Wednesday, February 06, 2008

على النظام أن يقرر: أن يطلق سراحكم دون قيد أو شرط أو أن يدخلنا معكم

أبا أحمد ..شموخكم الصامد علامة نصر قريب.. وعلى المجرم تدور الدوائر
على النظام أن يقرر: أن يطلق سراحكم دون قيد أو شرط أو أن يدخلنا معكم


عبدالجليل السنكيس
4 فبراير 2008م


لم أستطع أن أمسك قلمي ليعبر عن المشاعر تجاهكم وأنا في طريقي للسفر بعيداً عن الوطن. لقد أجلت سفري يوم أمس حتى احظى برؤيتكم في قاعة المحكمة، وأنتم مصفدون بالأغلال، والله أشكر أنه أنالني تلك الحظوة وذلك التوفيق بالرغم من كل العراقيل التي حاولت أجهزة النظام ان تضعها لمنع أي لقاء.
نعم..رأيت فيكم الصمود والشموخ. كان رأسكم مرفوعاً وابتسامتكم لم تفارق محياكم.. كنت أقرأ معاناتكم، ولكنني أيضاً أقرأ فيكم الإصرار على العطاء حتى النهاية. ظن النظام والبعض أنكم هرمتم، وشغــلـتـكم الدنيا عن العطاء والجهاد وعن القضية، إلا إن ما حدث معكم منذ اعتقالكم ظهيرة عيد الأضحي الموافق 21 ديسمبر ولحد هذه الساعة، لدليل على أن وراء ذلك الجسم النحيف إرادة صلبة تهز الجبال، وإن وراء تلك الشيبة على وجنتيك ولحيتك، حياة غضة يافعة ملهمة ومفعمة بالروح الوثابة القادرة على العطاء.
في قاعة المحكمة، وأنت تقف أمام القاضي الخليفي، عبر أخوتك المعتقلون عن معاناتهم ورغباتهم، ولكنك إلتزمت الصمت، ورأسك مرفوع عالياً. لم ترد أن تسمح لذلك الموقف أن ينال من إرادتك وصمودك، وإصرارك على حقك وحق المواطنين الشرفاء وحق أخوتك الأبطال من أبناء البحرين في حياة عزيزة وشريفة، وبدونها لا يهنأ عيش ولا حياة. لم تنبس ببنت شفة، غير التأكيد على عدم وجود محاميك الذي لم يحضر الجلسة، كبقية المحامين، احتجاجاً على عقدها خارج الدوام الرسمي، وتذكيراً بمحاكم أمن الدولة غير الملتزمة بأي معايير الحق والعدالة.
لم تتكلم، ولكن داخلك يجأر للقاضي الخليفي ومن معه، وخصوصاً بعد أن هدد بأن المحاكمة ستنعقد مرة أخرى في أي وقت يراه، حتى وإن ارتأى المحامون عدم قانونية الجلسة، حيث ستستعـين المحكمة بمن تراه من المحامين. كأنك لسان حالك يقول للقاضي الخليفي بأن "يقضي ما هو قاض، إنما يقضي هذه الحياة الدنيا"، وبإننا لسنا بأفضل من شهدائنا الأبرار الذين قضوا في التعذيب في السجون والمحاكم الخليفية، وكانوا يبثون شكواهم لله الواحد الأحد فأثابهم حسن المثوبة والجزاء- الشهادة والحضور لدى أنبياءه ورسله والصالحين المكرمين. فأي منزلة تلك مقارنة بما يعيشه الإنسان على هذه الأرض. ولوصول تلك المرتبة، ليسجنوا ما شاءوا وليعذبوا ما شاءوا، وليقتلوا من يقتلوا، فإنها والله علائم النصر للشعب المقاوم البطل. إنها مسألة وقت، والليل سينجلي وإن طال، وإن نور الفجر سينبلج عما قريب.
ولهذا، لازالت اجهزة الدولة الأمنية تحاول أن تكسر تلك الروح العالية، وتلووي تلك الإرادة الحديدية، وقد خابت. أذكر- يا أخي- كيف هجمت عليك القوات الخاصة المسلحة كالذئاب الضارية المسعورة عند التحقيقات في ديسمبر 2005. قد فعلوا ذلك أكثر من مرة عندما عرفوا أنك أخي وكنت تصدح عالياً في وجه الجلاد تسكته وتلجمه. لقد ظنوا أنهم يستطيعون أن يحدثوا في نفسك كسراً بعد أن يوسعوك ألماً تلو الألم، ويضربوك بقسوة تعبر عن حيوانيتهم، ولكن هيهات أن تنيلهم ما أرادوا.
ها هم- يا أبا أحمد- يحاولون إطفاء روحك المتلألئة والملهمة للصغير قبل الكبير، في داخل السجن وخارجه، فيحبسوك وحيداً مقيداً بالأصفاد الحديدية من الخلف، ومصمد العينين، في غرفة ضيقة ظلماء تفوح منها الروائح، وتنتشر فيها الحشرات والقاذورات.
هاهم يمنعونك من النوم..ويوقظوك ليلياً بطريقتهم الإنتقامية الحاقدة بأن يركلوك بأرجلهم ويقولوا لك " لينفعك أخوك.. ليفيدك الآن"، ويقيدوك بأصفادك، لغرف التعذيب، لتبصر أخوتك الأبطال وهم معلقين في وسط تلك الغرف، كالأضاحي والذبائح، وأنت تسمع اناتهم، وتتحسس معاناتهم، وتتلمس آلامهم، دون أن تستطيع أن تنجدهم أو تطببهم أو تربض على أكتافهم، تنشد فيهم الصبر والتحمل على العذاب. كنت تقرأ في عيونهم أبويتك لهم، كما يقرأوا في عينك بنوتهم لك. كانوا يقرأون في صمودك صمودهم، وفي صبرك صبرهم.
وهذا ما يزيد من حنق الجلادين والمعذبين، لأنهم عرفوا بأنهم أمام جبال لا تهدها صعقات الكهرباء، ولا الهراوات البلاستيكية، ولا كل المعاملات الحيوانية التي يعاملونكم بها. وهذا ما يجعلهم يواصلون في تعذيبكم، في محاولة منهم للنيل من إرادتكم الحديدية، ولكنهم سيفشلون.
سيفشلون وتنتصرون لأنكم أصحاب مبادئ خالدة وثوابت ضربت أعماق الأرض، لتقول لكل الدنيا، بأن الحق يثبت وأن الظلم يزول.
سيفشلون وتنصرون لأنكم أصحاب قضية حق أصيلة متأصلة في تاريخ البحرين. قد رسمها آباءكم بعرقهم ودمائهم، وخطها بالدم اليانع، شهداء الوطن منذ أوائل القرن الماضي وما قبله. كما عززتها تضحيات المناضلين والمجاهدين أمثالكم عبر عذاباتهم، في داخل السجن وخارجه، ورواها العرق وذلك العطاء المتواصل من أخوة لكم في داخل البحرين وخارجها بالمال والكلمة والجهد المضني.
سيفشلون وتنتصرون، لأنكم من أرحام طاهرة مسلمة بقضاء الله ومؤمنة بأن التغيير والإصلاح مرتبط بالعمل والعطاء. وبما إنكم لم تبخلوا في تقديم ذلك العطاء، فإن السنن الإلهية ستتحقق بأن ينيلكم الله الرضا بقضاءه وقدره ونصره القادم كما وعد:
"إنا ننصر رسلنا والذين آمنوا، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين"، "وإن نصر الله آت"، "وما النصر إلا من عند الله القوي العزيز".
لقد وثقتم بالله ووكلتم أمركم له، غير مبالين برضا البشر أياً كانوا وجبروتهم مهما عظم، وإن ما يجري عليكم من ظلم وتجبر وتعذيب هو بعين الله الواحد القهار، وهو أرحم الراحمين. سيربض على قلوبكم ويلهمكم الصبر والسلون وتحقيق الوعد الصادق بإذنه سبحانه.
سيفشلون وتربحون لانكم لستم وحدكم. معكم، بعد الله نعم المولى ونعم المعين، الشعب الذي لازال يطالب بحقه في القرار والثروة، ولم يغرر بالديمقراطية الفارغة الكاذبة التي جاء بها النظام معتقداً بأنه يستطيع أن يستمر في خداع الجميع. لقد انكشفت عورة النظام وبدأ، حتى من كان يناصره في بداية الألفية، يتخلى عنه، لأنه أحمق، ويهدم بيته بيده وبغروره.
وهذا المنظمات الدولية، حتى التي حاول النظام باموال الشعب وثرواته أن يخترقها أو يطوعها أو أن يؤثر على قرارها أو يطيل صمتها، لم تستطع أن تستمر في السكوت عما أجرم بحقكم وحق الشعب. وها هي الرسائل الشجب والتنديد والمناشدات للنظام، سراً عبر الحقائب الدبلوماسية، وعلناً عبر المنابر الأعلامية والحقوقية تصدح بما يحدث لكم على أيدي مرتزقة النظام ( في داخل المعتقل وخارجه) وكلابه المسعورة في مركز التعذيب في العدلية. وها هو النظام يخرب سمعته بيده، كما أخبرنا بعض الدبلوماسيين الغربيين الذي عبروا عن استياءهم عما يقترف النظام وأكدوا بانهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي وإنهم لن يستطيعوا الاستمرار في الدفاع عما يقوم به النظام من انتهاكات وتجاوزات.
كل ذلك جاء بسبب جهادكم ونشاطكم يوم كنتم خارج المعتقل- ولهذا استهدفكم النظام عبر مسرحية السلاح المزعوم- ولكنه تعزز بفضل تضحيتكم الغالية وانتم خلف القضبان تقاومون التعذيب الجسدي والنفسي. لقد حرك صبركم وتحملكم الضمائر خارج حدود البحرين، ولم تتوقف الإتصالات من أقصى الأرض لأقصاها تسأل عن وضعكم وتعرب عن تضامنها معكم. ولهذا فإن تضحيتكم الجبارة لم تذهب سدى، وإن مقاومتكم وصبركم قد أثمر، وعلائم النصر قد بانت بإذن الله بفضل تلك الروح المثابرة التي لا يمن الله بها إلا على من ارتضى من عباده. فهنيئاً لكم ذلك المقام، وأبارك لكم النصر المؤزر القريب بإذنه تعالى.
نحس، يا أبا أحمد، بالقزامة والصغر أمام تلك التضحيات وأنتم خلف القضبان، ولكننا لا ننساكم، صباحاً ومساءا. تعجز الكلمات أن تعبر عن إمتناناها لتضحياتكم الكبيرة لهذا الوطن العزيز، أنتم ومن معكم من الأخوة الأبطال، أحرار أوال البررة. إننا نعدكم بأننا سوف نوصل قضيتكم- قضية شعب البحرين المظلوم- لجميع الأرجاء، أنى سنحت الفرصة. سوف نصدح بصمودكم ما غابت شمس وبزغت، وندعو الله العلي العزيز أن يوفقنا لملاقاتكم عما قريب، إنه سميع الدعاء.
ورسالة للنظام..
إن استمرار حبس أولئك الأبطال سوف يكون عليكم وبالاً، ونؤكد لكم بأن التعاطي الشعبي مع هذه القضية سوف يكون مختلفاً في الايام القادمة. وعلى العقلاء منكم أن يتداركوا الأمر لأننا سوف لن نصمت أكثر. لقد أتيحت كل الفرص لعقلنة النظام وأجهزته. ونعتقد ان هناك فرصة لتصحيح الوضع، وقد بقى هناك خياران لا ثالث لهما.
الخيار الأول :الإفراج الفوري غير المشروط عن جميع المعتقلين، مع إبعاد من تسبب في هذا الأمر عن سلطة القرار.
الخيار الثاني، هو أن ندخل نحن وننضم الى أولئك الأبطال. إننا والله مستعدون لتلبية النداء، وليتحمل النظام العواقب لهذا القرار، ولكننا مصرين عليه ولا يمكن أن نقبل دون ذلك. إن النظام يعلم أننا جادون فيما نسعى له، وإننا لن نتوانى عن نصرة اخواننا وأحبتنا، ولن نتركهم بين أنياب كلابكم الضارية.
إننا ندعوكم للتعقل والإسراع في تهدئة الوضع- المسئولون أنتم عن توتيره بشكل مبدئي. إنها فرصة لنزع الفتيل قبل أن يشتعل، فهل في القوم رجل رشيد.