رسالة الى أبي .. جامع الشهادات
حفل تأبين الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله)- قـرية جــنـوســان
عبدالجليل السنكيس
6 ديسمبر 2007م
أعتذر إليك إبتداءاً أيها الشيخ العزيز عن كل تقصير في حقك علينا، فمثلك من يسامح ويتسامح، ولهذا فأنت أبا هذا الشعب، وعليه أرسل إليك كلماتي في ذكرى رحيلك الأولى عنا يا أبي.
إننا نفتقدك كثيراً وذكراك لا تزال تلازمنا كلما وقعت قضية تستلزم الإجتماع والتشاور والرأي.. إننا نفتقدك كلما اجتمع جمع من الفرقاء والقادة والرموز الوطنية، في محفل أو تجمع.. إننا نفتقدك كلما حلت مصيبة أو أزمة أو تطلب الوضع موقف صارم واضح ملزم وملتزم.. إننا نفتقدك، يا أبي، عندما نريد أن نحتمي أو نلوذ، كلما تآمر العدو علينا وخطط لتدميرنا، فأنت، بعد الله سبحانه وتعالى، نعم الملاذ ونعم الحامي ونعم المدافع عن حقوقنا، حقوق كل الشعب.
يا أبا جميل، وأعلم أنك تحب أن تنادى بهذا الإسم، لقد رحمك الله يوم ناداك إليه. ولطف بحالك يوم غادرت هذه الدنيا. لقد كنت تصدح بالحق، وتلتزم به وتدعو إليه، لا تخاف في الله لومة لائم، أو عبوس ظالم. وقد نال هذه الأمة من الحيف ما نال، وشاع الظلم وشيع الظلام بين ربوعها وأخرست الألسن وأميتت الضمائر. فمن ينطق بالحق، صار ملاما، ومن ينشد العدل صار مؤنباً، ومن رفض ما يدور صار مهانا.
إنني على ثقة، يا أبي، بأنك لو كنت في وضعك السابق، وقوتك الماضية، لما أعجبك الوضع، ولما رضيت بما يحدث من تجاوزات. لم تكن لتطبّع مع الواقع الخاطئ، ولم تكن تـُعبـّـد طريق الرضى بالظلم والزور، ولم يكن، سيدي، يهنأ لك بال والظالم يصول ويجول بيننا كأننا سكارى، وما نحن بسكارى، ولكنه موقف شديد. لقد رحلت من هذه الأرض بعد أن أطلقت شهادتك المدوية في حق هذا الشعب، مثبتا نضاله وجهاده وتضحياته، دون تنازل عن مطلبه الأساس في إدارة القرار في هذا البلد. وليعجب من يعجب وليغضب من يغضب. ولهذا تآمروا عليك، يا أبي، وأبعدوك وأخفوك عن الشعب. لقد عملوا ما عملوا، وكان بعلم الله، بغية أن تذهب عنا وعن شعبك، لكنها رحمة الله سبحانه وتعالى التي أبقتك لتشهد أكثر من شهادة قبل رحيلك الى الرفيق الأعلى.. اللهم لا اعتراض على قضاءه وقدره.
فشهادتك الأولى يوم تصديت لمطالب هذا الشعب وناديت بحقوقه ورفضت التآمر عليه، فكانت بصماتك واضحة في مناهضتك مع أخوتك في النضال في التجربة القصيرة لمجلس 1973م. فوقفت مع المناضلين أمام تجبر السلطة ورفضتم إستصدار قانون أمن الدولة، كما أصررتم على تقنين ملكية الأراضي العامة، وحماية المال العام. فكنت شاهداً وشهيداً على تآمر السلطة منذ حينها وعلى تعاطي النخبة منذ ذلك الزمان.
وشهدت شهادة أخرى يوم تحملت مسئولية تمثيل العريضة النخبوية التي تم تسلميها للأمير الراحل والمعبرة عن مطلب اكثر من 300 شخصية وطنية ارتأت فيك لسانها وأمينا على مطالبها، التي هي في الأصل مطالب هذا الشعب الأبي. لقد صدحت بما يريد هذا الشعب، وأوصلت رؤاه ومطالبه، وكنت نعم الشاهد والشهيد.
وشهدت شهادة أخرى، حينما تبنيت ودعيت وسجنت وتحاورت من أجل مطالب الشعب التي عبر عنها في عريضته الشعبية التي وصلت الى حوالي 25 ألف توقيع من المواطنين. لقد كان صوتك مجلجاً وأنت تطالب بدستور توافقي، وبعودة الحياة البرلمانية، أينما حللت بين النخبة أوالجمهور، وكنت تنادي دائماً بأنه لا تنازل عن الحقوق وعلى استمرار النضال والجهاد حتى تحقيق المطالب. لقد كانت شهادة كبرى منك حضرها وثبتها الشعب عبر شعارته تجاهكم، وعبر همهماته ومشاعره التي تنغم بها الصغير والكبير.
هناك شهادة أخرى لك يا أبي..فلم يمنعـك السجن والإقصاء عن أبناءك- أفراد الشعب- من أن تقولها. لم يمنعك الحصار الذي طال عائلتك ومنزلك ومسقط رأسك من أن تصدح بها. لم تنبهر كما انبهر الآخرون، فانكفأوا وانعقدت ألسنتهم عن البوح بما هو حق، ولم تجامل أو تتهاون في التصريح- لا التلميح- في الإصرار على المضي في طلب الحق. ما أن حانت أول فرصة تلاق بينك وبين شعبك، حتى شهدت شهادتك الكبرى في حق ما قام به النظام، وقلت قولتك، وأنت الصادق، "ليس هذا البرلمان الذي ناضل من أجله الشعب، سنة وشيعة". لقد صعق الحاكم والظالم والنائم بهذه الشهادة الفاقعة الواضحة المجلجلة في حق وثيقة أراد النظام أن يثبتها ويصادر بكل صلافة وتبجح إرادة ورغبة وجهاد وتضحيات هذا الشعب. لم تكن لترضى بأن يمحى تاريخ نضال شعب البحرين، أو أن تسحق إرادته، أو يتم التصرف بإسمه. لقد أصررت بهذه الشهادة، أن تقول قولة الحق، دون وجل أو محاباة أو تملق لحاكم مهما كان، ومهما تجبر. لقد كانت شهادة ضربت المسمار الأول في نعش وثيقة الشيخ حمد المفروضة على الشعب، معلنة سقوطه وإيذاناً بإسقاطه.
وبرغم الغياب التي جبلت وأجبرت عليه، من خلال البلاء الذي ابتلاك الله وابتلانا به، إلا إنك، وهي لطف ورحمة من ربك وخالقك- رب العالمين- بان تغادر هذه الأرض بعد أن تشهد شهادتك الأخيرة. هذه المرة، في حق شهداء هذا الوطن- أبناءك وأحباءك- بعد أن تنازل البعض عن ذلك. وبعد ان حاول البعض ان يساهم في تغييب مظلومية هذا الشعب، من خلال محاولة طمس ذكرى عيد الشهداء. لقد مضيت الى ربك الأعلى مطمئناً، ولكن بعد أن اطمأننت على تثبيت ذلك اليوم الذي سقط فيه أول شهيدين بالرصاص الحي وفي العلن، في سياسة جديدة ارتآها النظام كوسيلة لقمع المطالب الشعبية التي شاركت في تثبيتها وقيادة الجماهير تجاهها. لقد عبرت سياسة البطش واطلاق الرصاص على المتظاهرين المسالمين، عن ضيق صدر النظام وعدم صبره على ما قامت به الحركة المطلبية التي زاد من أوارها سقوط الهانيين في 17 ديسمبر 1994م. ومع معاناتك التي لا يعلم بها إلا الله ومن حولك، وخصوصاً زوجتك العزيزة الصابرة المحتسبة "أم جميل"، إلا إن رحيلك الذي كان بلطف الله وعنايته بك وبتضحيات هذا الشعب عبر شهدائه الأبرار، مثبتأ وحامياً وراعياً لعيدهم المجيد، فرحلت في اليوم التالي من ذلك اليوم، شاهداً عليه ومعلناً اطمئنانك على تثبيته وضمان عدم تزحزحه أو التنازل عنه وعن توقيته، رغم محاولات النظام والآخرين في نقله لغير ذلك اليوم.
يا أبي..لقد كنت محل جمع وتوافق، بين الفرقاء في الفكر والدين والسياسة. لقد وسع قلبك الكبير كل من يختلف معك، ويتفق في الوطن. لم تفرق في اللون السياسي أو الفكري، وأضحيت مظلة عامرة للجميع، ولهذا فقدك الجميع، حتى الذي لم يتفق مع فكرك ودينك ومذهبك.
يا أبي.. أراك مستجيبا للنداءات والدعوات.. لم يمنعك مرض أو تعب أو مشقة من الإستجابة، لأخوة لك في الحد، أو المحرق، أو سترة أو كرزكان، أو السنابس أو توبلي. حضورك وتواجدك، رغم الظروف الصعبة، ورغم القلق الإمني والتوتر، إلا إنك لم تتخلى عن أحبتك، في أفراحهم، وأحزانهم، وكان لك في كل مجلس شاهد وشهيد. ولهذا، فلقد تربعت في القلوب ولن يحل محلك أحد. ومن كان في أثرك، لن ينال ما نلت، إلا أن يتبع أثرك ومنهجك وينزل للناس ويتحسس آلامهم ومعاناتهم. ولهذا، كانوا ولا زالوا مستعدين لتقديم الأضاحي وكانوا رهن إشارتك.
رحمك الله يا أبي.. يا أبا جميل.. رحمة واسعة، رحمة الشهداء والأبرار على ما أعطيتهم وأعطيت هذا الشعب النبيل الذي لن ينسى مواقفك النبيلة، ولن ينسى تضحياتك الكبرى، ولن ينسى المطالب التي طالما رددتها في كل محفل، ولن ينسى يوم غادرته محتسباً شاهداً داعياً الله أن ينال هذا الشعب مطالبه، ولو بعد حين. لقد حفرت يا أبي ذكراك في قلوب هذا الشعب- سنة وشيعة- وسوف لن ينساك جميلك عليه- يا أبا جميل- على مر الدهور، وسوف يواصل تغنيه بمواقفك السامية، ويدعو لك بحسن الخاتمة ويقرأ لك الفاتحة، كلما تذكرك، فرحمة الله عليك يوم ولدت، ويوم ناضلت وجاهدت وأبتليت، ويوم رحلت عن هذه البسيطة ويوم يلقاك حياً بإذن الله، إنه سميع مجيب الدعاء- الفاتحة.
حفل تأبين الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله)- قـرية جــنـوســان
عبدالجليل السنكيس
6 ديسمبر 2007م
أعتذر إليك إبتداءاً أيها الشيخ العزيز عن كل تقصير في حقك علينا، فمثلك من يسامح ويتسامح، ولهذا فأنت أبا هذا الشعب، وعليه أرسل إليك كلماتي في ذكرى رحيلك الأولى عنا يا أبي.
إننا نفتقدك كثيراً وذكراك لا تزال تلازمنا كلما وقعت قضية تستلزم الإجتماع والتشاور والرأي.. إننا نفتقدك كلما اجتمع جمع من الفرقاء والقادة والرموز الوطنية، في محفل أو تجمع.. إننا نفتقدك كلما حلت مصيبة أو أزمة أو تطلب الوضع موقف صارم واضح ملزم وملتزم.. إننا نفتقدك، يا أبي، عندما نريد أن نحتمي أو نلوذ، كلما تآمر العدو علينا وخطط لتدميرنا، فأنت، بعد الله سبحانه وتعالى، نعم الملاذ ونعم الحامي ونعم المدافع عن حقوقنا، حقوق كل الشعب.
يا أبا جميل، وأعلم أنك تحب أن تنادى بهذا الإسم، لقد رحمك الله يوم ناداك إليه. ولطف بحالك يوم غادرت هذه الدنيا. لقد كنت تصدح بالحق، وتلتزم به وتدعو إليه، لا تخاف في الله لومة لائم، أو عبوس ظالم. وقد نال هذه الأمة من الحيف ما نال، وشاع الظلم وشيع الظلام بين ربوعها وأخرست الألسن وأميتت الضمائر. فمن ينطق بالحق، صار ملاما، ومن ينشد العدل صار مؤنباً، ومن رفض ما يدور صار مهانا.
إنني على ثقة، يا أبي، بأنك لو كنت في وضعك السابق، وقوتك الماضية، لما أعجبك الوضع، ولما رضيت بما يحدث من تجاوزات. لم تكن لتطبّع مع الواقع الخاطئ، ولم تكن تـُعبـّـد طريق الرضى بالظلم والزور، ولم يكن، سيدي، يهنأ لك بال والظالم يصول ويجول بيننا كأننا سكارى، وما نحن بسكارى، ولكنه موقف شديد. لقد رحلت من هذه الأرض بعد أن أطلقت شهادتك المدوية في حق هذا الشعب، مثبتا نضاله وجهاده وتضحياته، دون تنازل عن مطلبه الأساس في إدارة القرار في هذا البلد. وليعجب من يعجب وليغضب من يغضب. ولهذا تآمروا عليك، يا أبي، وأبعدوك وأخفوك عن الشعب. لقد عملوا ما عملوا، وكان بعلم الله، بغية أن تذهب عنا وعن شعبك، لكنها رحمة الله سبحانه وتعالى التي أبقتك لتشهد أكثر من شهادة قبل رحيلك الى الرفيق الأعلى.. اللهم لا اعتراض على قضاءه وقدره.
فشهادتك الأولى يوم تصديت لمطالب هذا الشعب وناديت بحقوقه ورفضت التآمر عليه، فكانت بصماتك واضحة في مناهضتك مع أخوتك في النضال في التجربة القصيرة لمجلس 1973م. فوقفت مع المناضلين أمام تجبر السلطة ورفضتم إستصدار قانون أمن الدولة، كما أصررتم على تقنين ملكية الأراضي العامة، وحماية المال العام. فكنت شاهداً وشهيداً على تآمر السلطة منذ حينها وعلى تعاطي النخبة منذ ذلك الزمان.
وشهدت شهادة أخرى يوم تحملت مسئولية تمثيل العريضة النخبوية التي تم تسلميها للأمير الراحل والمعبرة عن مطلب اكثر من 300 شخصية وطنية ارتأت فيك لسانها وأمينا على مطالبها، التي هي في الأصل مطالب هذا الشعب الأبي. لقد صدحت بما يريد هذا الشعب، وأوصلت رؤاه ومطالبه، وكنت نعم الشاهد والشهيد.
وشهدت شهادة أخرى، حينما تبنيت ودعيت وسجنت وتحاورت من أجل مطالب الشعب التي عبر عنها في عريضته الشعبية التي وصلت الى حوالي 25 ألف توقيع من المواطنين. لقد كان صوتك مجلجاً وأنت تطالب بدستور توافقي، وبعودة الحياة البرلمانية، أينما حللت بين النخبة أوالجمهور، وكنت تنادي دائماً بأنه لا تنازل عن الحقوق وعلى استمرار النضال والجهاد حتى تحقيق المطالب. لقد كانت شهادة كبرى منك حضرها وثبتها الشعب عبر شعارته تجاهكم، وعبر همهماته ومشاعره التي تنغم بها الصغير والكبير.
هناك شهادة أخرى لك يا أبي..فلم يمنعـك السجن والإقصاء عن أبناءك- أفراد الشعب- من أن تقولها. لم يمنعك الحصار الذي طال عائلتك ومنزلك ومسقط رأسك من أن تصدح بها. لم تنبهر كما انبهر الآخرون، فانكفأوا وانعقدت ألسنتهم عن البوح بما هو حق، ولم تجامل أو تتهاون في التصريح- لا التلميح- في الإصرار على المضي في طلب الحق. ما أن حانت أول فرصة تلاق بينك وبين شعبك، حتى شهدت شهادتك الكبرى في حق ما قام به النظام، وقلت قولتك، وأنت الصادق، "ليس هذا البرلمان الذي ناضل من أجله الشعب، سنة وشيعة". لقد صعق الحاكم والظالم والنائم بهذه الشهادة الفاقعة الواضحة المجلجلة في حق وثيقة أراد النظام أن يثبتها ويصادر بكل صلافة وتبجح إرادة ورغبة وجهاد وتضحيات هذا الشعب. لم تكن لترضى بأن يمحى تاريخ نضال شعب البحرين، أو أن تسحق إرادته، أو يتم التصرف بإسمه. لقد أصررت بهذه الشهادة، أن تقول قولة الحق، دون وجل أو محاباة أو تملق لحاكم مهما كان، ومهما تجبر. لقد كانت شهادة ضربت المسمار الأول في نعش وثيقة الشيخ حمد المفروضة على الشعب، معلنة سقوطه وإيذاناً بإسقاطه.
وبرغم الغياب التي جبلت وأجبرت عليه، من خلال البلاء الذي ابتلاك الله وابتلانا به، إلا إنك، وهي لطف ورحمة من ربك وخالقك- رب العالمين- بان تغادر هذه الأرض بعد أن تشهد شهادتك الأخيرة. هذه المرة، في حق شهداء هذا الوطن- أبناءك وأحباءك- بعد أن تنازل البعض عن ذلك. وبعد ان حاول البعض ان يساهم في تغييب مظلومية هذا الشعب، من خلال محاولة طمس ذكرى عيد الشهداء. لقد مضيت الى ربك الأعلى مطمئناً، ولكن بعد أن اطمأننت على تثبيت ذلك اليوم الذي سقط فيه أول شهيدين بالرصاص الحي وفي العلن، في سياسة جديدة ارتآها النظام كوسيلة لقمع المطالب الشعبية التي شاركت في تثبيتها وقيادة الجماهير تجاهها. لقد عبرت سياسة البطش واطلاق الرصاص على المتظاهرين المسالمين، عن ضيق صدر النظام وعدم صبره على ما قامت به الحركة المطلبية التي زاد من أوارها سقوط الهانيين في 17 ديسمبر 1994م. ومع معاناتك التي لا يعلم بها إلا الله ومن حولك، وخصوصاً زوجتك العزيزة الصابرة المحتسبة "أم جميل"، إلا إن رحيلك الذي كان بلطف الله وعنايته بك وبتضحيات هذا الشعب عبر شهدائه الأبرار، مثبتأ وحامياً وراعياً لعيدهم المجيد، فرحلت في اليوم التالي من ذلك اليوم، شاهداً عليه ومعلناً اطمئنانك على تثبيته وضمان عدم تزحزحه أو التنازل عنه وعن توقيته، رغم محاولات النظام والآخرين في نقله لغير ذلك اليوم.
يا أبي..لقد كنت محل جمع وتوافق، بين الفرقاء في الفكر والدين والسياسة. لقد وسع قلبك الكبير كل من يختلف معك، ويتفق في الوطن. لم تفرق في اللون السياسي أو الفكري، وأضحيت مظلة عامرة للجميع، ولهذا فقدك الجميع، حتى الذي لم يتفق مع فكرك ودينك ومذهبك.
يا أبي.. أراك مستجيبا للنداءات والدعوات.. لم يمنعك مرض أو تعب أو مشقة من الإستجابة، لأخوة لك في الحد، أو المحرق، أو سترة أو كرزكان، أو السنابس أو توبلي. حضورك وتواجدك، رغم الظروف الصعبة، ورغم القلق الإمني والتوتر، إلا إنك لم تتخلى عن أحبتك، في أفراحهم، وأحزانهم، وكان لك في كل مجلس شاهد وشهيد. ولهذا، فلقد تربعت في القلوب ولن يحل محلك أحد. ومن كان في أثرك، لن ينال ما نلت، إلا أن يتبع أثرك ومنهجك وينزل للناس ويتحسس آلامهم ومعاناتهم. ولهذا، كانوا ولا زالوا مستعدين لتقديم الأضاحي وكانوا رهن إشارتك.
رحمك الله يا أبي.. يا أبا جميل.. رحمة واسعة، رحمة الشهداء والأبرار على ما أعطيتهم وأعطيت هذا الشعب النبيل الذي لن ينسى مواقفك النبيلة، ولن ينسى تضحياتك الكبرى، ولن ينسى المطالب التي طالما رددتها في كل محفل، ولن ينسى يوم غادرته محتسباً شاهداً داعياً الله أن ينال هذا الشعب مطالبه، ولو بعد حين. لقد حفرت يا أبي ذكراك في قلوب هذا الشعب- سنة وشيعة- وسوف لن ينساك جميلك عليه- يا أبا جميل- على مر الدهور، وسوف يواصل تغنيه بمواقفك السامية، ويدعو لك بحسن الخاتمة ويقرأ لك الفاتحة، كلما تذكرك، فرحمة الله عليك يوم ولدت، ويوم ناضلت وجاهدت وأبتليت، ويوم رحلت عن هذه البسيطة ويوم يلقاك حياً بإذن الله، إنه سميع مجيب الدعاء- الفاتحة.