Friday, September 11, 2009

مقال معبر للكاتب علي صالح: جامعة التعبير


مقال أعجبني للكاتب المخضرم علي صالح عن جامعة منع التعبير






جامعة منع التعبير
علي صالح









العقاب القاسي الذي أنزلته جامعة البحرين بالطالبة نور حسين لم يكن مستغرباً من جامعة لا تزال تعيش في عهد ما قبل الإصلاح الديمقراطي، ومازالت تطبق لوائح ممنوعات وجزاءات “ولوائح مخالفات مسلكية” هدفها منع النقد وكبت حرية الرأي والتعبير وقتل الإبداع، وهي أسس يقوم عليها التعليم الجامعي في الدول الديمقراطية. فالديمقراطية هي سلوك وممارسة حياتية، اي أنها تشمل كافة أوجه الحياة ومجالاتها ابتداء من البيت مروراً بالمدرسة والنادي والجامعة ومكان العمل والشارع، وإنها لا تقتصر على انتخابات مجلس النواب والتعبير عن الرأي وتقديم الانتقادات والمطالب من خلاله...




لكن جامعة البحرين ومنذ إنشائها كانت دائماً مكاناً لكبت حرية التعبير وإيقاع العقاب على كل من يقول رأيا لا يعجب إدارة الجامعة أو وزارة التربية والتعليم، أو حتى يطالب بالإصلاح والتطوير لأمور تعليمية وإدارية وتنظيمية في اطار مباني الجامعة، وان هذا المنع والعقاب طبق مرات عديدة في الماضي وعلى الأساتذة والطلاب في الوقت نفسه...فالأستاذ المعلم والقدوة والمسؤول عن نقل خبرته وتجارب الآخرين من أفراد وهيئات ودول، والذي درس وعاش في أوروبا وأميركا ودول آسيا مثل اليابان والهند، هذا الأستاذ عليه ان يكتم معرفته أو يقدمها مشوهة لطلبة في جامعة البحرين إذا ما تقاطعت هذه المعرفة مع نقد الأوضاع داخل الجامعة، أو تناولت السياسة التعليمية أو تعرضت للديمقراطية القائمة في البلاد بالنقد...




والطلاب الذين يفترض ان يدرسوا الديمقراطية والمبادئ التي تقوم على تجسيد مبادئها، وعلى الأخص مبدأ حرية الرأي والتعبير، والذي لا يقوم على كفالة حق التعبير فقط إنما يمتد إلى احترام الرأي والرأي الاخر، ومبدأ التعددية الذي يسمح للطلبة بتشكيل القوائم والوحدات والتنظيمات الطلابية المختلفة، بهدف التدريب على الديمقراطية وإيصال آرائهم إلى إدارة الجامعة من خلال الهيئات المنتخبة التي تسعى إلى الانتخاب ويجب ان تحوز اعتراف واحترام ودعم المسؤولين في الإدارة. فالجامعة ليست مكاناً للدراسة الأكاديمية فقط، بل إنها منارة ينعكس إشعاعها على المجتمع، ويتفاعل مع ما يدور فيه من تطورات ومتغيرات، فحرية المجتمع من حرية جامعاته، وتقدم ورقي المجتمع من تقدم ورقي الفكر في الجامعة، ونمو وتعمق الديمقراطية في المجتمع ينبعان وينطلقان من الجامعة، وفي الدول الديمقراطية العريقة تفخر الجامعات بأنها خرجت اشهر السياسيين واكبر الزعماء الذين كانت لهم بصمات قوية في التغيير والقيادة في دولهم.




والجامعة في كل دول العالم الديمقراطية هي هيئة مستقلة عن الدولة شانها شان التعليم الذي لا يجب ان يخضع لسياسة أو سلطة الدولة، إنما يسبح في فضاء حر ومنفتح، فالتبعية للدولة قاتلة للتعليم، وكابتة للإبداع في الجامعة، فالتبعية التزام بسياسات وتوجهات معينة تخدم مصلحة المتبوع وتلمع انجازاته وتغطي على أخطائه، وبالتالي تحبط الرغبة في التغيير والارتقاء نحو الأفضل، والاستقلالية بالنسبة للتعليم وللجامعة تكون حصناً للإبداع وللبحث العلمي وللتطور المجتمعي ولسيادة الفكر والسلوك الديمقراطيين، وهي كلها غير موجودة عندنا، بل ان التخلف هو الموجود وهو المدعوم في الجامعة وفي التعليم عامة.




ان قضية الطالبة نور ما هي إلا شمعة أنيرت في ظلام جامعة البحرين، وظلام التعليم، وسبقتها شموع أخرى حوربت وعوقبت وأجبرت على الانطفاء، بعد ان طلب منها الاعتذار عن رأي صائب قالته، وحق أصيل طالبت به، وحرية مكفولة دستورياً مارستها، وديمقراطية نادى بها النظام السياسي وأعلن أكثر من مرة تمسكه بها والالتزام بمبادئها... وانه مادام الوعي الديمقراطي لم ينتشر في أجهزة الدولة بين المسؤولين فيها، ومادامت الجامعة لا تزال واحدة من الهيئات والأجهزة غير الديمقراطية، ومادامت الديمقراطية شكلية، والإصلاح الديمقراطي يراوح مكانه، فان شمعة نور حسين لا يجب ان تنطفئ، وان تتبعها شموع تنير طريق الحرية والديمقراطية...