت فيه المجلس الوطني خلال تلك المدة جاز للملك إصداره بمرسوم له قوة القانون».
مما يعني أن الميزانية تمر على مجلس نواب الشورى لمدة 15 يوم فقط (لم يحدد انه يوم عمل، وبالتالي تتضمن الإجازات بما فيها يومي الخميس والجمعة) فيه يتداولوا فيه ما يتداولون، ومن ثم يمررونه للمجلس المعين- سواء كانت لهم ملاحظات أو اعتراضات او لم تكن- لينظر في أي ملاحظات أو اعتراضات ودراسة الميزانية لمدة تساوي أيضا 15 يوماً. وإذا ما أراد المجلس المعين ان يرد على ملاحظات أو اعتراضات مجلس نواب الشور فيجتمع المجلسين معاً ليتم التصويت على الميزانية. وكما هو معروف وحسب الإجراءات الإدارية والإجازة الأسبوعية، فإن 15 يوم لمجلس نواب الشورى تقل الى حوالي النصف. وعليه فإنه لايمكن بأي حال من الأحوال مناقشة أو مسائلة الميزانية بشكل حقيقي وصادق في الفترة المتاحة.
وفي كل الأحوال، السلطة لها الغلبة:
- بحكم الأغلبية الموالية للسلطة في مجلس نواب الشورى بسبب توزيع الدوائر الإنتخابية الموجهة طائفياً وعشائرياً
- بحكم وجود مجلس المعينيين ومشاركتهم في التشريع والمراقبة (على فكرة، فإن المجلس المعين له فرصة أفضل في المناقشة في قضايا الإستعجال، حيث أنه يستطيع أن يستفيد من 15 يوم الممنوحة لمجلس نواب الشورى، بالإضافة الى 15 يوم المسموحة له. وبالتالي فالمدة المتاحة له تمثل مدة اطول من الممنوحة لمجلس نواب الشورى، وهذا يعزز مكانته ومقامه كملجس معين من الديوان. ولكن ما فائدة هذا الأمر للشعب. فهذا المجلس مضمون المخرجات، ولا تقلق الحكومة من تحركه).
- وحتى وإن اضطرت السلطة لجمع المجلسين، في مجلس وطني واحد، فإن الغلبة للمعين، حيث أن رئيسه يرأس المجلس الموحد. وهذا الأمر يعطي السلطة التمكن من تغليب رأي المعينيين، في حال ضمان ان غالبية نواب الشورى- وليس كلهم- ممن يحسبوا على المعارضة. وهذا الأمر الأخير تم تجاوزه والتغلب عليه من خلال توزيع الدوائر غير العادلة التي تضمن وصول عدد كاف من المحسوبين على السلطة ليزيد من كفة الموالاة في مجلس نواب الشورى.
أما لماذا تمرر السلطة الميزانية لعامين متتاليين بهذه الطريقة، فهناك أكثر من جواب. أولها، قطع الطريق على أي مساءلات ومراقبة لها في مجلس نواب الشورى القادم. وهذا يعني إعفاءه من أي دور أساسي في المسائلة في التبعات المالية المرتبطة بها. الإحتمال الثاني، تمرير الميزانية الضخمة في وقت قصير، دون عوار رأس، خصوص من قبل نواب الشورى الذين تعود عليهم وتعودوا عليه. وقد تكون هناك خروقات واستفهامات مالية ومسائلة في هاتين الميزانيتين، ولكن لن يسمح الوقت بتداركهما، ولا أستبعد توجه السلطة في هذا الجانب. الأمر الآخر، المساومة على تمديد الفصل "التشريعي" وتأجيل الإنتخابات الصورية عن تاريخها المتوقع. وهذا أمر يتسق مع الأعضاء الحاليين الذين يرغبون بالبقاء في مقاعدهم لتقديم الشورى لرئيس الوزراء، كما صرح في رمضان الماضي. ولهذا، يأتي الحديث الآن عن لوبيات-يزعم- لإزالة صفة الإستعجال، مما يمهد لتمديد لايقل عن ستة شهور، على أقل تقدير.
هذه الأداة، كما غيرها بيد السلطة تحركها كما تشاء، لتبين مدى قدرتها على المناورة واللعب، بالمعايير والمقاييس التي تراها مناسبة، وحسب ما تشتهي، وهل يتستطيع مجلس نواب الشورى- بكتله مهما كان حجمها- ان يقف أمام هذا المستوى من اللعب الذي حكمه دستور الشيخ حمد الذي فرضه على الشعب فرضاًَ؟ الجواب واضح من التجربة. لالالالالالالالالالالالالالا كبيرة!
ترقية الوزراء- لا مسائلة علنية:
لم يعد رئيس الوزراء- منذ أكثر من 35 عام من تاريخ البحرين الحديث- هو فقط الأوحد الذي لا تتم مساءلته. فقد شملت هذه الكرامة وزراءه العدول. وكانت السلطة يوم الثلاثاء الماضي قد مررت رؤيتها بشان مسائلة الوزراء لتنتقل من كونها «علناً» في قاعة المجلس بحضور وسائل الإعلام– حسب المادة (146) من اللائحة الداخلية للمجلس، الى غرف اللجان المغلقة. وبهذا تثبت السلطة مرة أخرى على قدرتها على الإلتفاف على اللوائح والإنقلاب عليها، بل تغييرها لصالحها، كم حدث هذه المرة. وقد حدث ذلك بحضور 27 فقط من أصل 40 من أعضاء المجلس- أي بحضور 67.5% فقط منهم (وكان التصويت بـأغلبية نسبية 15من أصل 27 أي ما نسبته 55.5% من الحضور، وكان ذلك كافياً بالنسبة للسلطة). في حين أن عدداً أكبر من أعضاء المجلس حاول مسبقاً ان يعدل اللائحة الداخلية لهم، والتي صاغتها وفرضتها السلطة عليها، ولم يستطيعوا.
إن مسائلة الوزراء خلف الجدران وفي الغرف المغلقة بعيداً عن أعين الناس والصحافة، ينفي منها صفة الرقابة الشعبية، مهما تم تبريربها.
حرمان المحكومين من حق الممارسة السياسية:
هذه الممارسة التي لم تستعملها السلطة في العام 2002م، لأنها لاتريد أن تعكس مسلكية تشين ما تم ترويجه عن مشروع الشيخ حمد. ولكن الآن، وبعد ان وصلتها الإشارات الكثيرة والمختلفة بدعم ذلك المشروع الصوري، وبعد التصريحات من الأمريكان والبريطانيين بدعم المشاركة على صوريتها، فإن السلطة أصبحت أكثر صلافة. بل إنها لم تعبأ، ولم (ولن) تظهر أي نوع من التقدير لإعلانات المشاركة التي تمت دون ثمن او مقابل. وقمت بإعلان منعها للمحكومين بمدد لا تقل عن ستة شهور من حق الممارسة السياسية من تصويت وترشيح- حتى وإن صدر عفو خاص. فالجريمة – السياسية منها- تبقى في نظر السلطة، والمجرمون وإن تلبسوا لباس القربى والتزلف، فلا زالوا مدانين.
ودور الموطنين (المجنسين سياسياً) في العملية السياسية:
من جانب آخر، تقر السلطة، وتطلب من المجنسين حديثاً والموطنين لأهداف سياسية بالمشاركة في الحياة السياسية، على خلاف الأعراف الدولية. بل يشاركوا ضمن مخطط سلطوي لتزوير العملية الإنتخابية ولعبة التحكم في نتائج عملية، تبدو، ديمقراطية. وهذا ما حدث في انتخابات 2002م حيث شاركوا في دائرتي البديع (بالمحافظة الشمالية) والزلاق (المحافظة الجنوبية). وهذه المرة، كما تتواتر الأخبار، فإن دور الموطنين سيكون أكثر، وستشمل دوائر أكثر. فالأخبار تتواتر عن تسجيل اعداد كبيرة من المطـًنين على عناوين مختلفة في دوائر انتخابية، لحين الإعلان عن موعد الإنتخابات القادمة، وذلك ضمن دور أوسع واشمل مما لعبوه في الأنتخابات السابقة. ويضمن ذلك دوائر في المحافظات ذات الكثافة السكانية ذات توجهات معروفة، حيث من المتوقع، نتيجة لذلك، أن تشهد مفاجآت غير متوقعة، او محسوبة للبعض.
هل هذه آخر أدوات السلطة؟
إن في جعبة السلطة الكثير الكثير من الآليات والأدوات التي يمكن ان تحركها متى وكيف ما تريد، وجلها يركز على تقليص وتقييد الجانب الرقابي، على نقيض ما يعتقده البعض. تأتي هذه التكتيكات من السلطة المتسلطة، بعد ان احترزت، بل ضمنت، قدرة العنصر المنتخب من القدرة على التشريع. وقد رفع الجميع الراية البيضاء واقتنعوا من عدم القدرة على التشريع، بعد شعارات التغيير من الداخل، التي أثبت فشلها الذريع.
والسلطة بهذه الرسائل في المدة القصيرة الماضية، تريد أن تؤكد بان هذه القناعة (عدم القدرة على التغيير والمناورة) يجب ان يتعدى الجانب التشريعي لتشمل الجانب الرقابي. التشريع والرقابة، أدوات للسلطة المتسلطة- وليس لأفراد او من يمثل الشعب- لتضمن وتحمي مصالح العائلة ومن يدور في فلكها، وليس لمصلحة الشعب.
هي رسالة لمن يهمه الأمر، بأن الدخول والمشاركة في مشاريع السلطة المتسلطة، يكون بشرطها وشروطها، وليس كما ينبغي أو يعتقد من يشارك، فبأي آلاء ربكما تكذبان؟