Monday, September 07, 2009

الولاءات لا الكفاءات

نظام وحكومة الولاءات لا الكفاءات
عبدالجليل السنكيس
6 سبتمبر 2009م
الأنظمة التي تهدف للإرتقاء بمصلحة شعبها، خصوصا تلك التي تحوز على الشرعية منه، فإنها تحرص على تقديم الكفاءات التي تستطيع من خلال تميزها وقدراتها وإمكانياتها على جميع المستويات وفي كل المواقع دون استثناء. فلا يوجد في تلك الأنظمة ما يسمي بمواقع سيادية أو ترتبط بقرارات سياسية، كما هو الحادث في البحرين.
ففي هذا البلد الذي أنفق النظام آلاف، إن لم تكون ملايين، الدنانير على مؤسسات العلاقات العامة ونخبة من مرتزقة القلم وكتاب السلطة لتلميع سمعتها والتطبيل والتصفيق له ولمؤسساته مهما كانت إدارتها فاشلة وخائبة كما يعبرون. فالمواقع في هذا البلد محكومة بقدر ما يعبر ويظهر أصحابها عن ولائهم للنظام. وللأسف، فإن هذا الداء لم يستثني النخبة المحسوبة على الثقافة والوعي والإدراك، وطبعاً لا نستثني العديد ممن تمكنوا من تكوين قدرات أدبية من شعراء، ومؤلفين وكتاب وصحفيين الذين سخروا تلك القدرات للوصول واستحصال الغنائم من أصحاب المكارم.
وإلا، فكيف يعقل أن يبقى شخص في الحكومة وزيراً، أو سفيراً لأكثر من 30 سنة ( فأسمه موجود في جميع التشكيلات الحكومية منذ تكوين الدولة الحديثة)؟ ولن نتحدث عن رئيس الوزراء الذي دخل موسوعة جنيس للإرقام في عدد سنين إدارته التي تتجاوز الأربعين سنة، وأيضا الآن في عدد شهادات الدكتوراة الفخرية التي ابتاعها بأموال الدولة.
هل يمكن أن يكون هذا الوزير أين يبقى في ذلك الموقع لقدراته وإمكانياته التي لا يمكن أن تتوافر في أحد، إلا أن يكون من الموالين المخلصين؟
وكيف نفسر وصول وزير آخر، اشتهر بسرقاته وجهله في تدبير الأمور، ناهيك عن كفاءاته الأكاديمية، لأن يقود وزارة هي من أكبر الوزارات؟ وكيف وصل نكرة آخر، لموقع وكيل وزارة في ظل وجود الخبرات والكفاءات في تلك الوزارة التي تعرف كل صغيرة وكبيرة فيها من قبل حتى أن يولد وزير تلك الوزارة؟
وهل يعقل أن يدير مؤسسة كبيرة تحت تصرفها الملايين من الدنانير، لشاب لم يبلغ الحلم، في ظل وجود الكفاءات الكبيرة والقديرة في البلد؟
وهل يمكن تبرير أن يرأس جامعة خريج دكتوراة حديث لم يستطع أن يكون إرث أكاديمي لنفسه، ولم يحز على أي نوع من التميز الأكاديمي، إلا أن يكون التسلق والولاء الفاقع؟
وكيف لشخصيات لا تعرف ما معنى حقوق المرأة أن تتصدر الدفاع عنها، ويوضع تحت تصرفها وتصرف عائلتها الأموال الطائلة لتصرفها كما تشاء؟
وكيف لم لا يهتم بالشباب أو يقدر الرياضة، بأن يمكن بحيث يبعد الكفاءات والقدرات الوطنية المخلصة في هذا المجال، ويسعى لجلب الموطنين ومرتزقة الرياضة ويقدمهم ويمكنهم على حساب إبن البلد؟
وكيف لشخصية عسكرية لا تعرف ألف باء البحث والنشاط الأكاديمي أو التدريسي أن تقود مؤسسات تربوية وأكاديمية يتخرج منها الأجيال، إلا أن يكون حب الخشوم و"المطامر" كما يقولون؟
وكيف يتم تمكين شخوص لوزرات ومؤسسات تتحكم في مصير الآلاف من البشر، ليس لأنهم قادرين ومتخصصين ومتمكنين، ولكن فقط لإظهار الشكر لهم لأنهم بالغوا في الولاء وساعدوا وساهموا في تلميع صورة النظام في الداخل والخارج؟

وكيف يمكن الأجانب في مناصب الدولة والمؤسسات العسكرية والتعليمية والإقتصادية فقط لأن ولاءهم مضمون، وأن قرار إقصاءهم وإبعادهم محكوم برضا النظام عنهم؟ أبناء البلد المخلصين القادرين المتمكنين يبعدوا ويستبعدوا في حين يمكن الأجانب والبيض. أليس ذلك عيباً وشيناً، وسياسة نكراء آن لها أن تقف وتتغير؟


ولماذا تغادر القدرات البحرينية المتميزة في الطب، والهندسة، والتخصصات التقنية وغيرها، البلد ويتم احتضانها في دول كبرى تقدر الكفاءات والعلم والمتميزين فيه؟

ولماذا تزيد حوادث الفساد في المال العام والمصلحة العامة؟ الإجابة تتختزل في وجود الشخص غير المناسب في موقعه. فلا الوزير ولا المسئولية وصلوا لما هم فيه بسبب كفاءتهم وقدراتهم وأمانتهم- مع الإحترام والتقدير للبعض. وصار كل من يريد أن يصل لأعلى، ويحوز على المناصب، والأموال والمكاسب، ما عليه إلا أن يظهر قدرات مختلفة عما يتطلبها الموقع المنشود.
الموارد والأمثلة عديدة وكثيرة لا يسهل إحصائها.

إن إدارة البلد على أساس تقديم الولاءات والموالين، على أصحاف الكفاءات والقدرات التي تخدم البلد مؤشر دمار وتدمير لمؤسسات النظام، وليس علامة تقدم وتنمية مستدامة. فمادام المعيار في الحصول والوصول للمواقع الإدراية المتقدمة هو غير الكفاءة والتميز، فإن الكوارث والنتائج السلبية لقررات وبرامج تلك المؤسسات التي يقودها غير الكفوءين وغير المؤهلين، سوف تزداد وتفسح المجال لتزايد الغضب والحنق العام الذي سوف يعبر عن نفسه بصورة أو أخرى، شاء النظام أم لم يرغب. ولا يمكن تبرير استمرار تلك النتائج السلبية للحكومة ومؤسسات النظام واستمرار السكوت الشعبي. يستطيع النظام والحكومة أن يطيلوا أمد التعبير عن الغضب الشعبي بسبب سوء الإدارة والتصرف في المال العام وثروات البلد، خصوصاً مع تنامي عدد الإنتهازيين والفساد الذين صنعهم النظام، ولكنهم لن يستطيع ان يضمان السكوت الدائم.
وحينما يعبر الناس عن استياءهم إزاء الخطط والبرامج الإسكانية، وتوفير العمل المضمون الذي يحفظ الكرامة وتوفير الأمن الإجتماعي، وضمان جودة التعليم والصحة، فلن يكون ذلك التعبير هادئا بل سيكون هائجاً، خصوصاً في ظل فقد الأمن والأمان الوظيفي والسكني والإجتماعي، وفي ظل غياب الإطمئنان المستقبلي للشباب والأجيال القادمة.
أقول بأن سياسة تمكين الولاءات وإقصاء الكفاءات هي سياسة مدمرة على المستوى الشعبي، ولكنها أيضا ذات نتائج وخيمة على مستوى المحافظة على بقاء النظام، فهل يعي رموز وشخصيات النظام ذلك، قبل فوات الأوان؟