Thursday, June 08, 2006

ما حدث لأبن الستراوي نتيجة السكوت وضياع البوصلة

ما حدث لأبن الستراوي نتيجة السكوت وضياع البوصلة

عبدالجليل السنكيس
6 يونيو 2006م


في عملية إرهابية من التكفيريين انفجرت سيارة مفخخة في البصرة بالعراق يوم أمس الأول، ونتج إثر ذلك إصابة الشاب البحريني محمد صبيح عطية الله بن الحاج صالح الستراوي، الذي كان بالقرب من الحادث، وتناثر جسده الى قطع متباعدة. وكان الشاب ذي الوحد وعشرين ربيعاً (21 سنة) بمعية بعض من أفراد عائلة الستراوي على اتصال بالسفارة البحرينية في بغداد طوال السنة الماضية بغية تسهيل أمر عودتهم لبلدهم البحرين، ولكن دون تجاوب أو جدوى. وكان الشاب محمد الستراوي-رحمه الله- يشعر بأن شيئاً خطيراً سيحدث له، خصوصاً في ظل ازدياد العمليات الإرهابية في البصرة مؤخراً، وعدم قدرتهم على مغادرة العراق بسبب حرمان العائلة الخليفية لهم من الجنسية البحرينية.

الشاب المرحوم محمد الستراوي وبقية أفراد عائلته مفرقين، بل محاصرين في البلدان المختلفة التي لجأوا إليها، إثر حرمانهم من حقهم في الجنسية البحرينية بسبب قرار العائلة الخليفية التي إشترطت أن يتنازل الجد الأكبر- المرحوم الحاج صالح الستراوي- أو عائلته عن أحقيتهم في أملاكهم وأرضهم، لأحد أفراد العائلة الخليفية (انظر ملخص قضية الحاج صالح الستراوي أسفل المقال).

ما ذنب هذا الشاب الذي أزهقت روحه بفظاعة وفي اجواء غير طبيعية، ليس له فيها ذنب؟ ما ذنبه- دون اعتراض على قضاء الله وقدره- أن يفرض عليه ان يعيش بعيداً عن وطنه، ينمو ويترعرع فيها، يخدمه ويفديه، بدل أن يذهب فداء الإرهاب التكفيري الذي تدعمه الأنظمة الطائفية؟ وبأي حق تحرمه العائلة الخليفية من حق العودة لموطنه وموطن آباءه، في الوقت الذي تستورد عشرات الآلاف من المرتزقة لسلب خيرات الوطن وتعذيب أبناءه الأحرار خارج وداخل السجون؟

ما ذنب هذا الشاب البريئ وأهله الذين فرض عليهم أن يقاسوا ألم الغربة وألم الحادث الأليم برغم محاولتهم أن يعودوا لموطنهم وموطن آباءاهم؟ إن عائلة الحاج صالح الستراوي بحرينيون بالأصالة والولادة والأرض، كما تحكيه الوثائق التي لم تستطع حتى المحاكم والقضاء البحريني أن تنقضها.

فهل أصالة المصري- التي لا تنتمي للبحرين، مع إحترامنا للجميع، ترسل لها الجنسية والجواز البحريني على طبق من ذهب على عنوان شقتها في الإمارات العربية المتحدة، بينما يحرم عائلة الستراوي من حقهم في الجواز والعودة لبلدهم البحرين؟

وهل مايكل جاكسون، مغني البوب الأمريكي المتهم بالتحرش بالأطفال أفضل من هذا الشاب وعائلته الذين حرموا من حق العودة لبلدهم بسبب جشع وظلم أحد شيوخ عائلة آل خليفة؟

وهل أولئك- الآلاف- الذين يتم تصدير الجنسية لهم ويتم توصيل الجوازات لبيوتهم في المنطقة الشرقية بحي الدواسر، وهم في غنى عنها، بل يتم استخدامهم لتغيير التركيبة السكانية وتزوير الإنتخابات الصورية، بأفضل من أولئك المحرومين من الجنسة[1]، الذين من ضمنهم عائلة الحاج صالح الستراوي؟

وهل أولئك الذين يستوردون من دير الزور بسوريا، وصحارى الأردن واليمن وبلوشستان، ويتم استخدامهم بصورة تسيء للبحرين وأهلها أفضل من أولئك الذين عاشوا كل حياتهم في البحرين، ولا يعرفون وطناً غيره؟ وهل أولئك الذين ثبت حصولهم على الجواز البحريني للقتل والمشاركة في عمليات تفجيرالأبرياء ونشر الإرهاب في مناطق مختلفة من العالم، أفضل من أولئك الذين كل بغيتهم أن يتم الإعتراف بارتباطهم بالبحرين لتكون لهم مفخرة لهم وللعالم، بدلا من أن تكون وبالاً؟

وأود أن اشير الى ما أشرت له سابقاً بأن السلطة غير عابئة بما يحدث لأفراد الشعب، فأفراد العائلة الخليفية بعيدون عن الآثار المباشرة لجريمة التغيير الديموغرافي ودور جلب الآلاف من بادية الشام والأردن واليمن وبلوشستان وزرعهم في رحم البحرين.

المسئولية تقع على القوى الوطنية الحقيقية للتحرك لمواجهة ما يحدث في البلاد من خلال برنامج وطني مناهض لجريمة التغيير الديموغرافي. من جانب آخر، لايمكن أن تتداخل الرسائل التي ترسل للنظام من قبل القوى المجتمعية، بحيث من جهة يرسل رفض مشروع الشيخ حمد المعروف الأبعاد ومن جهة أخرى تتم المشاركة في مشاريعه الأخرى الأقل اهمية والتي فبركت للتغطية على هذه الجريمة. فما دام مشروع التغيير الديموغرافي قائم، وكل الدلائل العملية والواقعية تشير لذلك، لابد من اعلان المفاصلة مع كل مشاريع النظام وعدم اعطاءها المباركة.

إن المشاركة في برامج السلطة التي تضلل الرأي العام وتموه على جريمة التغيير الديموغرافي من انتخابات صورية عبارة عن شهادات زور لحقيقة ما يجري في البحرين. فهل سنواصل الخضوع لعملية التعمية ونشارك في برامج التضليل، أم نقف صفاً واحداً لرفض الجريمة الشنعاء ومن يقف وراءها؟



عينة من بحرينيين مهجرين ومحرومين من الجنسية[2]
(عائلة الحاج صالح الستراوي)

الحاج صالح بن احمد الستراوي مواطن بحريني من جزيرة سترة، اختلف معه الشيخ محمد بن راشد بن عبدالوهاب آلخليفة على ملكية ارض، وقد أصدرت المحكمة في كتابها العدد 1439 لسنة 1356 هجرية بإدارة مستشار حكومة البحرين، حكما غيابيا بان تكون ربع الأرض فقط للحاج صالح. ولان الحاج صالح اعتبر قرار المحكمة ظالما ومنحازا، فلم يقبل به، وقد تعرض لمحاولة اغتيال في منزله، فهرب مع أولاده للعراق في 1938م.

وكان الحاج صالح يحمل جوازا رقم 19، وشهادة جنسية رقم 438، كما كان يحمل هوية إقامة في محافظة البصرة صادرة عام 1939، وقد توفي فيها عام 1946، ولا يزال اثنين من أولاده أحياء ولديهم الجوازات البحرينية القديمة. ويقيم معظم الأبناء والأحفاد في البصرة.

في عام 1957 تم إحصاء جميع العراقيين بما فيهم المقيمين، وتم حساب عائلة الحاج صالح كعراقيين وحصلوا على الجنسية العراقية. ولكن في عام 1986 صدر قرار من الحكومة العراقية بإسقاط الجنسية عن جميع المقيمين الذين كان أجدادهم يحملون إقامة قبل إحصاء 1957، واعتبر حصولهم على الإقامة غير قانوني لإخفائهم الهوية الحقيقية، وتعرض هؤلاء نتيجة ذلك للكثير من المضايقات.

وتوجد وثائق صادرة عن الحكومة العراقية تعمم على الدوائر والجامعات بان أبناء الحاج صالح الستراوي ليسوا عراقيين وإنما من حملة الجنسية البحرينية. وقد اثر ذلك بشكل كبير في معاملاتهم مع الجهات الرسمية، وفي دراسة أبنائهم الجامعية وفي الحصول على العمل، بل وحتى في الحصول على البطاقات التموينية أبان الحصار الاقتصادي على العراق. وقد عانى أبناء الحاج صالح من الإهانات عند مراجعة الإدارات الحكومية خصوصا عندما تتوتر العلاقة بين الحكومة العراقية ودول الخليج. ولم يتم إصدار بطاقات إقامة لبعض أبنائهم. وهم حاليا يعملون في ابسط الوظائف رغم حمل بعضهم لشهادات جامعية.

وفي ابريل 1989 حاول هشام عبدالرزاق صالح مع والده دخول البحرين، حيث كان عبدالرزاق يحمل الجواز البحريني القديم، ولكن تم احتجازهما في المطار لمدة 3 أيام، ومن ثم تم ابعادهما إلى بغداد. وفي عام 1990 قام أبناء الحاج صالح بمراجعة السفارة البحرينية في بغداد، وتم إعطائهم شهادات تثبت تقدمهم بطلب الحصول على جوازات لتفيدهم في التعامل مع السلطات العراقية. وأبان الغزو العراقي للكويت، ذهب بعض أفراد العائلة للسفارة البحرينية في الكويت، حيث كانت الجالية البحرينية مقيمة في السفارة، وقد قام أبناء الحاج صالح بمغامرات لتوفير الأكل وتوصيل المراسلات المختومة بالشمع الأحمر بين السفارات البحرينية في الكويت وبغداد. وقد حصلوا على شهادة بذلك من السفير.

ولكن أبناء الحاج صالح ظلوا حتى الآن دون أن يتمتعوا بالحق في الحصول على جواز السفر وفي حرية التنقل. وفي عام 1995 حاول بعضهم مغادرة العراق مع النساء والأطفال، بعد الحصول على تأشيرات إلى الأردن، ولكن في حدود الأردن تم التحقيق معهم لساعات طويلة ومن ثم تم إعادتهم إلى العراق، وقيل لهم اسألوا السلطات العراقية عن السبب.

وبتاريخ 11/10/ 2000، في حكم صادر عن المحكمة الكبرى المدنية البحرينية، في الدعوى المقدمة عن 6 من أحفاد صالح الستراوي ضد إدارة الهجرة والجوازات، صدر الحكم بإلزام المدعى عليها باستخراج جوازات سفر بحرينية للمدعين. وذلك بناء على أن المدعين بحرينيون بالسلالة طبقا لما نصت عليه المادة 4 من قانون الجنسية لسنة 1963، اذ إن والدهم بحريني الجنسية ولديه جواز سفر بحريني.

عائلة الحاج الستراوي حاليا منتشرة في بلدان مختلفة: 75 فرد في العراق، 7 في الكويت، و17 طلبوا اللجوء في أوربا بمساعدة الأمم المتحدة بعد أن أجبروا على مغادرة الكويت بعد الحرب. 66 من هؤلاء هم أبناء وأحفاد الحاج صالح وهم بحرينيون يحق لهم قانونا الحصول على جوازات السفر والعودة إلى بلادهم البحرين.
لقد أصدرت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة شهادات باستحقاق اللجوء لأفراد هذه العائلة لحرمانهم من جنسيتهم الأصلية ومن حقهم في العودة إلى بلادهم. بعد تولي الشيخ حمد بن عيسى مقاليد الحكم كتبت العائلة له مجموعة من الخطابات، طلبا الرجوع إلى البحرين، دون أي فائدة تذكر.
إضافة الى عائلة الحاج صالح، فهناك الآلاف من البحارنة الذين تم تهجيرهم في بدايات القرن الماضي وهم يقطنون جنوب غرب ايران، جنوب العراق، شبه الجزيرة العربية وبعض المناطق الشرقية لأفريقيا.

[1] سجلات لجنة المحرومين من الجنسية أن هناك أكثر من 180 عائلةِ بحرينية الولادة والمعيشة مَحْرُومة مِنْ الجنسيةِ لأسبابِ عرقية وسياسيةِ
[2] منقول من سجلات مركز البحرين لحقوق الإنسان