Thursday, September 03, 2009

في مقارعة الظالمين: كونا..كونا

سلسلة مقارعة الظالمين#1:
كونا.. كونا

عبدالجليل السنكيس

2 سبتمبر 2009م

بمناسبة شهر رمضان المبارك- شهر المقاومة ورفض الإستسلام- وبمناسبة قرب ذكرى استشهاد إمام المقاومة وسيدها منذ نعومة أظافره، لماذا لا وهو ربيب رسول البشرية ومنقذها من الضلال، الذي جاء رحمة للعالمين النبي الأكرم محمد بن عبدالله (ص)- الذي رفض الظلم والشرك والكفر بالله والعبودية لغيره، وضل وحيداً يعبد الله الى أن أختاره رحمة للعالمين. لم ينكفئ، ولم يمل، ولم يتوحش طريق الإيمان ورفض التطبيع والإنصياع لمغريات الدنيا (ص) برغم كثرتها وضغطها عليه، إلا إنه رفض إلا أن يكون عبداً حراً لله، حتى وإن بقى وحيداً فريداً. وهكذا، جاء ربيب النبوة- علي بن أبي طالب (ع) الذي عرف عنه قوله:"لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه".

حياة الشهيد المقاوم الإمام علي (ع) مليئة بالدروس والعبر، ولا يمكن سبرها بأي من الطرق المعهودة، وإن حاول البعض أن ينهل منها، فإنه وجد تلك السنين من حياة الإمام، ما هي إلا بحر عباب، كلما سبحت فيه، ذهبت للإعماق. سنحاول أن نستلهم من حياة الأطهار، الرسول محمد (ص)، والإمام علي (ع) وبقية الأئمة عليهم السلام جنبة أساسية من جنبات حياتهم، ألا وهي مقاومة الظلم ومقارعته. وسوف نبدأ هذه السلسلة، بمناسبة اشتهاد أبي الأئمة (ع)، فمن ضمن ما جاء في وصيته لإبنيه الحسن والحسين (ع)، قال، وهو يصارع سكرات الموت بعد أن ضربة المجرم ابن ملجم المرادي:"كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً".

لقد حرص الإمام (ع) أن يكون واضحاً فيما يخص التعاطي والتعامل مع الظلم- أي كان نوعه، ومستواه- وحدد له نفساً ونتيجة واحدة ألا وهي المخاصمة والمجابهاة والمحاددة والرفض العملي. كما لم يقبل الإمام (ع) التعامل بشكل متردد مع الظالم، فإنه لم يكون أكثر وضوحاً في التعامل مع من وقع عليه الظلم، وهو المظلوم. العون والمساعدة والنصرة، هي الموقف المتوقع لمن تعرف على المظلوم وعلى مظلوميته، وبدون أدنى تردد أو شك.

ونستخلص من وصية الإمام من خلال هذا الحديث "كونا.. كونا" بخصوص الظلم، مفاهيم عديدة هي:

1) العمل بعد العلم: فلا يكفي أن يعلم الإنسان المسئول بموضوع مظلمة ما ويقف عند ذلك الحد. فأن تشخيص الظلم وتحديد الظالم، هو مستوى من مستويات الموقف الرسالي المطلوب ولكن- بحسب الإمام عليه السلام- لا يكفي. فيجب على الإنسان أن يأخذ موقفاً- ليس ضمنياً، وليس بمستوى ضعف الإيمان. كونا للظالم خصما. أي يجب أخذ موقف المخاصمة والمعادة والمقاومة للظالم، دون تردد بعد معرفته. الإمام يدعو للإيجابية في التعاطي بعد أن تولدت المعرفة وصار معلوماً الظلم الذي حدث أو يحدث، وتشخيص الظالم أو المحدث والمتسبب في الظلم.

2) خصومة الظالم: والخصومة ليست العداوة- كما يقول السيد علي الخامنائي (حفظه الله)في إحدى خطب الجمعة في شهر رمضان المبارك: "فبغض الظالم ومعاداته غير كافية لأنّ الخصومة تعني الأخذ بتلابيب الظالم وعدم تركه" . والمقصود أن يأخذ الإنسان كل وسائل إظهار هذه الخصومة وتمثلها كلما سنحت فرصة. فمداهنة الظالم ليست خصومة، وزيارة الظالم والتطبيع معه ليست من باب إظهار الخصومة. السكوت عما يقوم به من ظلم ومظالم للعباد، ومداراته ليس من قبيل خصومته. إرسال رسائل التطمين والقبول بوضع الظلم هي ليست من باب ابراز خصومة الظالم.
أي عمل يبين المفاصلة بين الظالم والمظلوم، هو من باب المخاصمة. أي أن نكون في جهة، لايكون فيها الظالم. ملاحقة الظالم وكشفه وتعريته- مادام يفسق ويواصل ويصر على ظلمه- أمام العالم هو من باب المخاصمة. عدم إخفاء جرائمه ومظالمه توقعاً لتغير في سلوك الظالم. فمع العلم على إصرار الظالم ما يقوم به من انتهاك لحقوق الناس، فلا يجب مهادنته من قبيل فسح المجال وطلب أن يرعوي أو يهتدي أو يعود لرشده، فإن كلمات النصح تجدي قبل أن يقوم بما يقوم به. أما وأن يمنهج ظلمه بحيث ينتشر انتشار المرض الوباء، فإنه لا شك في إصرار الظالم على ما يقوم أو يخطط له، حتى وإن بدى في صورة مسالمة. ويصح تشبيه ابتسامة الظالم الفاسق بظلمه بظهور أنياب الليث، وهل يبتسم الأسد؟!
ويتحول العلم بالظلم الى موقف ضد الظالم، وهو ما يعبر عنه بالإيجابية في التعاطي، وهو ما لا يمكن أن يخضع لأي عملية تفريغ أو تهوين لأي سبب، فالظالم ظالم، ولابد، ليس فقط كرهها أو بغضه، ولكن مخاصمته، وهي المعادات الشرسة. ويتطلب ذلك رفع أي نوع من الغطاء يتغطى به الظالم. سلبه من أي مشروعية يحاول أن يغطي نفسه بها. الإيجابية هنا تتطلب إدانة الظالم في ظلمه وعدم التوقف عن ذلك ما دام الظلم قائم والإستمرار في هذا الموقف حتى يعود الظالم الى رشده ويعود للمظلوم طلباً للصفح بعد أن يعوضه عن ظلمه.

3) معونة المظلوم: والمعونة المقصودة هو التحرك باتجاه ومساعدة المظلوم. فلا يكفي أن ترى إنساناً ما يحتاج معونة تستطيعها، وتقول "الله يعينك أو يساعدك". الإمام (ع) يوصي بأن نهب لعون المظلوم ندافع عن حقه ونطالب به. المعونة هنا، ليس سياسية التردد، أو التذبذب المحكوم بالمكتسبات هنا أو هناك. فواجب معرفة أن شخصاً ما، جماعة ما،.. شعباً ما قد ظلم ، فيجب التحرك لنصرته ومعاونته، ورفع الظلم والمظلومية عنه.

4) وحدة الموقف من الظلم: الإمام عليه السلام بهاتين المفردتين حدد الموقف من أي نوع من أنواع الظلم وشخص التعاطي في ظل المعطيات. فهو قد عرف الموقف من جميع القضايا التي يحدث فيها ظلم أو حيف، وزيغ عن العدل. ولم يستثن من ذلك أي نوع من أنواع الظلم او المظالم على المستوى السياسي أو الإقتصادي، أو الإجتماعي أو غيره من المستويات. على المستوى العام أو على المستوى الخاص، يبقى التعاطي العام، هو نفسه: أن تدعم وتنصر المظلوم- مهما كان ومهما كان موقفك وقناعتك بفكره وقناعته- وتخاصم وتعادي الظالم- مهما كان قريبا معك في الفكر والدم والعلاقة. الموقف من الظالم لا مداهنة فيه: وكما قال السيد فضل الله في كتابه على ضفاف الوصية:"الخط الاسلامي في ذلك هو أن يكون الانسان في موقف الرفض للظلم كله ، والظالم كله ... وقد قال الله تعالى " ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار " ( هود / 113). نعم قد تفرض عليك ظروفك أن تتعامل مع الظالم ، لكن أن تؤيده ، أو تنصره ، أو تقاتل من أجله ، أو أن تدخل في عصبيات مع الناس و تحقد عليهم لحسابه ، فهذا مما لا مجال فيه في الخط الاسلامي في حركة التعامل و العلاقات بين الناس" .
5) نوعية النصرة والخصومة: لم يحدد الإمام عليه السلام كيفية إبراز الخصومة للظالم، كما لم يحدد نوعية إعانة المظلوم. فقد يكون تحركاً إعلامياً، شعبياً معروفاً، وقد يكون من وراء الكواليس ومن تحت التراب. قد يكون بإضعاف مصلحة الظالم، وتقوية مصلحة المظلوم، وقد تكون بتوهين الظالم وتعزيز موقف المظلوم. قد تكون بالقلم، وقد تكون بالمال والجهد والعرق.. لا يوجد وسيلة أو آلية لتحديد نوعية ومستوى الخصومة للظالم، أو الدعم للمظلوم.
6) الإستمرارية والصمود في وجه الظالم: لم يحدد الامام عليه السلام متى تتوقف مخاصمة الظالم، أو دعم المظلوم. والمفهوم بأنه ما دام هناك ظلم، فذلك يستوجب مخاصمة الظالم ومعاداته ومقاومته حتى يرجع عن غيه وظلمه. ومادام هناك مظلوم، فيجب السعي لكشف الظلم عنه ودعمه ونصره حتى يزول الظلم ويعود الحق إلى نصابه. فمواجهة الظالم هي حرب مفتوحة لكل معاني الغي والظلم والظلامات، وكل ما يرمز لذلك ويمدد له البقاء. واستقصاد العدل والمساواة ورفع الظلم هو طلب قائم تشحذ له الهمم،ولا يرتبط ذلك بقلة أو كثرة، بل بصحة الموقف المضاد للإضطهاد والظلم مهما كان، ومن أين يأتي ومن يمثله ومن يقف معه. فالحسين (ع) هو الحسين ويمثل المظلومية والسعي للعدل والإصلاح، ويزيد هو يزيد يرمز للظلم والظلمة، وييقى ممثلا للإنتهاك وسلب الحقوق.

نقف عند هذه المعاني في جزء من وصية الإمام علي(ع) نستلهم منها القوة في مقاومة الظالمين والطغاة والمتآمرين على هذا الشعب المظلوم، ونواصل درب النضال والجهاد حتى يقبض الله أمانته، مهما انتشر الوهن عند البعض، ومهما اظهر من علامات العجز وعدم القدرة على المواصلة والإستمرار في قول كلمة "لا" للظالم الطاغية. نعاهد الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم، أن نواصل العطاء ونبرء ذممنا، ونقيم تكليفنا في منافحة الظالم وتوهينه حتى يقضي الله أمرأ كان مفعولا. والحمد لله رب العالمين. .