إلى متى يستمر ديدن التصالح والإنقلاب؟
عبدالجليل السنكيس
13 أكتوبر 2006م
وأنا أتصفح تقرير مركز الخليج لتنمية الديمقراطية "مواطن"، والمعروف بتقرير "البندر"، أسترجع في ذاكرتي البسيطة مواقف تاريخية عن العلاقة بين العائلة الخليفية والشعب. وأعتصر ألماً كلما أتذكر الحديث المنقول عن أحد رموز هذه العائلة بأن الشعب، وفي أحد التعابير "البحارنة"، مثل السجاد الإيراني، كلما دست عليه تجدد وأصبح أقوى وأفضل. ومقولة أخرى لأحد رموز العائلة مستعجباً بأنه كلما ضربنا "البحارنة" كلما أحبونا!!
وأتذكر يوم شاع الحديث عن إستفتاء الأمم المتحدة حول عروبة البحرين في العام 1970م، كيف أن الشيخ عيسى بن سلمان- الأمير الراحل- قام برحلات مكوكية بين إيران والعراق، والتقى بمراجع الدين الكبار في قم والنجف، وعمل على التواصل بالشخصيات المؤثرة في البلاد، لضمان أن يكون الإستفتاء لصالح العائلة الخليفية، بعد أن قدم الوعود والتعهدات بمنح الشعب جزءاً من حقه في المشاركة في صنع القرار. كان توجهاً إضطرارياً للمصالحة مع الشعب الذي قاسى الأمرين والعذابات جراء الممارسات التعسفية، والقتل، والتعذيب، والإلغاء بكل ما للكلمة من معنى.
كان النظام في حاجة لذلك التصالح، ليخرج من مأزق ليعيد ترتيب أوراقه. وأقتنع شعب البحرين المسالم الطيب وصدق تلك العهود والوعود، وصوت لصالح العائلة وهكذا جاء الإستفتاء الأممي لصالح النظام في العام 1971م.
تم صياغة دستور لأول مرة في العام 1973م، وإن لم يكن دستوراً يعطي الشعب كل حقوقه، إلا إنه كان عقدياً بين الحكم والشعب. كانت تلك الحركة- الموافقة على كتابة دستور عقدي – جزءاً من خطة النظام لتخفيف الضغط الشعبي المتفاقم حينها، ومع وجود الضغط الخارجي، كان لابد من مخرج لتلك الأزمة، وهكذا كان. ولكن النظام، نكص على عقبيه، متذرعاً بشتى الذرائع لعدم القدرة على التعايش مع تلك التجربة الوليدة. فأجهضها بقراره الإنفرادي، مستعيناً بالسلطات التي منحها لنفسه وبالقوة الأمنية الضاربة كعادته، ملغياً الدور الشعبي الذي بدأ يتبلور بشكل أزعج النظام وأقلقه. مما حدى بالنظام بأن يتنصل من تعهداته بتحويل الدولة لنظام ديمقراطي يمارس الشعب "دوراً محدوداً" في صناعة القرار والرقابة. فانقض على ذلك الوليد ووأده بعد أقل من سنتين، ودشن مرحلة أخرى من ممارسات ضد أبناء شعب البحرين وأحراره يندى لها الجبين، مستعيناً بخبرة المعذب البريطاني – سيء الصيت- إيان هندرسون.
وعاش البحرينيون في ظلام دامس، حيث ساد صوت سوط المعذبين الذين تربوا على يد ذلك الجلاد البريطاني، وعلت آهات الصامدين وأصوات الشرفاء من أبناء أوال المعذبة، حتى تم محاصرة النظام مرة ثانية في التسعينيات. وجاءت الأزمة الخانقة من الداخل بفعل النشاط الإحتجاجي المستمر الذي خنق الدولة في مفاصل مختلفة، ومن الخارج بفعل التقارير الدولية التي انتجت أن تكون البحرين من ضمن القائمة السوداء للدول المنتهكة لحقوق الإنسان. وكان لابد من مخرج من هذه الأزمة، فكان لابد من إستخدام "الخلطة السحرية" مرة أخرى: "التصالح".
فكانت الزيارات الميدانية للمناطق والرموز المعروفة، والشعارات البراقة والوعود والتعهدات "بالأيام الجميلة التي لم نعشها بعد". فلقد شهد العالم الحاكم وهو يعد الشعب بالإلتزام بالشرعية الدستورية في مجلس السيد العلوي الغريفي
بلسانه وقلمه قبيل التوقيع على خطة "ميثاق العمل الوطني". وحضرت الرموز والشخصيات مجلس الحاكم وأعطى وعود "الرجال" وأكد على الإلتزام بها، وأوعز لرموز العائلة بالتصريح في الصحافة، وهكذا كان. وحضر بنفسه لجزيرة المعاناة والصمود "سترة الأبية"، فما كان إلا أن تناسى الجميع جراحاته ولعقها من "أجل المصلحة الوطنية" وأستقبله خير استقبال، لم يعهده في حياته أو حياة آباءه.
وهكذا، لجأ النظام لتلك الخلطة مرة أخرى، وطالب الشعب بـ"التصالح"، ولم يكن من غير طبيعة هذا الشعب المنكوب المغلوب على أمره إلا التوافق على ذلك. وأعطى الشعب الحاكم والنظام دعماً منقطع النظير، وأطمئن له ولم يتوقع – بعد كل الشواهد- أن ينكص النظام على عقبيه ويعلن تخليه عن الإلتزامات والتعهدات المعلنة. وجاء حنث عهود "الرجال" في 14 فبراير 2002م بكل صلافة وتبجح وعدم مراعاة أو خوف من ردة فعل الشعب، لتعود حليمة لعادتها القديمة، ولكن هذه المرة بشكل سيء لم يحصل له نظير.
فبالإضافة الى نكران جميل الشعب الوفي والتنكر لوجوده وحقوقه، يتم تفعيل برامج إستهداف قصيرة وطويلة الأمد، للتأكد من عدم حاجة النظام "لمشروع تصالح" جديد يحرجه ويطيح بهامته الذي أصر على رفعها، حتى ولو كانت على جماجم أبناء الشعب الأحرار. وهذه المرة، بخلق شبكات مافيا مستفيدة من مردود النفط والطفرة في أسعاره، لخلق واقع جديد، لايرى فيه الفرد إلا الإستسلام ورفع الراية البيضاء، والتعامل بواقعية في محاولة لدرء الضرر، والمحافظة على المنفعة!
وهل بقى من مصلحة، فالمساجد والصوامع هدمت، والهوية وتاريخ بلد العلماء قد طويا في عالم النسيان؟ وهل يوجد ضرر أكثر من التخطيط لقلب القلوب وتغيير الرؤى والمذهب؟ وهل يمكن تغيير البنيان بعد أن يشتد عنانه في السماء؟
هل نعتقد أن النظام غبي أو لا يفهم، وكل هذه الأموال التي جلبت المستشارين وخبراء التدمير البشري تحت يده وتصرفه؟ وهل ما حدث في 14 فبرار 2002م عنا ببعيد، حينما جاء الشيخ حمد بالقانوني المرتزق "الشاعر" ليبيعه خلطته التآمرية، ويصيغ له دستوره الذي فرضه على الشعب؟ والآن، يراد لنا أن نؤمن بكل ذلك، ونتعامل معه كواقع نتحرك من خلاله، وأن التغيير يأتي من الداخل. أي مقولة غائبة عن أي سجل تاريخي هذه. فهذه تجارب الشعوب تقول أن التغيير يأتي بفعل تحركها وليس من خلال اتباع خطة ولعبة النظام؟
فهل يعقل أن تسمح العائلة الخليفية لمجموعة من الشعب المخلصين أن يسلبوا منها أو حتى يشاركوها جزء من موارد التحكم في الصلاحيات والسلطات؟ من يعتقد ذلك- مع شديد الإحترام- فهو واهم واهم واهم. إن مفاصل الحياة السياسية والإقتصادية تم حبكها بطريقة لايمكن تغييرها بغير إرادة النظام وحده. والحل يكمن في تغيير آلية وحدود ومواقع صنع القرار لتكون بيد الشعب، من خلال ممثليه المنتخبين، وهو أمر غير متوافر حالياً. ولهذا جاءت العريضة الأممية ذات 82 توقيع لتؤكد عودة السلطات للشعب بعد أن تم سلبها بشكل تام في فبراير 2002م. أي محاولة للعب في ملعب النظام من خلال أدواته وقوانين لعبته، سوف لن يفضي لأي تغيير في الوضع، لأنه لم يتم حبك اللعبة ليستطيع أحد- كائنا من كان لتغيير أصولها.
فلقد أطبقت القبضة على مفاصل التحكم في صنع القرار وتغييره، فجاءت مواد دستور الشيخ حمد- غير الشرعي- ودور السلطة التنفيذية، ومجلس الشورى، واللائحة الداخلية وفوق كل ذلك صلاحيات الشيخ حمد، إضافة الى توزيع الدوائر الإنتخابية، فتح باب التوطين والسماح لهم بالمشاركة في العملية السياسية الصورية، ناهيك عن إستخدام الأموال لخلق صف موال لها من الشيعة والسنة المستفيدين من وراءهم، يتم الإستفادة منهم لخلق جهة موالاة، كما وضح البندر في تقريره. فكلما تم التغلب على صف من تلك الطبقات أو أداة من تلك الأدوات، يتم تحريك وتفعيل أداة أخرى. وسجل الفترة البسيطة الماضية يقول بأن النظام لم يحرك إلا نزراً بسيطاً من تلك الأدوات.
إن المشاركة حسب تقرير البندر يراد لها تأمين نسبة مشاركة عالية وخلق مصداقية أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، ولكنها مشاركة موجهة وغير مؤثرة في مجرى الأمور، بل تصب في عكس صورة غير حقيقية ومغلبة لوضع معقد تصطدم أي محاولة لتغييره بجدار الواقعية. ولهذا جاء سعى النظام -بكل ما أوتي من قوة لإستيراد "المواطنين" من شتى أصقاع الأرض وتوطنيهم على حساب المواطنين الأصليين- سنة وشيعة- بهدف تغليب طائفة على أخرى وخلق واقع طائفي يصعب التغلب عليه.
وبعد تلك التجربة الخصبة والغضة من العهود المنقوضة، والتصالحات التكتيكية، يحاول النظام أن يوقعنا في شركه مرة أخرى. ويدعونا لإسباغ الشرعية على مشاريعه التخريبية، ويكون دورنا فقط هو أن نزيد من عدد الذين ينضمون لمشاريعه دون قدرة على إسترداد حقوق، ودرء ضرر أو تحقيق مصلحة.
وأخيراً أستدرك قصيدة الشاعر أمل دنقل حين بدأت إرهاصات إتفاقية كامب ديفيد والصلح مع الكيان الصهيوني.، حين نظم قصيدته الملحمية (الوصايا العشر) منطلقًا من الوصية أو العبارة المحورية المكررة (لا تصالح)، التي سجلها كليب علي الصخرة مرات متعددة مقدمًا - في كل مرة – حيثية للنهي عن الصلح تختلف عن الأخري. http://www.arabandalucia.com/index.php/1267
عبدالجليل السنكيس
13 أكتوبر 2006م
وأنا أتصفح تقرير مركز الخليج لتنمية الديمقراطية "مواطن"، والمعروف بتقرير "البندر"، أسترجع في ذاكرتي البسيطة مواقف تاريخية عن العلاقة بين العائلة الخليفية والشعب. وأعتصر ألماً كلما أتذكر الحديث المنقول عن أحد رموز هذه العائلة بأن الشعب، وفي أحد التعابير "البحارنة"، مثل السجاد الإيراني، كلما دست عليه تجدد وأصبح أقوى وأفضل. ومقولة أخرى لأحد رموز العائلة مستعجباً بأنه كلما ضربنا "البحارنة" كلما أحبونا!!
وأتذكر يوم شاع الحديث عن إستفتاء الأمم المتحدة حول عروبة البحرين في العام 1970م، كيف أن الشيخ عيسى بن سلمان- الأمير الراحل- قام برحلات مكوكية بين إيران والعراق، والتقى بمراجع الدين الكبار في قم والنجف، وعمل على التواصل بالشخصيات المؤثرة في البلاد، لضمان أن يكون الإستفتاء لصالح العائلة الخليفية، بعد أن قدم الوعود والتعهدات بمنح الشعب جزءاً من حقه في المشاركة في صنع القرار. كان توجهاً إضطرارياً للمصالحة مع الشعب الذي قاسى الأمرين والعذابات جراء الممارسات التعسفية، والقتل، والتعذيب، والإلغاء بكل ما للكلمة من معنى.
كان النظام في حاجة لذلك التصالح، ليخرج من مأزق ليعيد ترتيب أوراقه. وأقتنع شعب البحرين المسالم الطيب وصدق تلك العهود والوعود، وصوت لصالح العائلة وهكذا جاء الإستفتاء الأممي لصالح النظام في العام 1971م.
تم صياغة دستور لأول مرة في العام 1973م، وإن لم يكن دستوراً يعطي الشعب كل حقوقه، إلا إنه كان عقدياً بين الحكم والشعب. كانت تلك الحركة- الموافقة على كتابة دستور عقدي – جزءاً من خطة النظام لتخفيف الضغط الشعبي المتفاقم حينها، ومع وجود الضغط الخارجي، كان لابد من مخرج لتلك الأزمة، وهكذا كان. ولكن النظام، نكص على عقبيه، متذرعاً بشتى الذرائع لعدم القدرة على التعايش مع تلك التجربة الوليدة. فأجهضها بقراره الإنفرادي، مستعيناً بالسلطات التي منحها لنفسه وبالقوة الأمنية الضاربة كعادته، ملغياً الدور الشعبي الذي بدأ يتبلور بشكل أزعج النظام وأقلقه. مما حدى بالنظام بأن يتنصل من تعهداته بتحويل الدولة لنظام ديمقراطي يمارس الشعب "دوراً محدوداً" في صناعة القرار والرقابة. فانقض على ذلك الوليد ووأده بعد أقل من سنتين، ودشن مرحلة أخرى من ممارسات ضد أبناء شعب البحرين وأحراره يندى لها الجبين، مستعيناً بخبرة المعذب البريطاني – سيء الصيت- إيان هندرسون.
وعاش البحرينيون في ظلام دامس، حيث ساد صوت سوط المعذبين الذين تربوا على يد ذلك الجلاد البريطاني، وعلت آهات الصامدين وأصوات الشرفاء من أبناء أوال المعذبة، حتى تم محاصرة النظام مرة ثانية في التسعينيات. وجاءت الأزمة الخانقة من الداخل بفعل النشاط الإحتجاجي المستمر الذي خنق الدولة في مفاصل مختلفة، ومن الخارج بفعل التقارير الدولية التي انتجت أن تكون البحرين من ضمن القائمة السوداء للدول المنتهكة لحقوق الإنسان. وكان لابد من مخرج من هذه الأزمة، فكان لابد من إستخدام "الخلطة السحرية" مرة أخرى: "التصالح".
فكانت الزيارات الميدانية للمناطق والرموز المعروفة، والشعارات البراقة والوعود والتعهدات "بالأيام الجميلة التي لم نعشها بعد". فلقد شهد العالم الحاكم وهو يعد الشعب بالإلتزام بالشرعية الدستورية في مجلس السيد العلوي الغريفي
بلسانه وقلمه قبيل التوقيع على خطة "ميثاق العمل الوطني". وحضرت الرموز والشخصيات مجلس الحاكم وأعطى وعود "الرجال" وأكد على الإلتزام بها، وأوعز لرموز العائلة بالتصريح في الصحافة، وهكذا كان. وحضر بنفسه لجزيرة المعاناة والصمود "سترة الأبية"، فما كان إلا أن تناسى الجميع جراحاته ولعقها من "أجل المصلحة الوطنية" وأستقبله خير استقبال، لم يعهده في حياته أو حياة آباءه.
وهكذا، لجأ النظام لتلك الخلطة مرة أخرى، وطالب الشعب بـ"التصالح"، ولم يكن من غير طبيعة هذا الشعب المنكوب المغلوب على أمره إلا التوافق على ذلك. وأعطى الشعب الحاكم والنظام دعماً منقطع النظير، وأطمئن له ولم يتوقع – بعد كل الشواهد- أن ينكص النظام على عقبيه ويعلن تخليه عن الإلتزامات والتعهدات المعلنة. وجاء حنث عهود "الرجال" في 14 فبراير 2002م بكل صلافة وتبجح وعدم مراعاة أو خوف من ردة فعل الشعب، لتعود حليمة لعادتها القديمة، ولكن هذه المرة بشكل سيء لم يحصل له نظير.
فبالإضافة الى نكران جميل الشعب الوفي والتنكر لوجوده وحقوقه، يتم تفعيل برامج إستهداف قصيرة وطويلة الأمد، للتأكد من عدم حاجة النظام "لمشروع تصالح" جديد يحرجه ويطيح بهامته الذي أصر على رفعها، حتى ولو كانت على جماجم أبناء الشعب الأحرار. وهذه المرة، بخلق شبكات مافيا مستفيدة من مردود النفط والطفرة في أسعاره، لخلق واقع جديد، لايرى فيه الفرد إلا الإستسلام ورفع الراية البيضاء، والتعامل بواقعية في محاولة لدرء الضرر، والمحافظة على المنفعة!
وهل بقى من مصلحة، فالمساجد والصوامع هدمت، والهوية وتاريخ بلد العلماء قد طويا في عالم النسيان؟ وهل يوجد ضرر أكثر من التخطيط لقلب القلوب وتغيير الرؤى والمذهب؟ وهل يمكن تغيير البنيان بعد أن يشتد عنانه في السماء؟
هل نعتقد أن النظام غبي أو لا يفهم، وكل هذه الأموال التي جلبت المستشارين وخبراء التدمير البشري تحت يده وتصرفه؟ وهل ما حدث في 14 فبرار 2002م عنا ببعيد، حينما جاء الشيخ حمد بالقانوني المرتزق "الشاعر" ليبيعه خلطته التآمرية، ويصيغ له دستوره الذي فرضه على الشعب؟ والآن، يراد لنا أن نؤمن بكل ذلك، ونتعامل معه كواقع نتحرك من خلاله، وأن التغيير يأتي من الداخل. أي مقولة غائبة عن أي سجل تاريخي هذه. فهذه تجارب الشعوب تقول أن التغيير يأتي بفعل تحركها وليس من خلال اتباع خطة ولعبة النظام؟
فهل يعقل أن تسمح العائلة الخليفية لمجموعة من الشعب المخلصين أن يسلبوا منها أو حتى يشاركوها جزء من موارد التحكم في الصلاحيات والسلطات؟ من يعتقد ذلك- مع شديد الإحترام- فهو واهم واهم واهم. إن مفاصل الحياة السياسية والإقتصادية تم حبكها بطريقة لايمكن تغييرها بغير إرادة النظام وحده. والحل يكمن في تغيير آلية وحدود ومواقع صنع القرار لتكون بيد الشعب، من خلال ممثليه المنتخبين، وهو أمر غير متوافر حالياً. ولهذا جاءت العريضة الأممية ذات 82 توقيع لتؤكد عودة السلطات للشعب بعد أن تم سلبها بشكل تام في فبراير 2002م. أي محاولة للعب في ملعب النظام من خلال أدواته وقوانين لعبته، سوف لن يفضي لأي تغيير في الوضع، لأنه لم يتم حبك اللعبة ليستطيع أحد- كائنا من كان لتغيير أصولها.
فلقد أطبقت القبضة على مفاصل التحكم في صنع القرار وتغييره، فجاءت مواد دستور الشيخ حمد- غير الشرعي- ودور السلطة التنفيذية، ومجلس الشورى، واللائحة الداخلية وفوق كل ذلك صلاحيات الشيخ حمد، إضافة الى توزيع الدوائر الإنتخابية، فتح باب التوطين والسماح لهم بالمشاركة في العملية السياسية الصورية، ناهيك عن إستخدام الأموال لخلق صف موال لها من الشيعة والسنة المستفيدين من وراءهم، يتم الإستفادة منهم لخلق جهة موالاة، كما وضح البندر في تقريره. فكلما تم التغلب على صف من تلك الطبقات أو أداة من تلك الأدوات، يتم تحريك وتفعيل أداة أخرى. وسجل الفترة البسيطة الماضية يقول بأن النظام لم يحرك إلا نزراً بسيطاً من تلك الأدوات.
إن المشاركة حسب تقرير البندر يراد لها تأمين نسبة مشاركة عالية وخلق مصداقية أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، ولكنها مشاركة موجهة وغير مؤثرة في مجرى الأمور، بل تصب في عكس صورة غير حقيقية ومغلبة لوضع معقد تصطدم أي محاولة لتغييره بجدار الواقعية. ولهذا جاء سعى النظام -بكل ما أوتي من قوة لإستيراد "المواطنين" من شتى أصقاع الأرض وتوطنيهم على حساب المواطنين الأصليين- سنة وشيعة- بهدف تغليب طائفة على أخرى وخلق واقع طائفي يصعب التغلب عليه.
وبعد تلك التجربة الخصبة والغضة من العهود المنقوضة، والتصالحات التكتيكية، يحاول النظام أن يوقعنا في شركه مرة أخرى. ويدعونا لإسباغ الشرعية على مشاريعه التخريبية، ويكون دورنا فقط هو أن نزيد من عدد الذين ينضمون لمشاريعه دون قدرة على إسترداد حقوق، ودرء ضرر أو تحقيق مصلحة.
وأخيراً أستدرك قصيدة الشاعر أمل دنقل حين بدأت إرهاصات إتفاقية كامب ديفيد والصلح مع الكيان الصهيوني.، حين نظم قصيدته الملحمية (الوصايا العشر) منطلقًا من الوصية أو العبارة المحورية المكررة (لا تصالح)، التي سجلها كليب علي الصخرة مرات متعددة مقدمًا - في كل مرة – حيثية للنهي عن الصلح تختلف عن الأخري. http://www.arabandalucia.com/index.php/1267