تراجع الطبقة الوسطى في البحرين »٣«
إبراهيم شريف
قارنت في الحلقة السابقة كلفة شراء مسكن لأبناء الطبقة الوسطى في كل من الولايات المتحدة والبحرين، ووصلت إلى نتيجة أن من يحصل على متوسط دخل في أمريكا يستطيع شراء منزل ودفع أقساطه، بينما يعجز قرينه في البحرين عن فعل الشيء ذاته لأن قسط شراء منزل متواضع يبلغ ٠٧٧ ديناراً شهريا بتسعيرة بنك الإسكان على القروض الكبيرة
. وإذا أضاف المرء كلف الحياة الأخرى لطبقة متوسطة يعمل كلا الزوجين فيها، ويحتاجان لسيارتين يبلغ قسطيهما الشهري ٠٤٢ دينارا يضاف إليها ٠٩ دينارا للبترول والصيانة، ولديها ثلاثة أطفال في مدارس حكومية تكلف قرطاسيتهم وملابسهم ومصروف جيبهم ٠٥١ دينارا شهريا، وفاتورة كهرباء وماء وتلفون وهاتف وإنترنت بسرعة السلحفاة لا تقل عن ٠٩ دينارا، أضف إلى ذلك ٠٥١ دينارا مصروفات الأكل ولوازم المنزل وصيانته، وبعض الثياب لرب الأسرة، المجموع هو ٠٣٧ دينارا يضاف إلى قسط المنزل كما سبق ليصبح ما تحتاج إليه الأسرة ما مجموعه ٠٠٦١ دينار، من دون شغالة أو سفرة للهرب من الصيف اللاهب أو سيجارة وشيشة »إذا ابتلى بهما الوالدان« أو كلفة عشاء رومانسي أو مدارس خاصة أو توفير لرسوم الجامعة للأبناء.
هذه هي الطبقة الوسطى وما دونها طبقة محدودة الدخل ما لم تتدخل الحكومة بإزالة العبء الأكبر وهي كلفة السكن.
وفي بداية عام ٢٠٠٢ أعدت وزارة الإسكان دراسة بعنوان »الاسكان والاعمار وتحديات المرحلة القادمة« قدمها الأستاذ عبدالنور العلوي المسؤول بالوزارة في مؤتمر بنفس الاسم ان ٤٢٪ من طالبي خدمات الإسكان يقل راتبهم عن ٠٥١ ديناراً، وهؤلاء يحتاجون دعما بنسبة ٠٠١٪ »أي لا يتم احتساب أي أقساط عليهم«. وأن ٠٦٪ من الطلبات براتب ٠٥١ الى ٠٥٣ دينارا بحاجة الى دعم لا يقل عن ٠٤٪. هذا هو الوضع في نهاية ١٠٠٢ عندما كان بإمكان المواطن شراء أرض بسعر لا يفوق بضعة دنانير للقدم الواحد. أما اليوم فسعر الأراضي في أغلب مناطق السكن يترواح بين ٢١ و٠٢ دينارا للقدم بينما تضاعفت تقريبا كلفة البناء.وحتى بعد احتساب الزيادات المتواضعة على الأجر خلال السنوات الماضية يتضح لنا بأن ٤٨٪ من طالبي خدمات الإسكان يبلغ دخلهم أقل من ٠٠٤ دينار، أي انهم لا يستطيعون ببساطة تحمل كلفة شراء منزل أو حتى كامل القسط الذي يستحق عليهم من خدمات وزارة الإسكان. فما هو الحل لمشكلة الأجور والسكن؟
إحدى أهم معالجات قضية الفقر والدخل تكمن في حل مشكلة السكن لأن جزءا هاما من دخل الأسرة يذهب لسداد كلفته. يمكن للحكومة مثلا تقديم دعم كامل للأسرة التي يبلغ دخلها أقل من ٠٠٤ دينار وهو الحد الأدنى للفقر، بحيث لا يترتب عليها أي أقساط ما دامت في هذه الشريحة المنخفضة من الدخل، بينما يستحق على من يبلغ دخلهم أكثر من ذلك ٠٢٪ من دخلهم الذي يزيد عن حد الفقر »مثلا إذا
بلغ دخل الأسرة ٠٠٧ دينار، فإنها تدفع ٠٢٪ على المبلغ الذي يزيد عن حد الفقر، أي ٠٦ دينارا قسطا شهريا على الوحدة السكنية«.
ولكن قائمة الانتظار على الوحدات السكنية ما زالت كبيرة ويحتاج المواطن أكثر من ٥١ عاما لكي يحصل عليها، فما هو الحل؟ مجلس النواب في فصله السابق استحدث نظام دعم السكن وذلك بدفع وزارة الإسكان مبلغ ٠٠١ دينار إعانة سكن لكل متقدم بطلب لوحدة إسكانية إذا مضى على طلبه ٥ أعوام. يمكن تطوير هذا النظام بحيث يدفع مبلغ الإعانة فور التقدم بالطلب لمن يقل دخل أسرته عن ٠٠٤ دينار، بينما يحصل عليها من يكون دخل أسرته بين ٠٠٤ و٠٠٧ دينار في ٣ سنوات، ويحصل غيرهم على هذه العلاوة بعد انقضاء ٥ سنوات على طلبه، مع أهمية رفع الحد الأعلى للدخل للمسموح لهم التقدم بطلبات الإسكان إلى حوالي ٠٠٦١ دينار من مبلغ ٠٠٩ دينار الحالي. مثل هذا الدعم سيساعد على إخراج عدد كبير من الأسر البحرينية إلى فوق مستوى خط الفقر كما سيساهم في بناء طبقة وسطى مستقرة على المدى البعيد.على الحكومة أن تعي خطورة انزلاق أعداد أكبر من السكان إلى مستوى الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل كما حدث في تسعينيات القرن الماضي »باعتراف تقرير مكنزي الذي أشار إلى تراجع معدل الدخل ٩١٪ خلال تلك الفترة« وتأثير ذلك على الاستقرار السياسي والأمني للبلاد. فالوضع السياسي عادة ما يختل في ظل انتشار الفقر، ويستقر في حالة توسع الطبقة الوسطى بحيث تشكل الشريحة الأكبر في المجتمع شريطة أن يكون بإمكان أي من أبناء الشعب الترقي والنجاح دون تمييز بسبب طائفته أو أصله أو جنسه أو أي سبب آخر