تراجع الطبقة الوسطى في البحرين »١«
إبراهيم شريف
في دراستها في نهاية عام ٣٠٠٢ استنتجت شركة مكنزي، أحد أعرق بيوت الخبرة العالمية التي تعاقدت معها حكومة البحرين لدراسة سوق العمل ووضع خطة لإصلاحه، بأن متوسط الأجر انخفض في القطاع الخاص ٩١٪ بين عامي ٠٩٩١ و٢٠٠٢، من ٠٢٤ دينارا إلى ٢٥٣ دينارا.
إن متوسط الأجر الحقيقي، أي بعد احتساب تضخم الأسعار الذي نعتقد بأنه يزيد كثيرا عن الأرقام الحكومية، قد استمر في الانخفاض في القطاع الخاص خلال سنوات الطفرة النفطية حتى نهاية عام ٥٠٠٢ قبل أن يتحسن بعض الشيء في عام ٦٠٠٢ و٧٠٠٢. ولا تتوفر المعلومات حول أسباب الزيادة الكبيرة نسبيا في أجور القطاع الخاص في عام ٦٠٠٢ التي تظهرها الأرقام الصادرة عن الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، إلا أنه من المحتمل بأنها كانت بسبب زيادات الرواتب في بعض الشركات الكبرى وخاصة الحكومية »التي لا ينطبق عليها مصطلح القطاع الخاص«، بالإضافة لاستهداف وزارة العمل ٠٠٢ دينار كحد أدنى للأجر.في الوضع الطبيعي، عندما ينمو الاقتصاد بشكل متسارع تتحسن الأجور في أغلب القطاعات الاقتصادية، أي أن المد الاقتصادي يتبعه ارتفاع أغلب السفن »أي الأجور« بحيث تستفيد جميع الطبقات الاجتماعية من هذا التوسع الاقتصادي. خلال الأعوام ٠٠٠٢ إلى ٦٠٠٢ ارتفعت نسبة النمو السنوي وسجلت رقما قياسيا في عام ٥٠٠٢ بلغ ٨.٧٪.
ورغم أن الاقتصاد الأمريكي نما بسرعة تعادل نصف سرعة نمو الاقتصاد البحريني فإن الأجر الحقيقي زاد في السنوات الماضية بينما تراجع الأجر في البحرين في القطاع الخاص »ما عدا عام ٦٠٠٢« بعد احتساب معدل التضخم وذلك حسبما تبينه إحصاءات التأمينات الاجتماعية حول متوسط الأجر.حساب معدل التضخم في الأسعار مهم للغاية لمعرفة ما إذا أدت الزيادات المتواضعة في الرواتب والأجور وخاصة في القطاع الخاص إلى تحسن مستوى المعيشة أم أن هذا المستوى انخفض بسبب زيادة الأسعار أسرع من زيادة الرواتب.تشير الأرقام الحكومية الواردة في كتيب المؤشرات الاقتصادية الصادر عن البنك المركزي في يونيو المنصرم بأن معدل التضخم السنوي لعام ٦٠٠٢ بلغ ١.٢٪ في عام ٦٠٠٢ بعد أن سجل ٦.٢٪ في العام السابق.
وقد سبق أن كتبت في الربع الأول من هذا العام في صحيفة »الأيام« مجموعة مقالات قمت فيها بمحاولة للتعرف على حجم الضغوط التضخمية في الاقتصاد البحريني. وفي رأيي فإنه يبدو ممكنا بأن أسعار البضائع المستوردة قد ارتفعت ٧٪ خلال العام الماضي بسبب هبوط أسعار الدينار مقابل أسعار عملات شركائنا التجاريين وكذك ارتفاعها بفعل التضخم في بلد المنشأ. وحيث أن أسعار الأراضي والبناء وإيجار السكن والسفر، وهي تشكل جزءا هاما من كلفة المعيشة، قد ارتفعت بسرعة أكبر- وهو الأمر الذي يؤكده سماسرة العقارات ولمسه المسافرون في أسعار تذاكر السفر بسبب علاوة زيادة كلفة الوقود - فقد كان من الصعب قبول أرقام الجهاز المركزي للمعلومات حول نسب التضخم في الأعوام الماضية. وقد يكون السبب في أن الرقم الذي تؤكده الحكومة لا يعكس ما يحس به المواطن من زيادة اسعار السلع والخدمات ناشئ عن أخطاء في مكونات السلة الغذائية والخدمية لنفقات الأسرة التي يعتمدها الجهاز المركزي للمعلومات. وقد تكون هناك أسباب سياسية ربما دفعت بإتجاه تقليل نسبة التضخم، فالحكومة تستطيع تجنب المساءلة النيابية وربما الشعبية ما دامت تبدو »مسيطرة« على التضخم في حدود لا تزيد كثيرا عن ٢٪ وهو رقم يقل عن المتوسط العالمي. ومن المتوقع أن تستمر الأسعار في الارتفاع بسرعة كبيرة نسبيا بسبب ضعف الدولار أمام العملات الدولية وارتباط العملة البحرينية بالدولار المنهار.
فمنذ بداية هذا العام فقد الدولار حوالي ٥٪ من قيمته أمام عملات أهم شركائنا التجاريين خارج منطقة الخليج » ٦٪ أمام اليورو، ٢٪ مقابل الجنيه الاسترليني، ٤٪ أمام الين، ٨٪ مقابل الدولار الاسترالي، ٤٪ أمام اليوان الصيني«.
ما هي الطبقة الوسطى؟ تعريفنا للطبقة الوسطى هو تعريف مبسط يستند إلى معدل الدخل وليس إلى تصنيفات سوسيولوجية مهمة هي الأخرى ولكن في غير هذا الموقع. يمكن تعريف الأسرة من الطبقة الوسطى في المجتمعات الحديثة على أنها الأسرة التي تستطيع أن توفر لها من الدخل ما يكفي لتغطية حاجاتها الأساسية من أكل وملبس وخدمات صحية وتعليمية جيدة بالإضافة لحاجاتها الترفيهية مثل السفر والسياحة وفائضا رأسماليا يكفيها لدفع أقساط تملك منزل على مدى ٠٢ إلى ٠٣ عاما. فما هي نسبة الأسر البحرينية التي ينطبق عليها مثل هذا التعريف؟.. يتبع.