Friday, February 16, 2007

مثلي لا يبايع مثله

بمناسبة يوم نقض العهود:

مثلي لا يبايع مثله

عبدالجليل السنكيس
14 فبراير 2007م

عنوان هذا المقال جزء من كلام سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله (ص) الإمام أبي عبدالله الحسين (ع)، ضمن كلام والي يزيد بن معاوية للحسين. فبعد بعد وفاة والده- معاوية بن أبي سفيان- سارع يزيد، بإرسال مبعوثه الى المدينة، محمّلاً إيّاه خبر وفاة معاوية الى أهل المدينة، ويطلب من واليه- الوليد- في المدينة، أن يستدعي الحسين ويأخذ البيعة منه عنوة وقسرا، وإنْ رفض ذلك فلا خيار له إلا القتل: "خذ الحسين بالبيعة أخذا شديدا".

دعا الوليد الحسين في منتصف تلك الليلة وقال له: "يا حسين آجرك الله في معاوية، وليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك، ولست تجهل مقامك بين الناس، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع، وتسلك مسلك الوفاء، فتكون قدوةً للغير، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة، وعليك أن تسعى لما فيه خير وصلاح المسلمين".
التفت الحسين إلى الوليد قائلاً: «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، و"يزيد" رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله".

هذا هو الموقف الذي تبناه الأمام الحسين (ع) ليرسل رسالة بعدم قبوله بمبايعة يزيد الظالم، وقد وضح بشكل جلي، تأصيل وتسبيب ذلك الموقف. وجاء هذا الموقف المبدئي ليرسل الرسائل الآتية:

أولا: أن يزيد كان يهمه أن يعلن الحسين (ع) عملياً- بأي صورة كانت- بيعته وموافقته وإقراره بحكم يزيد، حتى يرسل رسائل للقواعد بأن تمضي خلفه، فـ" ليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك، ولست تجهل مقامك بين الناس، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع، وتسلك مسلك الوفاء، فتكون قدوةً للغير، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة، وعليك أن تسعى لما فيه خير وصلاح المسلمين".

فمتى ما سلّم الحسين، وهو الإمام والقائد والقدوة والمسئول، فإن الجماهير سوف تتبعه وتأخذ بموقفه، ولهذا كان من المهم للحاكم غير الشرعي "يزيد" أن يضمن تسليم واقرار الحسين. لقد فقه الحسين ما يهدف يزيد من استحصال المبايعة منه، وهو أمر أصرعلى أن يعلنه حتى لا يساء إستعماله من قبل النظام. كما فطن الحسين (ع)، بالرغبة اليزيدية في تصفيته بشكل سري، فقد ارسل ثلاثين مرتزقاً لإغتياله في المدينة المنورة، بقصد أن لا يعرف أحد موقفه وكذلك لنشر الرعب والرهبة والخوف لمن قد يحمل هم الأمة ومعارضة النظام في برامجه التخريبية ولا يستند على شرعية.

ثانياً: أهمية موقف القادة والذين في المواقع المتقدمة، وأثر موقفهم على القواعد الشعبية. فإذا ما هم أقروا التطبيع مع النظام، فإن سواد الناس سوف يذهبون أبعد من ذلك، وقد يصبحون "ملكيين أكثر من الملك"، كما يقال. ولهذا لابد أن يأخذ المتصدون للمطالبة بالحقوق مواقف متقدمة. إن سكوتهم على جرائم النظام التي تستهدف وجود وتاريخ وهوية الشعب، ليس فقط تقتل روح النضال والمقاومة وتنشر روح اليأس بين الكوادر والمطالبين بالحياة الحرة الكريمة، بل ترسل رسائل، ليس فقط بقبول الأمر الواقع والتطبيع مع النظام الجائر، بل قد يترجم ذلك القبول بالمساهمة في تنفيذ وإنجاح مشاريع النظام، وتلك هي الطامة الكبرى. فبدلاً من أن يتم تسخير القواعد الشعبية لمناهضة برامج التركيع والإستسلام، تقوم تلك القواعد بالسعي لترسيخ الرضا بالأمر الواقع، بفضل موقف قادتها المذعن لما يسمح ويرضى به النظام. وهذا ما نستقرأه من قصة صفوان الجمال الذي رفض الأمام موقفه التطبيعي مع الظالم، وكل ما كان يقوم به صفوان هو تأجير جماله على النظام في موسم الحج. لقد أعتبر الأمام موقف صفوان تمكينا للحاكم الظالم ورضى بما يقوم به وتطبيعاً معه.

ثالثاً: أهمية إعلان الموقف الرافض للتطبيع مع النظام الجائر، وغير الحائز على الشرعية، خصوصاً من قبل من هم في مواقع قيادية في الأمة. فلا يكفي أن يعرب هؤلاء القادة عن موقفهم لخاصتهم وفي مجالسهم الخاصة. فقد كان بإمكان الحسين (ع) أن يسكت ويستنكر الظلم في قلبه- وهو أضعف الإيمان- إلا إن الحسين يعلم بان الأمة تتطلع لمعرفة موقفه، فسكوته سيعتبر إقراراً بما يجري من تجاوزات وإنتهاكات، وإصدار شهادة تزكية لـ"يزيد" وهو أمر أبى الحسين إلا أن يبين موقفه منه بوضوح: "يزيد، رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله".

لايمكن للحسين أن يعطي يزيد صك إقرارٍ وقبول بما يقوم به من مصادرة الحق الشرعي من أصحابه، ولايمكن تزكية "رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق" مهما تجبر وأظهر قوته وقواته. ولهذا جاء موقف الحسين ليرسل عنوان رفض الإذعان للحاكم الجائر المسئول عن إنتهاك الحرمات، ومصادرة الحق والحقوق، وتغييب الهوية الإسلامية للمسلمين. فلا يمكن تأسيس القبول بالتناقضات. وكما لايمكن الصلاة خلف الفاسق (المجاهر) بالمعصية والرذيلة، فمن باب أولى عدم إعلان الولاء للحاكم الذي لايرعى حرمات الله ويصادر حق الوجود والإنسانية. لقد رأى الحسين تلك الرغبة في رسالة يزيد، ولهذا أصر على أن يجهر بموقفه ويوصله الى الآفاق، حتى إن تطلب منه حياته وحياة عائلته وأصحابه. هذا الموقف- كما يراه الحسين- يستدعي الشهادة والتضحية بالدم، فأطلقها مدوية:" إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني". لقد علم الحسين الموقف المطلوب وثمنه، وكان مستعداً لتقديم القرابين من أجل ذلك الموقف. وقال أيضاً: "إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنيتن؛ بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس أبية.."

هناك دروس كثيرة يمكن استلهامها من حركة الإمام الحسين (ع) لتكون نبراساً لطلاب الحرية والحياة الحرة الكريمة، ولكننا سنكتفي بهذه الدروس لنسقطها على واقعنا. بعد هذا التقديم، نأتي للمناسبة المشار لها في العنوان وهي ذكرى الإنقلاب على التعهدات والمواثيق. ففي 14 فبراير 2002م، فرض النظام وثيقته التي تمكنه من إحكام السيطرة على الشعب، وفرض دكتاتورية شمولية، لا تبقي ولا تذر. وقبل ذلك بعام، قدم التعهدات والمواثيق من خلال المجالس وعلى صفحات الجرائد ومن خلال اللقاء مع الشخصيات القيادية حينها. وأذكر المنقول في ذلك اللقاء، بأن الحديث كان حديث "رجال"، عندما طلبت تلك الشخصيات تصريحاً رسمياً بما تم الإتفاق عليه، باحترام دستور البلاد العقدي وصيانة آلية التغيير فيه، وأن المجالس المعينة هي للشورى والإستئناس بالرأي. لقد خدع الجميع بحديث "الرجال" للرجال.

في خلسة وخفاء، وفي ليلة وضحاها، تأتي وثيقة من خناسة كتابة الدساتير، عبر الحقائب الدبلوماسية، فيعلن النظام بأن هذه الوثيقة – نتاج العهر والخيانة و"سمات الرجولة"- تلغي ما توافق عليه الشعب في 1973م، وهي دستور البلاد بعد أن تحولت الى مملكة.

والمطلوب أن يذعن الجميع لما جادت به قريحة قراصنة الدساتير والقانون، ويجب أن يؤخذ الشعب "بالبيعة أخذا شديدا". ولضمان ذلك، لابد أن "يقتل الحرث والنسل" كما عليه أن "يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم" بعد ان "علا في الارض وجعل أهلها شيعا". فهو فرعون، وقد تمكن من إقناع هامان، وبنى له بنياناً، ووصل الى "مقام رب العزة" صاحب الجلالة، وقال أنا "ربكم الأعلى"، وأنني "لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد"

ولهذا جاءت الخطط الشيطانية، الواحدة تلو الأخرى، فيعرض الجوازات البحرينية في سوق النخاسين ويرسلها عبر الحدود للمغنيين والمغنيات "والجنس الثالث"، وتفتح البلاد للرقيق الأبيض والعاهرين والعاهرات، وتقتطع أراضي البلاد وسواحلها وجزرها، وتهدى- كالكعكة- للفقراء من أمراء الخليج. ويجري العمل على قدم وساق لإستيراد وتوطين من يسميهم الديوان" أهل الثقة" من مرتزقة وإرهابيي العالم، من الذين يسعون لإلغاء الآخر ويقطعون النسل "أخذاً بالظنة". هو يستلهم المثل الأعلى ولإرشاد من قادته، بني صهيون. فكما عاثوا في الأرض الفساد، في التاريخ السحيق، هاهو يستلهم منهم، إستيراد أشرار الأرض من كل حدب وصوب. لم يعبأ أن يلتقي ببني صهيون في العلن، بعد أن كان يلتقيهم في السر. وفتح باب التواصل معهم، والإستفادة من خبرات الموساد، وفرق الموت، وخطط التهجير والإحلال، وبرامج تهويد الثقافة، وإعادة كتابة التاريخ بعد بدأ تنفيذ مشاريع تغييب الهوية واللعب بالتركيبة الديموغرافية في البلاد على غرار ما قام به الصهاينة في فلسطين.

ولكن الله أبى إلا أن يكشف خططه جيمعاً ويعرفه للعالم وشرفائه، الذين يرفضون إستبدال الشعب الأصيل – بسنته وشيعته- بمرتزقة وتكفيريين وإرهابيين من بلدان عرفت بتصديرها للفكر الإرهابي، وباستهداف الأبرياء بالهوية والاسم ووأد الحضارة والسلم والسلام.

لايمكننا الإقرار بما يقوم به فرعون زمانه، بدولارات نفط البلاد ونفط الجيران الذين يتآمرون معه ضد هذا الشعب الأعزل المسالم الودود. لابد أن نقف اليوم، يوم الشؤم الأسود في تاريخ البلاد، ونستنهض همم الشرفاء من أبناء الشعب المناضل. لابد ان نقف وقفة رجل واحد، كما وقف أبوالأحرار، أمام جحافل ومرتزقة يزيد، ونقول ليزيد عصرنا، دون مهادنة او إقرار، نرفض مسايرته في برامجه الإسئصالية، رافضين بيعته في هذا اليوم وفي كل يوم ونقول: "مثلي لا يبايع مثله".
ونختم مقالنا مثل ما بدأناه بكلام الإمام الحسين النوراني، ننهيه بحديث آخر له (ع) فقد بين للناس حقيقة يزيد وما هو عليه من فساد حيت قال:
" وعلى الإسلام السلام، إذ ْ بُليتْ الأمة براعٍ مثل يزيد ".