Thursday, September 17, 2009

ويستمر الحديث عن الولاءات: الواسطة.. المحسوبية.. ومعايير الأداء

الواسطة.. المحسوبية.. ومعايير الأداء
رضي الموسوي

ليست وزارة التربية والتعليم الوزارة الوحيدة التي تعاني من التدهور الإداري وضعف الأداء بسبب ضمور المعايير والمقاييس المعتمدة، بل إن أغلب مؤسسات الدولة تتعرض إلى وضع كهذا وإن بنسبٍ متفاوتة، ما قاد إلى معطيات تعكس ضعف الكادر الإداري الذي يمسك بمفاصل الوزارات والدوائر الحكومية، فوضعت هذه المؤسسات في مأزق عدم القدرة على مواكبة متطلبات التنمية الإنسانية الشاملة وعدم استيعاب متطلبات الخطط والبرامج والاستراتيجيات المعلنة.ينطبق حال وزارة التربية والتعليم، التي يبدو أنها صائمة عن التعليق، على وزارات عدة، فقد تحول بعضها فعلا إلى مزارع خاصة لبعض كبار المسؤولين فيها أو لتلك الفئة، يأتون بمن يشاؤون ويركلون من يشاؤون من دون قياس أو معايير حقيقية قادرة على انتشال الوضع الإداري والمهني من كبوته الكبيرة. يضاف إلى ذلك تضخم عدد الموظفين الذين يقتربون من 50 ألف موظف وموظفة في القطاع الحكومي، والبطالة المقنعة التي يعاني منها الجهاز الرسمي والتي أدت إلى تشكل عبئا كبيرا على موازنة الدولة من جهة، وعدم قدرتها على تلبية ما هو مطلوب منها من جهة أخرى.
ثمة من تم تعيينه لأنه ابن أو أخ أو قريب أو صديق أو من عائلة فلان أو علان، أو محسوب على هذه الفئة أو تلك، بينما تندعس في الأرض معايير الإدارة من دون رقيب لتسير من حال سيئة إلى مأزق مفصلي خطير. فلا مبدأ ''الرجل المناسب في المكان المناسب'' مفعَّل، ولا مبدأ الثواب والعقاب يتم العمل به من قبل الكثير ممن يتخذون القرارات الإدارية ولا يملكون المعرفة اللازمة لتوظيف هذا أو ترقية ذاك، والخلاصة وبال على الدولة والمواطن الذي يحلم بعدالة عملية التقييم. إن جزءا كبيراً من الإحباطات والوهن الذي يضرب مفاصل العمل الحكومي هو بسبب عدم وجود أداة قياس لهذا العمل، ووضع مسئولين غير قادرين على تقييم أعمال موظفين أكثر فهما منهم في مواقع العمل، بينما يجرى ترحيل الخطط والبرامج المطلوبة من عام إلى آخر حتى لا تعود لها أهمية، ليبدأ الإعلان عن خطط جديدة أخرى تمر بذات المصير الذي مرت به سابقاتها، فتعم الفوضى الإدارية المصحوبة عادة بفوضى مالية تأكل في مفاصل المؤسسة حتى تقعدها وتحولها إلى عاجزة عن الإسهام في عملية التطور وتنفيذ الاستراتيجيات. بسبب ضعف الرقابة الإدارية، وانعدامها في العديد من الأحيان، أخذت أوضاع العديد من مؤسسات الدولة في التدهور والتراجع في الأداء الوظيفي الذي اعتمد على موظفين تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبية أو الانتماء الفئوي والعائلي، بينما الذين يضحُّون ويحترقون في إنجاز أعمالهم ويحرصون على المال العام..هؤلاء لا مكان لهم، وربما يركنون جانبا كقطع الأثاث البالية.
ونظرة سريعة من الجهات العليا لواقع الحال في عينات قليلة من إدارات الدولة ستكشف لها ما لا يمكن تسطيره في الصحافة.ورغم الجهود المبذولة لتحقيق نقلة مهمة في تحديث الجهاز الحكومي، إلا أنه وبدون إيجاد جهاز رقابي حقيقي، لا يفكرنَّ أحد في إحداث النقلة النوعية لعملية التطوير اللازمة، والوقت في غير صالح الحالمين بوضع البحرين في قائمة الدول التي تضع استراتيجيات للتنمية الإنسانية الشاملة.