قشة الاستقطاع
التحفظات على قانون التأمين ضد التعطل ليست فقط على 1%
عبدالجليل السنكيس
20 يونيو 2007م
20 يونيو 2007م
لازال الحديث ساخناً فيما يخص نسبة استقطاع 1% من المواطن لتمويل صندوق التأمين ضد التعطل كما جاء في مرسوم بقانون رقم (78) لسنة 2006 بشأن التأمين ضد التعطّل الصادر في 22 نوفمبر 2006م. فقد اشتعلت حرب الفتاوى الدينية والشرعية من المختصين و"غير المختصين"، والبعض اجتهد في تبرير المشروع بعد خطوات عملية اتخذها، والبعض حولها للدفاع عن موقف سياسي، وآخر تعنت لحفظ ماء وجهه. ولم نجد من يقول بأن هناك اجتهاد خاطئ، ولا خطأ في الاعتراف بهّ!!
حاول البعض أن يقلل من هذا الخطأ بأنها نسبة استقطاع- ومحورها في هذا الجانب فقط- في قبال الفوائد الجمة والمكتسبات، ونعتقد أن هذا تسطيح، واستهبال للبحرينيين- النخبة والعوام. فليست الإشكالية الوحيدة على القانون هو موضوع فقط استقطاع 1% من "جيب" المواطن. وليس الاعتراض فقط على "تكريم" العسكريين وحماية جيوبهم لضمان ولائهم المطلق. فهناك أموراً عديدة هي محل تحفظ، وإنما كان الإست قطاع القشة التي قصمت ظهر هذا القانون، الذي ظاهره فيه خير ورحمة وباطنه فيه العذاب والمعاناة. ولكم تفصيل ذلك، حيث سنسبر محطات في نص هذا القانون (انظر نص القانون: www.legalaffairs.gov.bh/htm/L7806.htm)، مركزين على أهم التحفظات، وسنبدأ بالنسبة المستقطعة- مرة أخرى- مع رفضنا على أن يكون تمويل صندوق التأمين من جيب المواطن "عذراً، ولكن مو من مخبانا".
1. نسبة الاستقطاع من المواطن غير ثابتة ومعرضة للزيادة:
نسبة 1% هي بداية وليست نهاية، واستناداً على مدخول الصندوق، ومصروفاته، فإن من حق "الحكومة" أو "الوزارة" ان ترفع هذه المساهمة، متى ما قرر تقرير الخبير الإكتواري- حسب ما جاء في القانون في المادة 8 –هـ التي تنص على الآتي:
"إذا تبين من تقرير الخبير الإكتواري وجود عجز في الحساب ولم تكف الاحتياطيات والمخصصات المختلفة لتسويته، جاز لمجلس الوزراء أن يصدر قراراً بناءً على طلب من الوزير بتخصيص الاعتمادات اللازمة لسد هذا العجز من الميزانية العامة، أو زيادة نسب الاشتراكات المنصوص عليها في المادة (6) من هذا القانون وفقاً لما يظهره الخبير الإكتواري في تقريره بشأن أسباب العجز ومقداره".
وكذلك في المادة (25) التي تتحدث عن مراجعة الحد الأدنى والحد الأقصى للتعويض والإعانة ونسب الاشتراكات: " يقوم مجلس الإدارة بمراجعة الحد الأدنى والحد الأقصى للتعويض والإعانة بصفة دورية كل ثلاث سنوات وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك، على أن يعد في هذا الشأن تقريراً يعرض على الخبير الإكتواري لدراسته وإبداء توصياته بشأنه واقتراحاته بشأن مصادر التمويل اللازمة بما في ذلك تعديل نسب الاشتراكات. ويرفع مجلس الإدارة توصياته في هذا الشأن إلى الوزير مرفقاً بها تقرير الخبير الإكتواري، ولمجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير أن يصدر قراراً بشأن تعديل الحد الأدنى والحد الأقصى للتعويض والإعانة، وقراراً بشأن توفير الاعتمادات اللازمة من الميزانية العامة أو تعديل نسب الاشتراكات".
ولن أزيد أكثر، فيكفي تجربة التأمينات الاجتماعية التي بدأت بنسبة (3 أو 5%) والان هي 18% ومن المفترض على نهاية 2007 أن ترتفع 3% أخرى لتصل الى 21%. فما دام الصندوق يعتمد على المشاركات التأمينية، فإنها قابلة للإرتفاع بحسب ظروف الصندوق، وهذا أمر طبيعي. وأخر شيء في هذه النقطة هو ما كشفه المدير العام للهئة العامة للتأمينات الاجتماعية الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة في جريدة الأيام لعدد هذااليوم: عن ان نسبة تمويل صندوق التعطل التي يدفعها »١٪ العامل و١٪ الحكومة و١٪ رب العمل« قابلة للتغيير، وذلك بحسب المعطيات التي ستظهرها الدراسة الاكتوارية الثانية والتي من المفترض ان تجرى بعد خمس سنوات من تطبيق المشروع"[1]
2. اختصاصات وزارة العمل والهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية:
فكما جاءت في المادة 3 من القانون، فإن وزارة العمل تتولى: تسجيل المتعطلين، تقرير وتوفير التدريب المناسب للمتعطلين، تقرير استحقاق المتعطل للتعويض أو الإعانة، تقرير وقف صرف التعويض أو الإعانة وتقرير سقوط الحق فيهما. فموظف الوزارة أو اللجنة التي يكونها الوزير، هي المسئولة عن تقرير التدريب المناسب، والاستحقاق المناسب، وتقرير وقف أو استمرار الإعانة (كيف تكون إعانة للمتعطل وقد شارك فيها مسبقاُ بـ50% من ميزانية الصندوق). أين المعايير التي تضمن أن لا يجور موظف هذه الوزارة أو اللجنة- سواء بإعطاء من لا يستحق!! أو حرمان من يستحق!! الأمر متروك "بمزاجية لقرار هذه اللجنة أو فريق العمل لتقرير كل تلك القرارات التي تؤثر على معيشة هذا المواطن بكرامة، وللأسف "من جيبه". أما عن أدوات الرقابة المستقلة المطلوبة لمنع تعرضها للفساد، والرشوة، والتأثير على قراراتها، فهذا أمر لا يفكر فيه هذا القانون.
أما عن هيئة التأمينات، فهي تقوم بتحصيل الاشتراكات المقررة بموجب أحكام هذا القانون، وتصرف التعويض أو الإعانة، وتستثمر أموال الحساب، وتدير الحساب. وتكفي هذه الاختصاصات لهذه الهيئة ليخاف الناس على أموالهم ومدخراتهم. فسجل هذه الهيئة لا يطمئن لا على مستوى الاستثمار، ولا على مستوى إدارة الحساب. ويكفي الإشارة الى ضياع أموال المساهمين في الهيئة والسرقات التي يدفع قيمة تعويضها المساهم من خلال زيادة القسط الشهري، وما ارتفاع هذه النسبة إلا دليل على سوء إدارة لموارد واستثمارات هذه الهيئة بملايين الدنانير التي تم سرقتها أمام أعين الناس، وتم تغطيتها من خلال الدورة الأولى لمجلس البصم لعام 2002م. هذه الهيئة التي، فوق كل ذلك، سوف تأخذ 7% من ميزانية الصندوق لإدارته- ضاعت فلوسك يا صابر!!
3. التعويض واستحقاقاته: (انظر المواد 10-16)
وهنا يتضح الجانب المهين لطالب العمل والدور المتسلط والمركزي لوزارة العمل، فعلى طالب العمل أن يلتزم بتعليمات المكتب ( بما في ذلك الحضور بنفسه إلى المكتب مرة على الأقل كل أسبوعين وكلما طلب منه المكتب ذلك وأن يلتحق بالتدريب، إذا قدر المكتب وجود ضرورة له، وأن ينتظم فيه ويجتازه بنجاح) التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير، وألا يكون قد ترك العمل بمحض إرادته (حتى وإن كان مهيناًُ له، أو مستغلاً لطاقته، أو فرض عليه العمل بصورة لا تليق به أو بتخصصه ومؤهلاته ومهنته). فالمطلوب من العامل أن يرضى بكل ما يملى عليه أو يفرض عليه من قبل رب العمل- بما في ذلك العمل بشكل متواصل، وبصورة مرهقة أو مذلة، وأي رفض أو اعتراض على ذلك، يعد رفضاً للعمل.
أما عن مقدار التعويض والذي لا يتجاوز 60% من الراتب الشهري- الأساسي طبعاً- بحيث لا يتعدي مبلغ خمسمائة دينار. يعني اللي راتبه أكثر من 833 دينار، سوف يستلم أقل من 60%، وعليه يدبر روحه. أما أصحاب رواتب 250 دينار أو أقل من الموظفين، فيستلمون 150 دينار فقط.
تكون المدة القصوى للتعويض هي ستة أشهر ( سواء كانت متصلة أو متقطعة عن كل مرة من مرات الأستحقاق). بالأرقام، يعني طوال حياة الموظف المهنية، أقصى ما يستلمه هو 3000 دينار إذا كان من أصحاب الرواتب التي تتعدى 833 دينار، بغض النظر عن حجم مساهمته. أما أصحاب الرواتب التي تقل عن 250 دينار، فأقصى مجموع ما يحصل عليه هو 900 دينار طول حياته في الوظيفة، بغض النظر عن حجم مساهمته.
وهذه قسمة ضيزى، فلنتصور شخص يساهم لمدد 5، 10 أو 20 سنة، فلو تعطل، فإنه سوف يحص 60% من راتبه- كما فصلنا- ولمدة ستة أشهر فقط، وعليه يطر عند المساجد أو الصناديق الخيرية بعد ذلك.
وأما ما يثير الإستعجاب والدهشة- إذا كان الهدف من الصندوق هو حماية المواطن إذا تعرض للتعطل، بأنه لا ينتفع من الصندوق الذي يمول نصف ميزانيته، قبل مضي إثني عشر شهراً- متصلة. أما إذا تعطل قبل ذلك، فالصندوق لا يحميه. المفروض أن هذا الصندوق تأمين حماية، فمتى ما تم دفع قيمة يوم واحد، فلابد للصندوق تكفل مصروفات المؤمن عليه، إلا هذا القانون الذي يفترض مرور سنة كاملة على بدء المشاركات التأمينية. وينطبق هذا القيد، حتى على الذين يتم تعطلهم للمرة الثانية في عمل مؤمن عليه، إذا عمل لمدة سنة ونصف متواصلة من التعطل السابق. أما إذا تعطل الموظف للمرة الثالثة، فإنه لا يستحق التعويض قبل مرور سنتين من المطالبة السابقة. وفي المرة الرابعة، يستحق التعويض بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل من المطالبة السابقة. وعليه، فإن الاستحقاقات تصعب كل مرة، وتكاد تكون مستحيلة. المضحك في الأمر أن هذا الإستحقاقات هي جزء من مشاركات شهرية- بحسب القانون- من المؤمن عليه، ولكن يصعب أن ينال منها شي بصورة مرضية تعبر عن طمأنينة. تجدر الإشارة الى أن بعد هذه الاشتراطات التعجيزية، ولا ننسى دور المكتب السابق الذكر (أن يلتزم بتعليمات المكتب التي يصدرها الوزير، ويحضر بنفسه بعد القيد إلى المكتب مرة على الأقل كل أسبوع وكلما طلب منه المكتب ذلك.)، وأن أقصى مدة للإستحقاق في كل الأحوال هو ما مجموعة ستة أشهر، بمعدل 60%، ولا يتجاوز 500 دينار على أكثر الأحوال.
والنتيجة، أن هناك صعوبة بالغة في صرف الإستحقاقات، تدخل فيها قرارات متعددة ومتنوعة، تهدف لتقليل الصرف وتحديده، مما ينتج عنها وضع مذل ومهين، وهذا أمر غير مقبول البتة.
الإعانة (لله يا محسنين لله) المواد 18-19-:
لايفرق القانون بين الأعزب والمتزوج، ومن عليه التزام عائلي، كأن يكون له عيال، أو يكون وحيد أبويه العاجزين أو غير ذلك. كما لا يفرق بين المؤهل بدبلوم أو بالدكتوراة، ففي كل تلك الحالات، الإعانة – وهذا تعبير سيئ لأنه يعبر عن تفضل وتكرم، وهو غير ذلك- تكون الإعانة للمتعطلين من ذوي المؤهلات الجامعية بواقع مائة وخمسين ديناراً شهرياًً، وبواقع مائة وعشرون ديناراً شهرياً للمتعطلين من غير هؤلاء. المدة القصوى لصرف الإعانة ستة أشهر في كل الأحوال، وعلى المواطن تدبر حاله بعد هذه المدة، والبركة في الصناديق الخيرية.
من جانب ثاني، فإن وقف صرف التعويض أو الإعانة سهل جداً- يقدره المكتب كما أشرنا سابقاً ( المادة 23). فيكفي أن لا يلتزم المؤمن عليه "بتعليمات المكتب التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير". وأن لايكون راغباً في العمل. ويعتبر المؤمن عليه راغباً في العمل إذا بادر إلى طلب قيد اسمه في السجل الذي يعده المكتب لهذا الغرض، على أن يحضر بنفسه إلى المكتب مرة على الأقل كل أسبوعين وكلما طلب منه المكتب ذلك . وتتوقف الإعانة والتعويض إذا كان الباحث عن عمل لا يبحث بجدية، وذلك وفقاً للأوضاع والضوابط التي يصدر بشأنها قرار من الوزير. وعليه أن يدعم مشروع التدريب التابع للوزارة بان يلتحق بالتدريب، إذا قدر المكتب وجود ضرورة له، وأن ينتظم فيه ويجتازه بنجاح، وإذا لم يعمل ذلك تتوقف الإعانة والتعويض.
كما يسقط الحق في صرف التعويض أو الإعانة (المادة 24)، إذا رفض المتعطل الالتحاق بعمل، يراه المكتب مناسباً، بدون مبرر مرتين. وإذا لم يبادر إلى طلب قيد اسمه لدى المكتب خلال المدة المشار إليها في الفقرة (أ) من المادة (21) من هذا القانون.
ملاحظات أخرى عامة:
يتشدق واضع القانون بأن يهدف لحماية المواطن من آثار التعطل- وهو أصلاً من مسئولية السلطة- إلا إنه يتعمد الى تصعيب عملية الإستحقاق والصرف، ويتحكم بشكل تسلطي واستبدادي في المال العام ويقتر على المواطن، بحيث ينتج عنه حالة من الإذلال الشديد له. فلا يوجد اعتبار لكون المواطن صاحب عائلة ومسئول عنها، ولا يؤخذ في الاعتبار حجم هذه العائلة، والالتزام تجاه توفير السكن والطاقة من كهرباء وماء، ولا يؤخذ في الاعتبار التزام رب العائلة بتعليم أولاده والالتزامات المالية تجاه ذلك، إضافة للمواد الأساسية المطلوب لحياة حرة كريمة. فتقدير 150 دينار لا يأخذ في الاعتبار ما ذكر آنفاً، كما لا يعتبر التضخم الكبير في الأسعار بشكل العام وأسعار المواد الأساسية بشكل خاص.
وجود ضمان للتعطل أمر مطلوب خصوصاً في ظل وجود الاستباق لسرقة المال العام وتفقير هذا الشعب، ووجود القانون مكسب، ولكنه في هذه الصورة، بلا شك، يساعد في إذلال المواطنين، وإفقارهم بطريقة مشرعنة، وفيه تخلي للسلطة عن مسئولياتها تجاه المواطنين. وإن أي محاولة، لمعالجة الإشكالات الكثيرة في القانون، والتي ذكر بعضها وعلى رأسها نسبة الاستقطاع التي يجب أن تتكفلها السلطة، يجب أن يأخذ في الإعتبار تعديل شامل للقانون، واضعاٌ في الاعتبار أن المواطن له كرامة، وإن هذا القانون يساعد بطريقة غير مباشرة الى إذلال المواطن والغاء حقه في عمل يضمن له ولعائلته حياة حرة كريمة.
ورسالة لمن يعنيه الأمر، بأن الإستقطاع ليس فقط هو المؤاخذة الوحيدة على القانون، فلا يتكرم أحداً- كائناً من كان- للتكرم بإزالتها فقط دون إحداث التعديلات المطلوبة، وإزالة التحفظات المشار لها. لابد من إزالة الإستقطاع وأن تتكفل السلطة بتمويل الصندوق بشكل كامل وإزالة العوائق المشار لها.
من جانب آخر، فإن الحكومة- ابتداءاً برئيس الوزارء وانتهاءاًَ بأصغر مسئول في الدولة- وجدت لخدمة الشعب، وعليها نيل رضاه. وأما أن يتعنتر رئيس وزراء او حتى وزير- يتحدث بصلافة وتسلط بالغ وفرعوني، هو آخر ما يتوقعه الشعب الصابر على سوءات وسرقات هذه الحكومة. ولكنه ليس آخر ما يتوقع من هذه الحكومة، فهي لم تنل المشروعية ولا تضع اعتبار للشعب، فأنى لها أن تقدره أو ترعاه.
إن هذه المسلكية – سواء من رئيس الوزراء أو من أدواته- حتى لو حصلوا على أكبر الشهادات- تؤكد الحاجة لحكومة منتخبة من الشعب، لتعمل ليل نهار على راحته ونيل رضاه، بدلا من التعامل معه بفوقية، كما يحدث هذه الأيام.
[1] مليوناً سيجمعها صندوق التعطل خلال عام واحد.. مدير التأمينات: نسبة الـ ١٪ قابلة للتغيير.. وزيادة مبلغ الإعانات وارد
http://www.alayam.com/ArticleDetail.asp?CategoryId=2&ArticleId=261300