حصاد المشاركة.. هل يُقرأ الكتاب من عنوانه؟ (٢)
إبراهيم شريف
انتهيت في مقالي السابق الى ان حصيلة دور الانعقاد الاول، تشريعيا ورقابيا كانت هزيلة على صعيد المجلس النيابي بشكل عام كما على صعيد اداء الكتل النيابية موالاة ومعارضة.كتل الموالاة تعرف ما تريد ما هو ممكن وما هو محرم وهي تستخدم الاسلوب الذي تربت عليه الرغبات والتمني والاستجداء للحصول على بعض المكتسبات المعيشية للمواطنين الذين يضغطون على نوابهم لتحقيق شيء ما.وقد تعرفت هذه الكتل خلال الدور التشريعي السابق على الخطوط الحمر التي تخرجها عن طاعة النظام ونعمته، تعرف تماما بان الكلام العام حول الفساد او التلويح بمحاسبة المسؤولين عنه امر مسموح وان معاقبة مسؤولين صغار او متوسطين امر ممكن ما لم يترتب عليه سقوط اسماء كبرى، وتعرف الذي لا يجوز الحديث عنه، ويستطيعون الحديث عن فساد نظام توزيع الاراضي ولكن لا يستطيعون وضع تشريع لاستعادة هذه الاراضي، وربما يتمكنون يوما من وضع قانون لتخطيط الاراضي وتوزيعها بشكل عادل بعد ان لا يتبقى ساحل قابل للدفن! لهذا ليس عجبا ان يصفق نواب الموالاة لسقوط الاسماك الصغيرة والمتوسطة بحرينيين واجانب شركاء او ضحايا في شباك حملة مكافحة الفساد التي بدأت منذ شهرين والتي شملت عدة شركات حكومية او مشتركة مثل شركة البحرين للالمنيوم »البا« وطيران الخليج والشركة العربية لبناء واصلاح السفن »اسري« الذين هتفوا مؤيدين لهذه الحملة تناسوا بان شباك مكافحة الفساد في بلادنا لم تصطد يوما ايا من الاسماك الكبيرة، فهي شباك هزيلة الخيوط صنعت من اجل الاسماك الساحلية الصغيرة الكل يعلم والكل يتحدث في المجالس والمقاهي والاحياء الشعبية، فلا توجد اسرار في هذا البلد الصغير وابسط مواطن يستطيع ان يدل النيابة العامة وديوان الرقابة المالية على الاسماء الكبيرة للفاسدين في هذه الشركات الثلاث الكبرى وفي غيرها من الشركات الحكومية وعناوينهم وبعض ما يملكون وعدد الطابوقات التي تميز املاكهم، فهؤلاء فقدوا الامانة والنزاهة.الموضوع لا يتعلق بعمولات على بضعة ملاعق واواني فضية وغيرها وعشرة آلاف هنا ومائة الف هناك او على عدة ابواب حديدية في »بابكو« وبضعة ساعات ورود واثاث فخم في صندوقي التقاعد والتأمينات كل هذه امور هامة ولكنها صغيرة بقياس حجم الفساد في بلادنا، فقد كلفت توسعة الخط الخامس لـ »ألبا« اكثر من ٠٠٧١ مليون دولار بينما كلف انشاء مثل هذه التوسعة في شركة دبي للألمنيوم اقل من ذلك ببضعة مئات من الملايين وفي طيران الخليج الف قصة وقصة منها قيام بعض اعضاء مجالس الادارة السابقين باستلام عمولات بعشرات الملايين من الدولارات لشراء طائرات الايرباص، اليس هناك حاجة في البحث عن من قبض عشرات ومئات الملايين بدل التركيز فقط على »الخردة« و»الفكة« والفراطة«.
من يريد اصطياد الاسماك الكبيرة فعليه ان يركب عباب البحر ويتحمل المشقة و»البهدلة« ومنة النعمة وقطع الرزق، ولكن نواب الموالاة آثروا الابحار قرب الشاطىء الرملي الذي يتم اعداده ليصبح اراض يتم توزيعها امام اعين وسمع النواب الذين تم في عهدهم دفن اكثر من ٤٢ كيلو مترا من البحر بين ٢٠٠٢ و ٦٠٠٢ لم ينل ناخبوهم المساكين منها شيئا.السلطة هي الاخرى تعرف ما تريد وكيف تحصل على ما تريده، فهي تقوم بدعم هذا المرشح وذاك حتى في الدائرة الواحدة لتضمن النتيجة ايا كانت، هذه الكتلة الموالية او تلك، وتكسب معروفا في هذا وتحفظ اسرار ذاك لوقت اللزوم، وعند الحاجة فكل هؤلاء مدينون لها بالمقعد وحسن السيرة والسلوك؛ لذلك فهي تستطيع ان تضمن ٢٢ مقعدا عندما »تعتاز« ولكن الادهى ان يقدم لها اغلب هؤلاء واجب الطاعة حتى عندما لا تطلبها، فبوصلتهم يحدد اتجاهها المجال المغناطيسي للسلطة.وقد تمكنت الحكومة من اتقان اللعبة النيابية بشطارة فهي »تطنش« اسئلة النواب المحرجة اما بالقول بأن ما يطلبه النائب »اسرار خاصة« لا يمكن الكشف عنها مثلما يحدث عند السؤال عن من يملك الاراضي التي كانت سابقا من أملاك الدولة، او بتوفير المعلومات للنائب في غرفة مغلقة مع اخذ تعهد منه بعدم نشرها لمنع المعلومات عن الناس كما في حالة سجلات التجنيس، او بمنع المعلومات حول موازنة الدفاع وخاصة التسلح وهي المعلومات التي يمكن الحصول على جلها من مصادر الانترنت وملفات وزارة الدفاع الامريكية المفتوحة للعموم، ويمكن للوزراء تشكيل حائط صد يمنع خروج المعلومات من وزارتهم حتى عندما تطلب لجان تحقيق نيابية لها صلاحيات دستورية كما حدث في وزارتي الصحة والاعلام، وعندما لا يتبقى لدى الحكومة الا تقديم اضحية في شكل وزير فإنها لا تتردد في انهاء اعمال هذا الوزير تجنبا لحرج اكبر.هؤلاء يعرفون ما يريدون وكيف يصلون اليه، فهل تعرف المعارضة النيابية ماذا تريد وكيف تحقق ما تريده؟.. يتبع