Sunday, September 13, 2009

في مقارعة الظالمين-2:وقفات في معاني الظلم















في مقارعة الظالمين- الحلقة الثانية:

وقفات في مـعـاني الظــلـم
عبدالجليل السنكيس
13 سبتمبر 2009م

تناولنا في حلقة سابقة- من سلسلة مقارعة الظلمة والظالمين- الموقف من طرفي الظلم: الظالم والمظلوم. جاء ذلك من خلال وصية أمير المقاومين الإمام علي بن أبي طالب (ع) لأبنيه- الحسن والحسين (ع) حينما كان ينازع الموت في لحظاته الأخيرة من حياته:"كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا". واستنتجنا بأن الموقف الأولي من الظالم هو مخاصمته بكل عناوين الخصومة، وابراز العون والدعم والمساعدة بكل ما يتوفر من قوة وجهد للمظلوم، دون تردد أو تلكؤ، وأن يستمر ذلك ما دام الظلم واقع.

قسم بعض الباحثين الظلم لتسعة أوجه ونوع، ترتبط بالإنسان من خلال ظلمه لنفسه، كما ترتبط بالآخرين فيما يطلق عليه الظلم الإجتماعي، وهو محور هذه السلسلة من مقارعة الظالمين. فالإنسان وحده يتحمل المسئولية الأولى والكبرى فيما يخص ظلمه لنفسه، حيث أنه أول من يجني عواقب ذلك الظلم، كما أنه بالرجوع عن الظلم، بالتوبة والإنابة وعدم العودة لما جنت يداه، تعتدل أمور الإنسان وتنتفي آثار الظلم عليه.

وأما ما يخص الظلم الإجتماعي، والحديث عن ظلم الآخرين، فإن لها جنبتان. الأولى مشتركة في القسم الأول من ظلم الإنسان لنفسه، فكل إنسان يظلم آخر، فإنه في الواقع يجني على نفسه ويهيئها للعقاب وسوء العاقبة. والثانية يقع أثرها على الأخرين من بني البشر، وهي أعظم أنواع الظلم لأنه ينتهك مساحة الحقوق للآخرين ويصادرها، ويحدث في الاخرين معاناة وآلاماً معنوية تؤثر في ديمومة واستدامة واستقامة حياتهم وجروحاً يصعب أن تندمل مع الزمن. ولأن للظلم ذلك التأثير الكبير على حياة الإنسان السوية بفطرتها التي فطر الله الناس عليها، فإن الله- سبحانه وتعالى يتكفل – عند التوبة- بمحو ظلم الإنسان لنفسه، ولكنه يرجئ محو ظلم الإنسان-الظالم لغيره- بإزالة المظلمة وحصول الغفران ونيل التسامح ممن وقع عليه الظلم.

الظلم يعرف بأنه هو وضع الشيء في غير موضعه، وتجاوز الحدود (حرية الأشخاص، حقوق الناس، الملكية العامة والخاصة..الخ)، كما هو التصرف- دون حق أو إذن- في حق الآخرين. ويطلق الظلم أيضاَ على مسلكية انتهاك حق الآخرين أو منعهم – بأي صورة- ممن ممارسة حقوقهم العامة والخاصة، ويشمل ذلك الإعتداء على الآخرين وسلبهم ما لديهم، والتأثير على سير حياتهم بشكل طبيعي.
وفي فقه الظلم، فهو حرام مطلقاً بأي صورة وكيفية وعلى من يقع من الإنس وباقي المخلوقات، حيث حرَّمه الله عز وجل على نفسه فضلاً وكرمًا ومنةً على عباده. قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:"يا عبادي: إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"... . هناك عدة أنواع للظلم، ذكرها القرآن الكريم في أكثر من 154 مورد، منها قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيد (، ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (، ﴿وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ .( وتشمل حرمة الظلم حتى مع من نختلف معه عقائدياً، قال تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).

فيما يخص ذكر عيوب الآخرين وسيئاتهم وما أقترفته أيديهم، فالشرع الحنيف واضح في حرمة ذكر ما يسيء لهم، خصوصاً وإن كان ما قاموا به في السر، إلا أن يكون انتهاكاً لحقوق الآخرين وظلمهم، فالله -عز إسمه- أباح للمظلومين البوح بما يعانونه من جور وظلم وأجاز لهم نشر مظلوميتهم وإعلانها ولو كان الكلام فيه سوء وعدم رضى بالنسبة للظالم، قال تعالى: ﴿لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ﴾ .

وتكريماً للمظلوم، فإن الله عز وجل قد وعد بنصره، فعن رسول الله (ص): "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل والصائم حين يفطر- أو حتى يفطر- ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"

وعموما فإن تشخيص مواضع الظلم وأنواعه، وتحديد الظلمة والمتجاوزين للحدود ومستوى الظلم والتعسف، ليس بالأمر الذي يتطلب جهدأ كبيرأ. ولكن ما يثار هو عن كيفية التعامل مع الظالم، وخصوصاً الحاكم الظالم والطاغية الذي يسخّر كل ما لديه لمزيد من الغطرسة، بل إنه يعتاش على الظلم في ليله ونهاره. وقد يحتار البعض عند التعاطي مع الظالم بعناوين تعرب عن نوع من البساطة في أثر ذلك العمل على الظالم ومن ثم المظلوم. فنصرة الظالم قد لا تكون –فقط- أن تسكت عنه، وخذلان المظلوم قد لا تقتصر على الإبتسام للظالم ومصافحته ومزاورته، بل، إن بعض الممارسات هي في حقيقة الأمر تدعيم وتشجيع الى أن يواصل ويزداد الظالم في غيه وطغيانه، وهي طامة كبرى عندما تصدر من مواقع ذات تأثير على المجتمع، وهذا ما يستهدفه الظالم من فتح خطوط التطبيع والمسالمة مع تلك الشخصيات.

إن استمرار طغيان الظالم يستند الى أمور: منها إحساسه "وغروره" بقوته وشعوره بالسيطرة وديمومة موقعه، ومنها استضعافه أو تعويله على ضعف المظلوم و"وحدانيته" دون مساند أو معين أو نصير، ومنها تخلي الآخرين عنه بسبب الخوف على النفس والمصالح التي يستهدفها ويتهدد أصحابه الحاكم الظالم، ومنها أيضا وقد يكون أكثرها تأثيراً، السلبية في التعاطي مع الظالم وتشمل عدة نقاط منها:

- عدم وجود من يوقظ الظالم من نشوته وسكره بظلم الآخرين، ونشير هنا الى المحيطين بالظالمين والقريبين منه- والمستشارين- ومن هو ذي تأثير على الظالم ويستطيع أن يصل بصوته ونصيحته له ولا يستطيع ذلك غيره، ولايقوم بذلك، أي لا يقوم بالنصيحة والتوجيه.
- عدم التصدي لإزالة الغطاء والدعم غير المباشر للظالم، من خلال السكوت والرضا بالأمر الواقع عبر عدم التعرض للحاكم وما يصدر منه ظلم ومسلكية، تعظيما لقوته أو خوفاً من تعسفه وبطشه، أو لأي سبب آخر. وتنضوي هذه تحت عنوان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو بحسب الرويات وتجارب الأمم السابقة سبباً لنزول العذاب والنقمة على الجميع- الصالحين والطالحين- دون إستثناء، وذلك بسبب تقاعس الصالحين عن الأمر بالمعروف وتخليهم عن النهي عن المنكر ورد الظلم على أهله من الحكام الظلمة. وتعتبر هذه المسلكية استسلاماً للطغاة والظلمة من قبل أصحاب المبادئ والمتصدين لصلاح المجتمع وحمايته ورعاية شئونه.
- الشروع في مشاريع التطبيع مع الظلمة وتجاوز مظالمهم من خلال حضور مجالسهم والأكل معهم على موائدهم ومزاورتهم، في عناوين تعرف بالركون والمداهنة، وهذا ما سوف نتناوله مستقبلاً إن شاء الله.

حلقات سابقة في مقارعة الظالمين:
· في مقارعة الظالمين- الحلقة الأولى: كونا..كونا - http://www.bahrainonline.org/showthread.php?t=241397 http://alsingace.blogspot.com/2009/09/blog-post.html