Saturday, March 24, 2007

نزيف آخر للمواطن عبر قانون التأمين ضد التعطل

نزيف آخر للمواطن عبر قانون التأمين ضد التعطل
عبدالجليل السنكيس
21 مارس 2007م
صدر بتاريخ 22 نوفمبر 2006م (3 أيام قبل الانتخابات النيابية الصورية السابقة) مرسوم بقانون رقم 78 لسنة 2006م بشأن التأمين ضد التعطل[1]، وهو يمرر هذه الأيام من قبل مجالس البصم. وهو- أي التأمين ضد التعطل- أحد المطالب الثلاثة الذي طالبت به هيئة العاطلين ومحدودي الدخل، ودخلت في مماحكات ومواجهات أمنية من أجل تحقيق مطالبها. ولن ندخل هنا في جدل ماهية من طالب بالتأمين وضغط من أجل أن يرى النور، ولكننا سوف نسلط الضوء على جنبة واحدة فقط - لا غير- في هذا المرسوم الذي أريد له أن لا يناقش أو يتحاور بشأنه، فلقد صاغته وزارة العمل- بالاستعانة بالخبراء الاكتواريين!، والإطلاع على خبرات الدول المتقدمة في هذا الشأن. وهذا هو يصدر بمرسوم، ولا يستطيع أعضاء مجالس الشورى- المنتخب أو المعين- إلا البصم عليه، وإن علا صراخهم ومزايداتهم. وكيف لا، وهو يصب في المصلحة الوطنية؟!!!
النقطة التي نريد تسليط الضوء عليها هو الفصل الثاني من المرسوم، إنشاء وتمويل الحساب- المواد 4و 5 و6 ومن ثم ربط ذلك بالفئات المشمولة بالتأمين والمذكورة في المادة 2. فدعونا نذكر هذه المواد لتفسير أين يقع "نزيف المواطن" الذي ذكرناه في العنوان.

المادة الرابعة من القانون والخاصة بإنشاء الحساب فتقول بأن:"يتم إنشاء الحساب ضمن صندوق التأمينات الاجتماعية كفرع للتأمين ضد التعطل، ويكون الحساب مستقلاً عن الحسابات الأخرى".
وهذه أول طامة، كون هذا الصندوق محل استنزاف لتوفير المواطنين وقد ثبت تعرضه للخسارة والإفلاس لأسباب عديدة في مقدمتها الفساد الإداري والمالي الذي أضاع لحد الآن ملايين الدنانير من أموال المواطنين الذين يبدو بأنهم لن يجدوا ما يعتاشون عليه حين حلول موعد تقاعدهم، كما صرح به المسئولون والمراقبون في أكثر من موقع. فهذا الحساب- كما هي الحسابات الموجودة في هذا الصندوق- سوف تكون معرضة للنهب والسرقة المقننة ولو بعد حين. فكيف سيطمئن المواطنون البحرينيون بأن أموالهم في أمان، ولازال أثر تضييع وتبخر مدخرات العمر ماثلة للعيان، هذا إن لم تكن قد تبخرت حقاً!!

أما المادة الخامسة من هذا القانون بمرسوم، فتقول بأن موارد الحساب تتكون مما يلي:
1- الاشتراكات الشهرية المنصوص عليها في المادة (6) من هذا القانون.
2- المبالغ الإضافية والفوائد المستحقة في حالات التأخير.
3- الهبات والإعانات – المشروطة وغير المشروطة – التي يقبلها مجلس الإدارة.
4- الأرباح الناتجة عن استثمار أصول الحساب وأي دخل آخر ينتج عن أنشطته.
5- ما تخصصه الدولة للحساب من اعتمادات.
لنا وقفة كبيرة مع الاشتراكات الشهرية عندما نستعرض المادة السادسة، ولكن ما هي الهبات والإعانات المشروطة التي يمكن أن يقبلها مجلس الإدارة؟ عجيب أن تكون هناك هبات وإعانات مشروطة لحساب دعم التأمين. وكيف يعطى الحق لمجلس الإدارة تعريض هذا الحساب لأي اشتراطات، قد لا تعود عليه بالنفع والفائدة؟ ومن سيقوم بمراقبة مجلس الإدارة على قراراته الخاصة بأموال المواطنين؟ ألم يثبت الحال في أن ضياع المال العام في صندوقي الهيئتين كان بسبب آلية وسوء اتخاذ القرارات بما أفضى لسرقات مقننة يدفع المواطن ثمنها؟ فكيف نعاود استخدام نفس الآلية، وعنوان "ثقوا بنا، وسنتكفل بمستقبل أموالكم"، و"لا تقلقوا، فأموالكم في أيد أمينة". أعتقد أن هذه المادة مرنة تسمح لإمكانية استلاب أموال المواطنين بطريقة ذكية وباستخدام التسهيلات الموجودة في القانون. لا يمكن القبول بأي اشتراطات لأي هبات وإعانات لأن ذلك مصدر فساد وتسريب للمال، بطريقة غير مباشرة.
الطامة الكبرى هي في المادة السادسة من القانون التي تحدد نسب الاشتراكات وتقول بأن تسدد اشتراكات التأمين ضد التعطل على النحو التالي:
1- 1% من الأجر يدفعها المؤمن عليه شهرياً.
2- 1% من أجور المؤمن عليهم يدفعها صاحب العمل شهرياً، ويتحمل صندوق العمل سداد حصة أصحاب العمل عن المؤمن عليهم العاملين في القطاع الأهلي.
3- 1% من أجور المؤمن عليهم تدفعها الحكومة شهرياً.

ويمكن أن نتفهم أن يشارك صاحب العمل نسبة 1%، ونتوقع أن تدفع الحكومة أكثر من 1% من أجر المؤمن عليهم، ولكننا لا نستطيع هضم أن يطلب من جميع المواطنين (الموظفين والعمال بغض النظر عن دخلهم) أن يدعموا مادياً ولو بنسبة قد تبدو عند البعض نسبة بسيطة- وسوف نأتي لهذه النقطة لاحقا. فميزانية البحرين ليست مؤسسة بشكل علني على نظام الضرائب، وإن وجدت مواطن لدفع الضرائب بصور مختلفة يتجاوز عددها عشرة؛ في البلدية، والإسكان، والكهرباء والماء والجوازات (جهاز المعلومات) وإدارة المرور ومكاتب التوثيق والسجل العقاري وغيرها من المؤسسات التي تأخذ ضرائب، تسميها الحكومة رسوم، إزاء تقديم خدمات إلزامية وملزمة على المواطن. وعليه اشتراط أن يساهم المواطن الموظف المؤمن عليه في حساب التأمين هو أمر في غاية الغرابة لذوي الألباب، ولكنه أمر متوقع من النظام الذي اعتاد أن يدور المسئولية، بحيث يدفع الآخر تكلفتها وهو يستلم المدح والمديح. وهذه قصة الصناديق الخيرية – التي تجاوز عددها 40- في بلد النفط والغاز والصناعة تصدح عالياً وتعبر عن تخلي النظام عن مسئوليته تجاه المواطنين العوز والمحرومين وإلقاءها على أكتاف المواطنين الآخرين. نقدر عالياً عطاء أصحاب الأيادي البيضاء التي تدعم الصناديق الخيرية مادياً ومعنوياً وبشرياً، ولتخسأ الأيادي التي تحاول مضايقتها ومحاصرتها.

إن الاشتراك في هذا الحساب أمر إلزامي لا يمكن لأحد أن يمنعه أو يعترض عليه، فلا يوجد خيار، وسوف يخصم من الراتب كما هو الضمان الاجتماعي، ولا حول للموظف العامل ولا قوة. فلا يستطيع الرفض أو التدخل لمنع الاستقطاع. ولكننا فوق ذلك نتساءل عمن سيكون الوقود الحقيقي لهذا البرنامج- من المواطنين- الذي سوف يحصد النظام فوائده. فبحسب المادة الثانية من القانون عن الفئات المشمولة بالتأمين ضد التعطل: يسري التأمين ضد التعطل طبقاً لأحكام هذا القانون على الفئات التالية:
1- الموظفين المدنيين العاملين لدى الحكومة والأشخاص الاعتبارية العامة الذين تشملهم أحكام التأمين عن إصابات العمل طبقاً لأحكام قانون تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة.
2- عمال القطاع الأهلي الذين تشملهم أحكام التأمين عن إصابات العمل طبقاً لأحكام قانون التأمين الاجتماعي.
3- الباحثين عن عمل لأول مرة.

إذن، سيتكفل الموظفون المعرضون للتعطل- الموظفين المدنيين وعمال القطاع الأهلي دفع نسبة من راتبهم لرفد حساب التأمين ضد التعطل، وفوق كل ذلك طبعاً، سوف يخصم من الحساب مقدار 7% من الإيرادات السنوية لتحمل مصروفات إدارة الحساب، وهو أمر آخر مثير للتساؤل ومصدر لتسريب المال العام بطريقة مقننة، كما حصل ويحصل في الهيئتين- الصندوق والتأمينات.

ونحن نسأل، من سيتعرض للتعطل بحيث يلزم بدفع نسبة من راتبه لحين تقاعده، سواء تعرض للتعطل أم لا، وهذا أمر آخر؟
نعتقد أن هناك ثلاث طبقات ليست معرضة للتعطل، وهي لن تدفع أي نسبة من دخلها الشهري أو السنوي. (لن نتحدث عن العسكريين، فلنا معهم قصص مثيرة في المستقبل)
- الطبقة الأولى: أفراد العائلة الخليفية الذين يستلموا راتباً منذ ولادتهم، ناهيك عن العطايا والهبات وحقوق "حكم العائلة لشعب البحرين". فأولئك غير مسئولين أو معنيين بحاجات المواطنين، فهم طبقة خاصة، تأخذ (عذراً تـُـعـطى) ولا تــَـعـطي. فلا يدفعوا فواتير (أبيال) ولا رسوم- ضرائب غير مسماة- كبقية المواطنين.
- الطبقة الثانية: الوزراء – والمستشارون-الذين يكرمهم النظام بأن لا يغير من العطايا والميزات لهم حتى بعد خروجهم من الوزارة.
- الطبقة الثالثة- وهي طبقة جديدة- أعضاء مجالس البصم الشورويون (معينون ومنتخبون) فبعد انتهاء مهمتهم أو دورتهم، فإما أن يدخلوا في تجارة أو ينالوا موقعاً متقدماً أو أن يضمن لهم راتب تقاعدي مجزي.

سيكون المواطنون العاديون، سواء كانوا في بعض مواقع إدارية ذات مردود مالي مجزٍ، أو ممن لا يكفي راتبه لأن يعيش صاحبه وممن يعيل (ممن لا يتجاوز راتبه 200 دينار شهرياً). ولكن كم عدد الذين دخلهم عال مقارنة ببقية أفراد الشعب؟ البحوث شبه الرسمية تؤكد أن أكثر من 53% من شعب البحرين يعيش تحت خط الفقر، أقل من 200 دينار شهرياً ويعيش بإعانات الصناديق الخيرية التي ترعى أكثر من 33 ألف عائلة بحرينية. هناك ثلة من المواطنين- تحسب من الطبقة الوسطى والمتاخمة لحدود الطبقة العليا- ممن رواتبهم عالية تتجاوز 1000 دينار في الشهر، وأولئك ليسوا معرضين لأي تداعي سلبي من التعطل، لأنهم قد بنوا لهم مستقبل مضمون. والبقية الباقية رواتبهم بين 200-1000 دينار.

فإذن وفوق كل الضرائب – غير المسماة- هناك استنزاف آخر للمواطن ليرغم على المساهمة في رفع الالتزام على النظام تجاه المواطنين- خصوصاً المحرومين وذوي الدخل المحدود- من خلال الدعم الإجباري لمشروع التأمين ضد التعطل. بل تتعداه لتلميع صورة النظام وإبرازه وكأنه يسعى بشكل حقيقي لفك ضيق المواطنين وعوزهم- الذي تسبب النظام فيه أصلا- بشكل مباشر وغير مباشر.
ما هو الحل إذن؟ وما هي المصادر التي من المفترض أن تساهم في حساب التأمين ضد التعطل، إذا لم يساهم الموظف والعامل في ضمان تعطله؟
لا نتكلم هنا بقصد المناكفة السياسية، فلقد أشرنا في أكثر من موضع لبعض الحلول، ولكن النظام يأبى إلا أن يذل ويفقر المواطن قدر الإمكان، لضمان ولاءه. موضوع التأمين ضد التعطل أمر مهم جداً ويحتاج لعناية وجدية. أما ما طرح من خلال هذا القانون، لا يسهم في إشراك عناصر مهمة – تستفيد من ثروة البحرين ولا تعطي المواطنين- في رد الاعتبار للوطن من خلال مساهمتها. وكأن النظام يعاقب المواطن بمشكلة البطالة والتعطل التي يتحمل هو- النظام- المسئولية الكبرى وراءها، ولن نفيض في ذلك كثيراً.

ولكن لو كان بيدنا القرار، لاستفدنا من التجارب الدولية استفادة حقيقية، ونظرنا لمساهمة الجهات الآتية أسماءهم في المشروع بدلاً من المواطنين:
- الشيخ حمد والشيخ خليفة والشيخ سلمان الذين تتجاوز أملاكهم مليارات الدنانير من هذه الأرض ومواردها (النفط، الأراضي البرية والبحرية، المشاريع الكبرى). فكم سيؤثر عشرات، وحتى مئات الملايين من أملاكهم البليونية؟ هذا أقل ما يتوقع منهم في هذا الصدد.
- أفراد العائلة الخليفية التي تستلم في حساباتها مدخولات من ثروة الوطن، من يوم ولادتها، دون أن تساهم في دعم أي مشاريع لخدمة المواطنين، كما أنها معفاة من الرسوم وأي ضرائب غير مسماة.
- الوزراء والمستشارون والموظفون- (القطاع العام والخاص) الذين يتجاوز راتبهم 2000 دينار صافية كل شهر
هناك بدائل أخرى:
جزء من صافي مدخول النفط الذي وصل قيمة البرميل فيه إلى 60 دولار. تجدر الإشارة إلى أن إيرادات النفط تدور حول الأرقام التالية:
- دخل حقل أبوسعفة: أظهرت النتائج النهائية أن دخل حقل «أبوسعفة» تجاوز 9 مليون دولار يومياً. إيرادات حقل «أبوسعفة» يتم بالتقاسم مع المملكة العربية السعودية، حيث يبلغ إنتاجه 300 ألف برميل في اليوم (150 ألف برميل لكل من السعودية والبحرين على حد سواء)، والحسبة عليكم.
- الإيرادات النفطية الأخرى: إضافة إلى ذلك، يبلغ إنتاج حقل البحرين حوالي 37 ألف برميل في اليوم، أي أكثر من مليونين دولار في اليوم. أما عن الغاز، الذي تتجاوز مبيعاته 100 مليون دينار في العام.

الإيرادات غير النفطية
أ- ضرائب ورسوم الإيرادات الجمركية: الأرقام تشير إلى أن الحكومة تحصد أكثر من 150 مليون دينار في العام على شكل ضرائب على الواردات، وحوالي 140 دينار عبارة عن رسوم، وأتعاب إدارية. أما رسوم لقاء منتجات خدمية، وتشمل مبيعات الكهرباء والماء، فهي تجاوز 70 مليون دينار.
ب- عوائد الاستثمارات: تتجاوز قيمة عوائد الاستثمارات والأملاك الحكومية 70 مليون دينار. المعروف أن الحكومة تمتلك أسهما في الكثير من المؤسسات المحلية والشركات الأجنبية.
ج- الإعانات: تقليديا تحصل البحرين على مساعدات من دول في مجلس التعاون الخليجي- الإمارات والكويت والسعودية- تتجاوز إعانتهم 50 مليون دينار.
3. موارد أخرى:
أ‌- جزء من صافي أرباح الفورميلا-1. ألم يقولوا أن مشروع ناجح وله أرباح.
ب‌- ماذا عن المشاريع الكبرى التي يرعاه النظام عبر شركات أبناء العائلة، مثل شركة درة البحرين، ورفاع فيوز، وتو سيز، وإثمار، وغيرها
ت‌- جزء من ريع بيع العقارات لغير البحرينيين من أفراد ومؤسسات وشركات
ث‌- جزء من صافي أرباح الشركات غير البحريينة

هذه بعض الأفكار التي نعتقد بإمكان النظام أن يوفر من خلالها دعماً جيداً للمواطن، ولكن هيهات هيهات، فلا يمكن السماح إلا بمشاريع الإفقار لهذا الشعب وإحداث أكبر قدر من النزيف والإضعاف والتهوين، وليبقى المواطن يلهث وراء لقمة العيش الذي يضطر أن يشرك فيها أخيه المعوز، بينما يحوز إفراد النظام على الحظوة والانتفاع-دون مشاركة- بمصادر الدخل في هذا البلد، من ريع نفطي وغير نفطي، دون وجه حق، ودون رقابة أو حساب.

بهذا يضمن النظام- كما يعتقد- عدم تفرغ الشعب للمطالبة بحقوقه، والالتفات إلى السلب والنهب الذي يقوم به أفراد النظام وزبانيته، من الأرض والبحر والسماء. وتبقى ثلة نفعية متطفلة هي المحمية من أي تعطل ولا تحتاج إلى تأمين – يرعاها وينميها النظام لضمان ولاءها له ومساعدتها له على نشر الفساد- بكل أنواعه- وخلق الطبقية المجتمعية القاتلة. فهل نحن واعون لذلك وماذا نحن فاعلون لوقف نزيف المواطن؟

[1] http://www.legalaffairs.gov.bh/htm/L7806.htm