Tuesday, October 14, 2008

مرتزقة النون والقلم

مرتزقة النون والقلم
عبدالجليل السنكيس
12 أكتوبر 2008م

شاع اسم "المُرْتَزق" على أي شخص يسخر قدراته القتالية (البدنية والعقلية والنفسية) لخدمة الجيش أو القوات المسلحة أو قوات الأمن لبلد أجنبي (غير بلده) وذلك من أجل المال. وقد استخدمت المرتزقة في قتال دول ضد دول أخرى، كما استعمل بعض الحكام الدكتاتوريين المقاتلين المرتزقة لمواجهة وقمع التحركات والإنتفاضات الداخلية. ولأهمية هذا الموضوع، قررت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (تم الغاء هذه اللجنة في 2006م واستبدلت بمجلس حقوق الإنسان) في قرارها 1987/16 تعيين مقرر خاص يعني باستخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير.
ولن نتناول هذا العنوان المحدد في هذا الموضوع مع أهميته، وربما نعرج عليه في المستقبل، ولكننا سوف نوسع مع المعنى العام للمرتزق لنسقطه على مهنة معروفة، طالما استعملتها الأنظمة في مواجهة وقمع التحركات المطلبية. ونشير بالتحديد الى مهنة القدرات اللغوية (كتابة، صحافة، إذاعة مسموعة ومتلفزة، أدب وفن).
فالمرتزق هو من يمتلك قدرات نفسية وجسمانية وربما عقلية، ويؤجر أو يتعاقد لقاء مردود مادي (غالباً ما يكون المال) هذه القدرات لجهة أو شخص آخر (غالبأ ما يكون الحكام والأنظمة القادرة على دفع الأموال الطائلة التي تقع تحت أيديهم)، دون أن يؤمن أو يعتقد أو يشترك هذا المرتزق في موضوع الخلاف أو الأختلاف بين من يستأجره و المستهدف. ولهذا يميل المرتزقة الى عدم الدخول في أي مساجلات أو مناقشات تفضي لتغيير قناعته. يعتبر المرتزقة أنفسهم أدوات للتأجير بيد الأنظمة يخدمون لتحقيق أهداف محددة ولقاء أجر معروف بين الطرفين.
فإذا كان هذا هو المفهوم من معنى المرتزقة، فيمكن اسقاط أو سحب المعنى ليتجاوز من يسخر قدراته القتالية في خدمة القوات الاجنبية. أي أن مفهوم الإرتزاق ينسحب على مهن أخرى لها نفس الأداء. فالكتابة في الجرائد والصحافة والاذاعة المسموعة والمتلفزة وكتابة الشعر والمخاطبات اللغوية هي مهن تعبر عن قدرات خاصة لأصحابها. ومتى قام أولئك بتسخير تلك القدرات بيد الحكام والأنظمة لقمع المعارضين والمناوئين والنشطاء والذين يطالبون بتغيير الأوضاع، فإن المقاربة تكون موفقة. فهل يختلف معنى المرتزق المعرف سابقاً عمن يسخر قلمه وقدرته اللغوية للهجوم على مناوئي غيره لقاء المال والحظوة عند النظام؟ فكما يقوم المرتزق المقاتل بالهجوم والاعتداء بشراسة على أفراد الجانب الآخر، يفعل الأمر نفسه ذلك الصحفي المرتزق، وتلك الكاتبة المرتزقة، ومقدمة البرامج المرتزقة، وذلك المراسل المرتزق، وصاحب العمود المرتزق، والشاعر المرتزق. كل أولئك، مرتزقة "النون والقلم" ممن يسخرون أقلامهم وقدراتهم اللغوية في الهجوم على أعداء غيرهم. هم يعبرون عن قناعات غيرهم، ولايعبرون عن أفكارهم وآراءهم ومعتقداتهم الشخصية الحرة، وإن ادعو ذلك.
مرتزقة النون والقلم (أو مرتزقة الكلمة) هم أولئك الذين أوجدهم النظام أو جندوا أقلامهم وفرص التواصل مع الجمهور عبر الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة ليفترسوا كل من يهتم بقضايا الشعب ومطالبه، وينالوا من يصر أن يعيش بكرامة وينتقصوا من لايرى غير حياة العزة مراما.
في بلدنا العزيز، هناك الكثير من أولئك المرتزقة – من الذكور والأناث- قد فقدوا كرامتهم واحترامهم لأنفسهم وللقدرات الخاصة التي حباهم الله بها, وراحوا ينهشون في أجساد المعارضين لسياسات النظام ويغرسون فيهم سيوفهم التي لو استعملت في ردع الظلم وتقريع المنتهكين للحقوق لكان وضع بلادنا غير ما نعيشه. أولئك، يلوون المعنى ويحرفون الكلم عن مواضعه، يصورون الخير شراً، والشر خيراً، ويحرضون على من يقف في الضفة الأخرى ينادي بحقوق الشعب، ويطلب أن يعيش الجميع بعزة وكرامة.
لقد فقد أولئك – مرتزقة النون والقلم- كل معاني الكرامة والحرية، ولهذا تأهلوا لهذه المهنة. فلقد باعوا ما يملكون من عزة وكرامة لمن يدفع المال. والنظام مستعد لأن يدفع المزيد، في ظل الطفرة النفطية والمردود العالي له. لا مثل لأولئك غير غرز سمهم النقيع في أجساد من يصلهم من قوائم النشطاء والمعارضين والمدافعين عن الحقوق العامة، ولهذا، فإن عمل أولئك غير منسيى مهما طال الزمان وتغير.
إن تاريخ وتجارب الشعوب تقر بأن أولئك المرتزقة لن يستطيعوا أن يخفوا أنفسهم بعد ان تتغير الأوضاع. إن كلماتهم وانفاسهم معدودة، ولن يمكن تغيير ما صدر من أفواههم، و ثبته القلم والحبر والصفحات الإلكترونية. سوف لن تنسى الأجيال من وقف مع أبناء الشعب ومن حاربهم ونهش في أجسادهم، وكون الثروات عبر الكذب والنفاق والتحريض.