تراجع الطبقة الوسطى في البحرين (٢)
إبراهيم شريف
تساءلت في نهاية مقالي السابق: ما هو دخل الأسرة في الطبقة الوسطى؟ قمت بعد ذلك بتعريف الأسرة من الطبقة الوسطى في المجتمعات الحديثة على أنها الأسرة التي تستطيع أن توفر لها من الدخل ما يكفي لتغطية حاجاتها الأساسية من أكل وملبس وخدمات صحية وتعليمية جيدة بالإضافة لحاجاتها الترفيهية مثل السفر والسياحة وفائض رأسمالي يكفيها لدفع أقساط تملك منزل على مدى ٠٢ إلى ٠٣ عاما.
ولكن هناك تعريفا آخر يستخدم كثيرا في الولايات المتحدة ويعتمده إتحاد النقابات هناك المسمى AFL-CIO وهو أن الدخل المتوسط يبدأ عندما يبلغ دخل الأسرة (أي الرواتب والأجور والعلاوات وعوائد الإستثمارات أو العقارات وماشابه) ضعف الدخل الذي يشكل خط الفقر. لذلك من المهم إحتساب حد الفقر. فمثلا تعتبر الأسرة في الولايات المتحدة المكونة من ٤ أفراد فقيرة إذا قل دخلها عن ٥١٦،٠٢ دولار سنويا (أي ٠٥٦ دينارا شهريا) علما بأن أغلب عمال النقابات يحصلون ضعف هذا الأجر مما يجعلهم ضمن الطبقة الوسطى من ناحية الدخل. وفي البلاد المتقدمة لا يبخس حق العمل اليدوي كما يحدث في بلادنا، فكثير من عمال المنشآت الصناعية والعمال المنضوين تحت النقابات يتخطون متوسط الأجر مما يضعهم ضمن الطبقات الوسطى في مجتمعاتهم.وفي البحرين فإن دراسة مركز البحرين للدراسات والبحوث قدرت خط الفقر لعام ٥٩٩١ بـ ٩٠٣ دنانير لأسرة مكونة من ٦ أفراد، بينما إرتفع الرقم في دراسة ٢٠٠٢ إلى ٧٣٣ دينارا.
وهذا الرقم بطبيعة الحال في حالة زيادة مستمرة بسبب غلاء الأسعار وربما زاد الآن عن ٠٠٤ دينار إذا أخذنا أرقام تضخم الأسعار الحقيقية بعين الإعتبار. بناءً على التعريف فإن الطبقة الوسطى تبدأ من ضعف حد الفقر لنفس عدد أفراد الأسرة، وتصبح الأسرة ذات الستة أفراد في عداد الطبقة الوسطى إذا زاد دخلها عن حوالي ٠٠٨ دينار شهريا بإعتماد هذا المقياس.وبينما يمكن الحديث عن وجود طبقة وسطى معقولة الحجم في المواطنين العاملين بالقطاع العام حيث يبلغ متوسط الأجر لدى موظفي الخدمة المدنية ٠٠٧ دينار شهريا في نهاية ٦٠٠٢، فإن الطبقة الوسطى في القطاع الخاص محدودة للغاية بسبب متوسط الأجر المنخفض البالغ ٤١٤ دينارا شهريا في نهاية ٦٠٠٢. ويبلغ فارق الأجر بين القطاعين ٦٨٢ دينارا لصالح موظفي الحكومة (المعلومات المتوفرة هي للخدمة المدنية فقط حيث لا توجد أرقام منشورة عن أعداد العسكريين وأجورهم) أي ٠٧٪، وهو فارق مخيف يعكس خللا في توزيع الدخل حتى بين المواطنين أنفسهم.
الأخطر من ذلك هو أن هذا الفارق في حالة زيادة مستمرة ( ما عدا عام ٦٠٠٢)، ومن المرجح أن يزيد الفارق إلى أكثر من ٠٠٣ دينار مع زيادة الـ ٥١٪ لرواتب موظفي الحكومة هذا الشهر.أما إذا أخذنا المعيار الآخر لتعريف الطبقة الوسطى وهي القدرة على تملك منزل يشابه منازل الإسكان الشعبي الحكومي ودفع أقساطه على مدى ٠٣ عاما فإننا سنجد صعوبة في تصنيف حتى من يصل دخله إلى ٠٠٢،١ دينار شهريا، أي ثلاثة أضعاف حد الفقر الحكومي، ضمن الطبقة الوسطى. وللمقارنة، فإن متوسط كلفة شراء منزل في الولايات المتحدة، بعد طفرة كبيرة في أسعار العقارات، يبلغ ٠٠٠،٠٤٢ دولار(٠٠٥،٠٩ دينار) بينما يبلغ في البحرين ما لا يقل عن ٠٠٠،٠٠١ دينار لمنزل متواضع من طابق واحد، هذا على الرغم من أن دخل العائلة الأمريكية يزيد كثيرا عن دخل البحرينية وخط الفقر يعادل ضعفه في البحرين إذا إعتمدنا رقم مركز الدراسات.
وقد عرض بنك الإسكان مؤخرا مجموعة من البيوت للطبقة الوسطى يتراوح سعرها بين ٥٣١ ألف و ٠٦١ ألف دينار في مدينة حمد.ولو افترضنا بأن بحرينيا، تعسا بائسا لم يحتمل إنتظار ٥١ عاما للحصول على بيت إسكان، إشترى هذا البيت المتواضع بمئة ألف دينار وموله بقرض استحدثه مؤخرا بنك الإسكان لاحتياجات الطبقة الوسطى بسعر فائدة تفضيلي قدره ٥.٨٪ سنويا وهو سعر يقل عن أسعار الفائدة للبنوك التجارية فما هي الأقساط التي ستترتب عليه وهل يستطيع الوفاء بها؟هذا المواطن البائس سيدفع قسطا شهريا مقداره ٩٦٧ دينارا لمدة ثلاثين سنة، وسيكون في سباق ماراثوني طوال حياته، وربما يسترد الخالق عهدته قبل أن يسترد البنك دينه!
. وفي هذه الأثناء فإن أسرة هذا المواطن ستعيش على الكفاف إذ يستحيل على الأغلبية الساحقة من الأسر البحرينية متوسطة الدخل، حتى من يصل دخلها إلى ٠٠٢،١ دينار أن تدفع مثل هذا القسط الشهري، ومعه أقساط السيارة والأثاث وغيرها، دون أن ينحدر مستوى معيشتها إلى مستوى محدودي الدخل أو تعيش على حافة الفقر.وبالمقارنة فإن الأسرة الأمريكية التي يزيد متوسط دخلها كثيرا عن الأسرة البحرينية ستدفع ٢٧٥ دينارا شهريا لخدمة دينها عن قرض شراء بيت الأحلام البالغ ٠٠٥،٠٩ دينار على مدى ٠٣ عاما بفائدة تبلغ ٥.٦٪ سنويا وهي للعلم فائدة غير مدعومة وأرخص بـ ٢٪ عن نظيرتها لدى بنك الإسكان المدعوم! إذا كيف يكون لدينا طبقة وسطى واسعة وأغلب الأسر لا تستطيع تملك منزل؟..يتبع