Saturday, May 24, 2008

كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟!

كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟!
هل هناك فرصة لحوار جاد في وجود العصا؟

عبدالجليل السنكيس

23 مايو 2008م

العنوان لحكاية خرافية بين حطاب وحية وكيف أن الحطاب أقنع الحية في الدخول في معاهدة سلام بعد فترة الإقتتال بين الطرفين. لم يكن هناك جدية حقيقية بين الطرفين، ولكن تماشى الطرفان في هذا التوجه. كان الحطاب يحمل فأسه أكثر الوقت، وما أن لحظ الحية في بعض غفلتها، هجم عليها بفأسه لقطع رأسها، ولكنه فشل، وبدلا من ذلك جرحها في جسمها، وما لبثت أن هربت مختبئة في جحرها. أدرك الحطاب بأن عدم قطع رأس الحية يعني أنها لا زالت على قيد الحياة، وأنها سوف تعود لمهاجمته. فما كان منه إلا أن طرق باب جرحها، طلباً للسماح والعودة للسلام، فردت عليه الحية، كيف أعاودك، وهذا أثر فأسك.

طبعاً هنا عدة دروس ومعاني من هذه القصة الخرافية، ويهمني منها أمر واحد فقط، هو معالم جدية الرغبة في الحوار والتحاور بحيث يعيش جميع الأطراف في عيش وسلام. لم يكن في أي حال من الأحوال أن تطمئن الحية في ظل استمرار رفع الحطاب لفأسه، كما لايمكن أن يطمئن الحطاب للحية في ظل عدم وجود الضمانات. ومع اختلاف الأدوار، إلا إن فكرة أن تكون هناك عصاة غليظة مرفوعة لا يمكن أن تخلق أجواء اطمئنان بين المتحاورين، خصوصاً وان العصا موجهة لأحدهما.

وإسقاطاً على مجريات الوضع في البحرين، وأجواء الحديث عن دخول النظام في حوار مع الأطراف العصية التي رفضت التطبيع مع مشاريعه ومشاركته عملية تزوير الإرادة الشعبية وتهميشها وتحجيمها، فإن النظام قد قام بالآتي:
1) القبضة الأمنية الصارمة المتمثلة في ضرب الإعتصامات السلمية والإعتداء في أي وقت وأي مكان
2) بسط اليد وتمكين ميليشياته المسلحة للإعتداء على الجميع (نساء، رجال، أطفال شيوخ دين، مهنيين) وخلق حالة من الرعب والإرهاب بين الأهالي دون وجود آلية لجم ومراقبة لأولئك المرتزقة من جنسيات مختلفة.
3) تفعيل الثلاثي الأمني (القانون السيء، النيابة العامة والقضاء المجير) بدفع من القيادات الأمنية الضاربة ومجموعة معذبي الأجهزة الأمنية
4) مسرحة قصص وتمثيليات أمنية ينتج عنها هجوم واعتداء على البيوت وانتهاك حرمات المواطنين، واعتقال العشرات من الشباب واستخدام الثلاثي الأمني ضدهم. وقد بدأت هذه المسرحيات منذ ديسمبر الماضي ونتج عنها اعتقال ما يتجاوز المائة من الشباب والناشطين، أفرج عن بعضهم بعد تذويقه صنوف العذاب الشديد، وبقى حوالي 65 معتقلاً بينهم نشطاء معروفين. وشملت التحركات الأمنية المرسومة: قتل الشهيد علي جاسم مكي، حرق الجيب، السلاح المزعوم، اعتقالات الإعتصامات والإحتجاجات، حرق مزرعة عطية الله، حرق سيارة الميليشيا وموت أحد أفرادها، تهشيم سيارة رجل مخابرات بلباس مدني في سار، تهشيم سيارة مخابرات بلباس مدني في جدحفص، الإعتداء على سيارة الشرطة في سترة والديه وغيرها.

وأربط بين أسلوب النظام في "التقدم للأمام" باحتجاز وارتهان العشرات من الشباب "الناشط" بعد تعذيبهم وتوجيه التهم الجنائية لهم وتعريضهم بعد ذلك لأحكام سجن قاسية، وبين أسلوب الكيان الصهيوني في الإستمرار في بناء المستوطنات في ظل الحديث عن الحوار مع الفلسطينيين وذلك بقصد فرض واقع تفاوضي أقوى بالنسبة للاسرائيليين وبحيث يصبح الحديث عن المستوطنات المبنية حديثا هو الذي يفرض نفسه على الحوار ويصبح في محل تحاور ومساومة على حساب القضايا الأساسية والقديمة.

هذا هو الأسلوب نفسه الذي يستخدمه النظام في البحرين هذه الأيام. محاولة التقدم للأمام وفرض الورقة الأمنية الضاغطة من خلال المسرحيات الأمنية المختلفة المدعومة بتوجيه إعلامي وسياسي ومجتمعي لفرض جو مساومة لا يمكن الفرار منه ويفرض على المتحاورين، في ظل الوعود المنقوضة والعهود المنكوثة في الإفراج عن المعتقلين السابقين، وفي ظل ضغط الأهالي جميعاً للإفراج عن المعتقلين الذين يتعرضون بلا شك ودون أن أهون الأمور لصنوف التعذيب من قبل معذبي الجهاز الأمني الموجودين في التحقيقات الجنائية.

والأسئلة الملحة هي:
- هل يمكن أن يتولد جو حواري يتعاطى مع ملفات الساحة الأساسية في ظل وجود "رهائن" وكبش فداء لتغيير سياسي ما، أو توجه لإعادة إنعاش مشروع النظام الذي فارق الحياة بعد أن نكث بعهوده التي وعدها للشعب في العام 2001 و2002م، وبعد أن عرف القاصي والداني دوره وتوجهه لتغيير التركيبة السكانية عبر مشروع الاستيطان وتوطين الأجانب؟
- وهل يمكن أن يدخل في الحوار من يعتقد بأن شباباً يتعذبون ومعرضين للتغييب بسبب أحكام جائرة بسبب مواقفهم السابقة وأنشطتهم السلمية ومشاركتهم في برامج مطلبية تنشد العزة والكرامة لهذا الشعب، وان يكون له سلطة القرار والتوزيع العادل للثروة؟
- هل يمكن لمن يدخل في الحوار وهو يقع تحت ضغط شعبي من الأهالي (من أمهات وزوجات وعائلة) بضرورة العناية والإلتفات لحاجتهم وحقهم الإنساني؟
- هل يمكن أن يرسل موضوع "رهائن انعاش مشروع النظام" رسائل تطمين وثقة للناس- المطلوب منهم ان يشاركوا في عملية الإنعاش- في أي مشروع تحاوري في ظل رفع العصا الأمنية وفي ظل استمرار احتجاز الشباب الذين لايقل عددهم عن 65، تجاوز بقاء بعضهم في الحبس أكثر من 5 شهور؟

إن النظام يريد أن يدخل في عملية تحاور للوصول لأهداف سياسية (منها انعاش مشروعه السياسي، إعادة الإستقرار للبلاد لضمان عدم هروب أموال ومشاريع الإستثمار، تخدير المطالبة بالحقوق) وهو متقدم في النقاط وفي جعبته أسهم كافية منذ البداية. وفي المقابل، من يدخل معه في الحوار، مع قوة قضيته وطرحه، سيكون مثقلاً وتحت ضغط نفسي كبير خصوصاً من القواعد الشعبية، يليها النخب السياسية. وهذا وضع غير منصف وعادل (قسمة ضيزى كما يقول القرآن الكريم).

وأعتقد بأن النظام، في ظل استمراره في التحرك الأمني الواسع، يرسل رسائل عدم تطمين تعبر عن عدم جديته في تصفية الأجواء وخلق جو هادئ للتحاور من أجل أن تصل سفينة الوطن لبر الأمان. وعليه وقبل الولوج في أي حديث جدي، لابد أن يغلق الملف الأمني برمته، كما حدث في 2000م، كي نقبل أو أن ندخل في تفاصيل الحديث أو التحاور من أجل التوافق على حلول جذرية للقضايا الأساسية والأزمات التي تعصف بالبحرين.

اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد..