Tuesday, December 11, 2007

يـــــا فضيحتنـــــا

يـــــا فضيحتنـــــا
غسان الشهابي

مع التراجع المجزي/المخزي في مسألة الترتيب الدولي للبحرين على قائمة الفساد بعشرة مقاعد إلى الوراء، سيكون من اللائق أن نلتفت مجدداً إلى الداخل وعلى أكثر من جهة قبل أن تتفلت من بين الأصابع ما يمكن أن يتم معه الإمساك بما يُضرب على يد الفساد والمفسدين والمتلاعبين بالمال العام.
القصص التي نعرفها ويتداولها الناس في مجالسهم لم تعد مغرية في هذا الوقت الانفتاحي، فهناك قصص أكثر سخونة موثقة ومدققة بالأرقام وممهورة بالأختام الرسمية، خصوصاً تلك التي جاء بأطراف منها ديوان الرقابة المالية بعد إقراره، وبعد أن طارت طيور كثيرة بأرزاقها، وبعضها صارت خارج التاريخ اليوم بما ذهبت به، ولم يبق من ذكرها غير القصص والغَصص، وبعد أن سوّت الكثير من الجهات أوضاعها، ونظفت أدراجها تحسباً لموظفي ‘’الرقابة’’، ومع ذلك، فإن ما بقي من الحجم المكشوف عنه في الفساد ليس قليلاً، بل ومذهلاً، بعضه ذاهب في اتجاه الغفلة ونقص الخبرة، وهذه مشكلة، وبعض ما تم الكشف عنه كان ماضٍ في التعمد للنهل من المال العام وسوق المشروعات والمناقصات والمنافع الكثيرة للصالح الشخصي وصالح الأقربين.
ولكن هناك من القصص الصغيرة التي لا يضبطها ضابط، ولا يشملها ديوان، ولا تحتاج إلى أوراق وأختام، وهي ربما المقلقة بشكل فاضح للناس. فإذا كانت الأموال العامة تنهب من الدولة، وهي حق للجميع بلا شك، ومن حق الجميع أن يتنعم بها وأن تظلله خيراتها، فإن رد الفعل تجاه سرقتها أو تبديدها يبدو باهتاً جداً مادامت لم تنسحب من جيب الفرد. فما لم نتعود عليه هو أن نتجاوز الامتعاض إلى المطالبة الجمعية، ومن ‘’التحلطم’’ إلى الفعل، وتمكين القانون وتغييره برفع القضايا في الشأن العام، وأن ينبري من المحامين من يؤدي زكاة علمه وموهبته في ما هو خارج القضايا الكلاسيكية.. وبالتالي فإن المال المنهوب ما لم يمس الجيوب الشخصية للناس لا يجري التحرك في أمره، وحتى لو اقتربت النار من بيت الجيران.
هذا السلوك السلبي، أو السلوك العاجر أحياناً بأن تُترك الأمور تسير على هواها معبّرين عن عجزنا التام وقلة حيلتنا وانسداد الأبواب في وجوهنا، هو ما يمكّن المتلاعبين في المال العام أن يسدروا في غيّهم، وألا يخشوا عيون الجماهير التي يمكن أن تصهرهم لو سُلطت عليهم، ولا يهابون رقابة لأن المبررات كثيرة والمخارج أكثر، ويعمد البعض أحياناً بالتلويح بأن قضيته إن قُدِّمت إلى الجهات القضائية فإن أسماء أعلى سيتم الكشف عنها كونها واقفة وراء تجاوزاته، وأنه سيهدم المعبد على من فيه إن جرت محاكمته، وهذا ما يجعل الكثير من القصص تنطفئ جذوتها، ويتقاصر الحديث فيها، وتنتهي إلى النسيان، ويتسرب المتهمون فيها من الأبواب الخلفية، ويظهرون لنا - إن أمدّ الله في أعمارهم - بصيغ أخرى بعد سنين، يتذكر الناس ما قيل في شأنهم، وما تناقلوه عنهم، وعن القضايا التي باتت في الأدراج، ولكن.. تمضي الحياة.
هذا السلوك السلبي والعاجز هو الذي يُشيع مقولة ‘’سَلك البلد’’ على الكثير من الأمور التي يدفع فيها الناس من أموالهم الخاصة لكي تسيَّر معاملاتهم، وكما قال النائب جاسم حسين بأن 43% يدفعون ‘’رشاوى’’ لها أسماء مختلفة ربما في واقعنا لكي تسرّع معاملاتهم، وهذا ما يعكس - بغض النظر عن صحة النسبة ودقتها - حجم الفضيحة التي يعيشها الناس يومياً من تعمّد عدد من الموظفين الرسميين ‘’مرمرة’’ المراجعين حتى يفهم المراجع من تلقائه بأن فتح صواميل معاملته المتعسرة سيحتاج إلى مليّن وحيد له خشخشة وهو خارج من المحافظ، منتقلاً من يد إلى يد. وإذا كان العدد الأكبر من المراجعين يشمئزون ويمتعضون ويندهشون من صفاقة بعض الموظفين، فإنهم في النهاية يدفعون ‘’المقسوم’’ خشية من أن هذا الموظف لا يتحرك من تلقائه، بل إن من سيذهب المراجع للشكوى لديه هو أيضاً داخل في اللعبة، وأن فوق يده يد أيضاً، وما الموظف الذي في الواجهة إلا واجهة لسلسلة من المرتشين لا نهاية لها.
أيُّ ديوان يمكنه أن يرصد التلكؤ المتعمّد للتربح الشخصي، أو التسريع المتجاوز للطوابير لصالح من دفع ومن قبض أو اللف والدوران والكلام غير المفهوم والمستعصي على المنطق عندما يتفوه به موظف صغير من أجل أن تفهم وتدفع.. سيقول البعض إنه لولا الحاجة المادية وضعف الرواتب لما لجأ البعض إلى هذا الأسلوب.. حسنٌ، ماذا عن أصحاب الملايين الذين يمارسون الرذيلة نفسها، ولكن ‘’على ثقيل’’؟!
رابط المقال :