Thursday, September 17, 2009

ويستمر التعاطي مع حرية التعبير في البحرين من خلال قضية الطالبة نور

من «نور».. نشمُّ رائحة «أشدب»
أحمد البوسطة

جُلنا مارس السياسة، وإن ادعى أحدنا عدم تعاطيه العمل السياسي، الذي كان إلى وقت قريب عندنا في البحرين يشكل تهمة مخيفة أعظم وأشد من المتاجرة بالمخدرات، وغسيل الأموال، والمتاجرة بالبشر أيضاً.. فلم نسمع في تاريخنا المعاصر، أن تاجراً للمخدرات، أو فاسداً إدارياً أو مالياً، أو منتهكاً حقوقياً تم تعذيبه إلى حد التصفية الجسدية، مثلما خبرنا ممارسات ارتكبت ضد الذين يقرؤون الكتب (تلاميذ مدارس، طلبة جامعيون، أو مثقفون، منتمون للحركة الوطنية بنشاطها السياسي السلمي، وغير المنتمين أيضاً): فحينها كانت كل وزارات الدولة «تخاف من كتاب لا يحمل مولتوفاً ولا يفجر سلندر غاز، ولا هم يحزنـــون!»، تـــارة ينعتــونــه بـ «الهدام»، وتارة أخرى يتهمونه بـ «التحريض على كراهية الدولة والنظام»، وخذ على ذلك ما أصاب قراءه من سجن، تعذيب، قتل، نفي، فصل من أعمال، شظف عيش، تشرد، وسحب جوازات طلبة يدرسون في الخارج حرموا على إثر هذه الممارسات من مواصلة دراستهم الجامعية.. والبقية تعرفونها.؟؟؟قبل نحو عامين وجدتُ ابنتي «حنين» منهمكة في قراءة كتاب من اليوم الأول الذي وصلت فيه من الخارج إلى البلاد في عطلة جامعتها الصيفية، فسألتها: ما هذا الكتاب الذي يشغلك عنا منذ الساعات الأولى لوصولك؟!.. قالت: رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، ثم سألتني: هل قرأتها بابا؟.. نعم حبيبتي.. لغتها جميلة، ولكن من أين لك هذه الرواية؟ أهدتني إياها صديقتي «وفاء».. إذاً، أريني إياها.فتحت الصفحة الأولى بفضول، فوجدت إهداءين؛ واحداً مكتوباً بخط اليد من «وفاء إلى حنين»، جاء فيه على ما أذكر: «من الصعب أن أفكر يوماً أن أهدي هذه الرواية لأي كان، غير أنه لا أعزها عليك يا أعز صديقة عندي.. تمتعي!»، أما الإهداء الثاني، طبعاً من الكاتبة: إلى مالك حداد.. ابن قسنطينة الذي أقسم بعد استقلال الجزائر ألاَّ يكتب بلغة ليست لغته.. إلى آخره.غمرتني الفرحة مرتين: الأولى لأن ابنتي الشابة تقرأ هذه الأنواع من الروايات والكتب، والفرحة الثانية، أن صديقتها الشابة أيضاً، تقرأ مثلها بالحماس وحب المعرفة والمطالعة نفسها، قلت وفي داخلي غبطة: مادام شابات وشباب اليوم يقرؤون، فمستقبل بلادنا سيصبح في يوم ما «عال العال» لا محالة بفضلهم، وبفضل بلد لم يعد يخاف من كتاب، بل يفتخر بانفتاحه على الثقافات المتعددة.تذكرت هذه الجزئية أثناء متابعتي لفصول قضية الناشطة الطلابية الشابة نور حسين وقصتها مع جامعة البحرين، فزاد الإفراط في تفاؤلي من جهة الشباب بحيويته، وإحباط من «أدوات عتيقة» مازالت تمسك بمفاصل مؤسسات مفترض عصرية لفجر جديد قد بزغ أخيراً عندنا.؟؟؟قرار الجامعة الذي شطب خمس مواد كانت قد درستها نور حسين في الفصل الماضي واجتازتها بنجاح وتفوق للعام الدراسي 2008/,2009 جاء عقاباً على توزيعها بياناً بمناسبة يوم الطالب البحريني في 25 فبراير/شباط الماضي بشأن أوضاع الجامعة، والذي وصفه أحدهم، ربما يحمل شهادة دكتوراه في «الفيزياء النووية» ولا ندري: بـ «القرار الجامعي النزيه والمحترم بحق نور»؛ لأنه على ما يبدو، لا يمثل في قسوته ما تعرض له أمثالها من فظائع وشظف عيش في حقبة قانون تدابير أمن الدولة، السيئ جداً جداً، لكنه مع ذلك، يُذكرنا بحقبته السوداء، ومقصلته المدمرة على الناس والحكم. وليس بعيداً إن لم يتدارك المسؤولون، قبل فوات الأوان، وعلى رأسهم طيب الذكر وزير التربية والتعليم، الدكتور ماجد النعيمي للتدخل بروح وطنية، غيورة، كما عهدناه، تخاف على سمعة البحرين لوقف «غلطة، أو خزبيقة» أمناء الجامعة وعلاج المسألة، أن يخرج علينا قريباً من يقول: «ها.. هل صدقتم أن عندكم ديمقراطية، وبحبوحة من الحريات السياسية والنقابية، كما تدعون صبح مساء، وأثخنتم آذاننا من كثرة ما ترددون تلويث أسماعنا بمثل هذه المفردات، حيث الممارسات تعكسها إلى النقيض؟!».ألا تخافون من يتقول على الجهات الرسمية هذا الكلام في الداخل والخارج، والمحافل الدولية، بينما تصابون بالرعب من بيان وزعته نور يحمل شعار قائمة الوحدة الطلابية التابعة لجمعية الشبيبة؟حتى وكما تزعم جامعة البحرين في بيان صادر في عطلة رسمية (يوم جمعة) بأن هذا البيان يحمل شعار جمعية الشبيبة، وما الضير في ذلك؟.. ولمَ الحساسية وهذا الحد من الإفراط في الفزع، والهلع؟حتى لو كان البيان، لنفترض جدلاً، قد صدر من جمعية الشبيبة، فهل تشمون منه أو من «نور» رائحة «أشدب» - اتحاد الشباب الديمقراطي، لأنه يذكركم بنضالات وتضحيات كوادره ومنتسبيه السابقين في المدارس والجامعات والمصانع وفي الفرجان، والتي لولاهم ولغيرهم من الناشطين السياسيين والحقوقيين، لما ارتفع سقف الحريات في بلادنا مليمتراً واحداً؟يا أمناء جامعة البحرين «صلوا على النبي»: لا تتقووا على «فتاة رقيقة، نجيبة، متفوقة، ناعمة من عمر أبنائكم وبناتكم».. وفروا جهدكم في هراء تعسف «القوانين واللوائح»، وكذا استعراض العضلات الكارتونية، ببديل ديمقراطي يخاطب العقل بروح التسامح، الذي لا يكلفكم «ديناراً أحمر واحداً»، ليمارس فيه طلبتكم الحقوق والحريات، بدل دفعهم بإصرار المطالبة بها وتدويلها بكل أشكال التضامن الأممي مع نور وكل من تنتهك حقوقه.. فالزمان قد تغيّر، وبقاء الحال على ما هو عليه، كما كان في السابق من المحال.. ولو طال الزمن.