قولوا ما شئتم ونفعل ما نشاء
التربية ومشروع تغيير التركيبة العمالية
5 نوفمبر 2008م
قد يتصور البعض أن سياسة وزارة التربية والتعليم الممنهج في اقصاء المواطنين الأصلين واستبدالهم بغير المواطنين من دول مختلفة، هو بعيد عن سياسة النظام العامة. وقد يعتقد البعض بأن المزيد من كشف الحقائق والأرقام قد يعيق أو يوقف النزيف المتواصل من الثروات المادية والبشرية لهذا البلد المغلوب على أمره. والواضح دون أدنى شك، بأن هناك حالة من اللا مبالاة، وعهر سياسي، يرتبط بفكرة صم الأذان عما يقال هنا وهناك ومواصلة العمل في قلب التركيبة السكانية من خلال مشروع الإستيطان الإجرامي الذي يقوده ديوان الشيخ حمد. ويبدو جلياً أيضا أن ما يجري في وزارة التربية – المعروفة بطائفيتها على جميع المستويات- من جلب عمالة "مدرسون ومدرسات" أجانب "غير بحرينين"، ما هو إلا تنفيذاً لمشروع أكبر من توفير فرص توظيف خريجوا تخصصات مختلفة عاطلون وعاطلات عن العمل.
فبعد ان تمكن النظام وضمن "أجنبة ثم بحرنة" عمال القطاع الخاص عبر السيل العارم من العمالة الوافد ة وغير البحرينية، اتجه للقطاع العام وبدأ بتقييده أولاًَ، وخصخصته ثانياً، وتغيير تركيبته أخيراً.
فمواطن التقييد، شملت تحريم ومعاقبة العمل النقابي وتكوين النقابات في القطاع العام وتشديد العقوبة على من تسول له نفسه الحديث عن انتهاكات حقوق العمل والعمال في القطاع العام. فما حدث لإدارة نقابة البريد (وقصة نقابة بابكو والنقابي العمران)، ومن ثم استهداف الجمعيات المهنية التي تحركت بنفس نقابي يطالب ويسعى لضمان حقوق أصحاب المهنة (التضييق على جمعية التمريض وحلها، والتحقيق "الأمني" مع قياداتها) يعزز التوجه لضرب من تسول له نفسه تحريك الواقع العمالي والمهني للحفاظ وصيانة الحقوق العمالية.
أما خصخصة القطاع العام والذي لازالت آثاره تقصم ظهر المواطن البحريني وتؤرق معاشه، فلا زالت مستمرة. فمن خصخصة قطاع الكهرباء الى قطاع المواصلات العامة، ومن خصخصة قطاع الإتصالات الى قطاع النفط والغاز والحديث عن بيع حقل البحرين- عبر عناوين التطوير- تعدى الأحلام الى واقع جديد.
والحديث عن تغيير التركيبة العمالية، وهو جزء لا يتجزأ من تغيير تركيبة وهوية هذا الوطن، هو حقيقة ما يجري في القطاع التعليمي الذي تقوده الوزارة الطائفية. ففي نفس الإطار ما يقوم به خليفة بن سلمان من خلال زياراته المكوكية لموطنه الجديد- الشرق الأقصى- من عقد الإتفاقات لجلب العمالة الفليبينية والتايلندية، وغيرها وتوظيفهم في مؤسسات القطاع العام، وتحديداً الصحة. فلقد تمت الإشارة الى عقود جلب أطباء، وفنيين، وممرضات من تلك البلاد، "لسد الحاجة" الموجودة في وزارة الصحة ومستشفياتها، بالرغم من وجود البحرينيين- خريجي كلية العلوم الصحية والجامعات الدولية، الذين هم أحق بهذه الوظائف وأولى من غيرهم.
وهنا نشير الى المجلس الإقتصادي ومشاريع التنمية البشرية التي يطرحها بين الفينة والأخرى ولي العهد، وآخرها مشروع الرؤية الإقتصادية. إن ما يجري على الأرض من إزدياد ونمو وضع العمالة غير البحرينية (والتي سوف تبحرن لاحقاً لتحقيق مشروع الإستيطان الإجرامي)، وتدهور في حالة ووضع العمالة البحرينية وتحريضها وتشجيعها لمغادرة البلاد- الى قطر والإمارات وغيرها- يؤكد بلا شك مشروع تغيير التركيبة العمالية بما يضمن لجم وتحجيم هذه الطبقة والتحكم في ردة فعلها القادمة. فمن المتوقع، وبعد الإنهيار في سوق الأموال العالمية ومحاولة النظام إخفاء الأثار القريبة المباشرة على الوضع الإقتصادي في البحرين، أن تشهد بلد يشتهر بالفساد المالي والإداري مثل البحرين ردة فعل شعبية لتدهور الوضع الإقتصادي ومن ثم الإجتماعي للمواطن البحريني.
ومن المتوقع أن تضيق الدائرة على المواطن بعد زيادة الضرائب "غير المسماة" عليه مثل استقطاع التعطل غير الشرعي وغيره، وتوقف الدعم الحكومي للعديد من السلع الأساسية، وكذلك سحب التدفق عبر مشاريع التهدئة مثل علاوة الغلاء وعلاوة السكن. ومما سوف يسهم في حنق المواطن الفارق الكبير التي سوف يتعاظم ما بين دخله الشهري، وما بين ما يصرفه لكي يعيش، الأمر الذي سوف ينذر بازدياد في قائمة الفقراء والمعوزين المحسوبين على القطاع العامل، ناهيك عن العاطلين. جانب آخر، هو السكن، حيث مع ازدياد نهم الفاسدين الذين يخلقهم ويحميهم النظام، وسرقاتهم للأراضي البرية والبحرية الأمر الذي يزيد من شحة السكن وحق، بل قدرة، المواطن على اقتناء سكن يستر عليه وعلى عياته، كل ذلك سوف يزيد من الغضب الشعبي العارم.
ولن تفيد حينها المسكنات، والمهدءات، ولا التدخلات لتهدئة غضب الشارع وحنقه، إذ إن كل ذلك قد كانت له الفرصة للحيلولة دون تدهور الوضع وفضل البقاء مراقباً. كما إن كل من سيحاول التهدئة لن يكون بمصداقية أو بقادر على تقديم حلول حقيقية وممكنة، فهل هناك متعقل في هذا النظام يمنع الثورة- ثورة الخبز- القادمة؟
إن استخدام العصا الأمنية، والحلول العسكرية، قد أثبتت فشلها الذريع سابقاً في البحرين وغيرها، حيث أنها تسهم في زيادة تعقيد الوضع، وترفع من تكلفة حلحلته، كما إنها لا تمنع، وإن أرهبت، من ازدياد ردات الفعل والتي عادة ما تتصف بعنف رد فعل يقابل عنف السلطة.
ومن هنا تأتي تحركات التربية اللا أبالية، برغم ما قيل ويقال وبرغم الوثائق الدامغة، لتعزز عنوان صامت من عناوين مشروع الإفضاح للشيخ حمد وهو "قولوا ما تشاءون ونفعل ما نريد". فمن سرقات الأراضي، الى المشاريع الكبرى التي تعتمد في أصولها على ثروات المواطن، ولكنها تصب لصالح غيره، و الأستحواذ على الجزر والقطع البحرية، الى تحويل المشاريع الحكومية الى مشاريع خاصة تصب في جيوب معروفة، وما شركة ممتلكات عنا ببعيد.
إن الإستمرار في هذه المسخرة يعزز اطمئنان القائمين على ومن هم وراء هذه المشاريع من ردة الفعل الشعبية التي تردع الكبير قبل الصغير. ولو أن هناك وعي قيادي وجماهيري بأبعاد هذه الخطط والبرامج، وإرادة قيادية وشعبية للتصدي لها منذ أول وهلة، لما غالت وتوغلت، وصار الحديث عادياً ولا يحرك ساكناً. اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.