Saturday, November 14, 2009

الهيئة الملكية للبصم والصكوك


مقال نشر على بحرين أون لاين:


ويتواصل الخداع والتضليل:


الهيئة الملكية للبصم والصكوك


عبدالجليل السنكيس


14 نوفمبر 2009م



في إطار برامج التمويه والتضليل التي يقوم بها النظام لتلميع صورته كلما ازدادت الإنتقادات والتقارير الدولية على انتهاكاته وتجاوزاته، أصدر الشيخ حمد بن عيسى - رأس النظام- الأسبوع الماضي الأمر رقم 46 للعام 2009م القاضي بتكوين هيئة "حقوق إنسان" ترجع إليه، دون وجود أرضية حقيقية تضمن المصداقية والإستقلالية المطلوبة والتعاطي الحقيقي مع قضايا حقوق الإنسان التي تفرض نفسها على واقع البحرين واستقرارها الداخلي وسمعتها الدولية.



فما هي أهداف "الهيئة الملكية":



مما جاء في اختصصات هذه المؤسسة كما جاء في نص "أمر" تكوينها: "أن تضع استراتيجية متكاملة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان..التوصية بإصدار تشريعات ذات صلة بحقوق الإنسان بما يتوافق مع الالتزامات الدولية..نشر ثقافة حقوق الإنسان..إبداء الرأي فيما يعرض عليها من الجهات المختصة..تلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان..".



ليس هذا فقط، فهذه أهداف لا تختلف عما جاء في اختصاصات لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس الشورى الذي أوجده النظام في تسعينيات القرن الماضي كبديل للمجلس الوطني، بعد ما إزدادت الضغوط المحلية من خلال العرائض النخبوية والشعبية المطالبة بتفعيل الدستور العقدي للعام 1973م وإعادة الحياة النيابية (انظر الأمر الأميري رقم 24 لعام 1999م[1]). ولكن هناك أهداف أخرى من تكوين هذه المؤسسة "الملكية" وهو إبراز صورة البحرين في مجال حقوق الإنسان من خلال إصدار النشرات والتقارير سواء تلك التي تلتزم الدولة بتقديمها بحسب الإتفاقيات التي انضمت لها وصدقت عليها أو تلك التي تتناول قضايا حقوقية مختلفة سواء كانت آنية أو دورية بحيث يبرز إسم البحرين كراعية ومعززة وحامية لحقوق الإنسان.



فقد انضمت البحرين إلى عدة اتفاقيات للأمم المتحدة معنية بحقوق الإنسان واتفاقيات أخرى بمنظمة العمل الدولية، وهي مخلة بالإلتزام بتقديم تقاريرها الدورية في وقتها، لسبين أولهما تمكن نشطاء حقوق الإنسان في تقديم التقارير عن الإنتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي تصدر من أجهزة الدولة، بحيث لا تستطيع الدولة في تغطيتها لها والإستمرار بالكذب. السبب الثاني هو عدم وجود من هم محسوبون على السلطة ومتخصصون في كتابة التقارير الحقوقية ويمتلكون في ذات الوقت مصداقية على المستوى المحلي والدولي.



من إتفاقيات الأمم المتحدة التي انضمت لها البحرين[2]: -اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري -اتفاقية حقوق الطفل -اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة -اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة-البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية حقوق الطفل الخاصين باشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، وبيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية -العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية -اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ومن اتفاقيات منظمة العمل الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي انضمت لها البحرين[3]: -الاتفاقيتان المرقمتان (29) و(105) المعنيتان بالقضاء على السخرة والعمل الإجباري -الاتفاقية رقم (111) بشأن منع التمييز في العمل وشغل الوظائف، -الاتفاقية رقم (182) المتعلقة بأسوأ أشكال تشغيل الأطفال.



وعليه،فإن الهدف الحقيقي من تكوين الهيئة تلميع صورة البحرين من خلال إصدار الصكوك وشهادات تزوير للواقع الحقوقي في البلاد وتضليل الرأي العام الدولي عن وضع حقوق الإنسان وحقيقة انتهاكاتها في البحرين.



أدوات "الهيئة" (عضويتها):



ولتحقيق ذلك، ستحاول السلطة إدخال شخصيات لديها خبرة حقوقية ولها سمعة على المستوى المحلي والدولية وذلك لـ"فتح آفاق التعاون مع المنظمات الدولية والوطنية ذات الصلة بحقوق الإنسان وتدريب العاملين في المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالحريات العامة والحقوق الإساسية بما يعزز من التعاون مع أجهزة الدولة المطلوب وستعمل هذه الشخصيات من خلال ما يتوفر لها من تسهيلات ومتطلبات لوجستية ودعم مالي وإعلامي ومعنوي من "إصدار النشرات وإعداد التقارير التي تلتزم الدولة بتقديمها دورياً" لما يتطلبه من ترويج وتلميع لصورة البحرين وعكس "تطور جهودها في مجال حقوق الإنسان".




من جانب آخر، فلا يوجد شك في أن السلطة سوف تعمد إلى إدخال بعض ممثلي منظمات الولاء التي صنعتها "الغونغوز" (انظر تقرير مركز البحرين الأخير "منظمات وحقوقيون بالتزوير"[4] ) وذلك لمراقبة شخصيات الهيئة "الحقوقية العاملة والنشطة" وضمان عدم زيغها، بل محاصرتها والتجسس عليها والتبليغ عنها، أسباغ الصفة الحقوقية على الشخصيات المزورة من منظمات الغونغوز وإبعاد شبح الإتهام عنها، وبالتالي وصفها بالإستقلالية التي لا تنعم بها، وأخيراً الإستفادة من تجاربها واتصالاتها (المقصود الحقوقيين المنضمن للهيئة) لصقل تجربة "الغونغوزيين" الموالين للسلطة، بما يخدم أهدافهم. هذا صنف من الأعضاء الذين سوف يكون لهم دور- يجازون عنه بالمال والمحسوبية والإمتيازات- إضافة لمجموعة أخرى "تبيع" أسمها ومكانتها وموقعها من المحسوبين على الذين "يشتريهم" النظام لضمان ولاءهم من جهة، وللترويج لسياساته وبرامجه والدفاع عنها، والوقوف سداً أمام من يطالب بالحقوق والديمقراطية والحريات العامة على أساس المواطنة الدستورية وحقوق الإنسان. هؤلاء جميعاً من صنف شخصيات الغونغوز وباعة الضمير، لا حديث لنا معهم، فهويتهم واضحة وأهدافهم معروفة وولاءهم لمن يتفضل عليهم بالدرهم والدينار لا ريب فيه.



حديثنا لأولئك الذين يستهدفهم النظام ليعتكرز عليهم ويرتفع على أكتافهم، ليس لخدمة الشعب.. ليس لحماية حقوقه ورعاية شئونه، وإنما لرفع سمعة النظام في الأوساط الدولية، وبذلك يساهموا في تعقيد عملية التغيير من خلال امتصاص الضغط الدولي على النظام لاحداث تغييرات حقيقية في تركيبته وبرامجه بما يحقق للشعب الوجود العزيز.


إنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها النظام برامج ظاهرها خير وباطنها العذاب. وليست المرة الأولى التي يحنث النظام بوعوده والتزاماته، فهذا ديدنه مذ عرفناه، للأسف. لا يفي بالوعود، ولا يحترم التعهدات. النظام الذي لايحترم تعهداته للشعب، فهل يتوقع منه أن يفي بعهوده لغيره؟ الحديث عن الإيفاء بالإلتزامات الدولية ما هو إلا هواء لا يسمن ولا يشبع، لا يجلب حق ولا يدفع انتهاك.


السجل التاريخي يوضح بكل جلاء، أنه لم يصدر من النظام ما هو في مصلحة الشعب، لا قوانين وتشريعات ولا برامج أو سياسات، والأمثلة كثيرة. كل ما يصدر هو لحماية حقوق النظام وأفراده، ضد الشعب ومصالحه؟



نتمنى من يعرض عليه المشاركة في عملية الدجل هذه، ومن يتم إغراءهم أو دفعهم للدخول في هذه المصيدة- الهيئة الملكية- أن يعوا ما هم مقدمين عليه، والدور الذي سوف يلعبونه. هذه الهيئة كباقي الهيئات والمجالس، تتنفس، تتحرك، تقوم وتقعد بما يملى عليها وبما يسمح لها من حركة. ولا يصدقن أحد نفسه بأنه سيدخل ليغير من الداخل أو يقتحم القلاع، فهذه مقولة أثبت الزمن والواقع المجرب عقمها وجدبها. وكم مرة سيلدغ الشعب؟ فلا يلدغ "المؤمن" من "نفس" الجحر مرتين.



الموقف: هذه الهيئة لا تمتلك الأسس والمقدمات المطلوبة للقيام بعملها كمؤسسة تسعى لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وذلك للأسباب الآتية:


1) لا يوجد توجه حقيقي لدى النظام لتطوير وحماية حقوق الإنسان في البحرين لسبب وجيه، وهو عدم اعترافه بوجود مواطنين (ومقيمين) لهم حق الوجود والعيش بكرامة. هذا العنوان منبثق من سياسات وبرامج السلطة المبنية على عدم الإعتراف بوجود شعب له حق المشاركة في صناعة القرار والإنتفاع بالثروة الوطنية بما يضمن له العيش بعزة وكرامة كما تتطلبها معايير قيم حقوق الإنسان العالمية. فلا يوجد دستور صاغه الشعب، يفصل بين السلطات ويعبر عن إرادته ويضمن له صون الحقوق ورعايتها، ولا يوجد مجلس تشريعي كامل الصلاحيات يشرع باستقلالية ويراقب أداء السلطات التنفيذية بل يحاسبها ويعزلها، ولا يوجد حكومة منتخبة قادرة على رعاية حقوق المواطنين وحمايتها. هل يوجد جهاز قضائي مستقل وكامل الصلاحيات القضائية بحيث لا يعلو أحد فوق القضاء والقانون الحافظ للحقوق؟



2) الإنتهاكات الموجودة هي بسبب آلية وإطار عمل ودور السلطات الموجودة، وحيث أن النظام غير معترف بضرورة تغيير هذه السلطات واستبدال شخوصها بعقليات وشخصيات جديدة "غير ملوثة"، فإن الحديث عن مؤسسات تراقب أداء هذه السلطات ضرب من الخيال وضحك على الذقون.



3) إذا كان رأس الدولة هو المسئول عن جريمة الإستيطان وبرامج تغيير التركيبة السكانية والمهنية في البحرين، فكيف ستحاسبه الهيئة عن انتاهكات حقوق الإنسان الناجمة عن هذه الجريمة الإنسانية وتداعياتها، وهو من يختار شخوصها وترجع له بالتقارير؟ وهل ستستطيع الهيئة محاسبة ديوانه ووزيره الطائفي عن برامج الطأفنة التي يرعاها والمخطط البندري الذي يقوده بمساعدة أل عطية الله؟



4) إذا كانت الحكومة هي التي أسست وانتهجت ولا زالت تفعل برامج التمييز الطائفي البغيض منذ أن تكونت، فكيف تستطيع هذه الهيئة محاسبتها أو مراقبتها أو حتى كتابة أي تقرير عن التمييز الطائفي في البحرين، بعد أن تغلل التمييز في كل أوصال الدولة؟ أليس التمييز والتمايز من انتهاكات حقوق الإنسان المبتلية بها البحرين؟



5) وهل ستستطيع الهيئة رصد انتهاكات الحقوق الإقتصادية للمواطنين، وسرقة المال العام، ومأسسة الفساد، وشرعنة الإستحواذ على الأراضي، ومصادرة الحريات العامة وحرية التعبير؟



6) هل بامكان الهيئة إيقاف التعذيب في سجون ومراكز التعذيب في البحرين ورد الإعتبار للشهداء وضحايا التعذيب، وتقديم المعذبين والمسئولين عن التعذيب في البلاد للمحاكمة العادلة؟


هذه فيض من غيظ الإنهاكات ومواضيع حقوق الإنسان المطلوب أن تتناولها الهيئة لإزالة المعاناة عن البحرينيين من عسف السلطة وأجهزتها. بغير ذلك، فإن الهيئة ستنضم لبقية الإجهزة الملمعة..المصفقة.. المطبلة للزظام وشخوصه، على حساب المواطنين وحقوقهم. فمادام الحق الأصلي "حق الوجود والعيش بكرامة" ملغي من قاموس النظام، فأي وجود لمؤسسة يرعاها النظام لن تكون إلا لتكريس الإلغاء وتغييب الحق، بغض النظر عمن يكون في هذه المؤسسة وقدراته ومصداقيته.



وبالنتيجة، فإن هذه المؤسسة ستكون محرقة لأفرادها ممن هم ليسوا طبالين في الأصل وليسوا ممن باعوا ضميرهم من أجل منصب أو حفنة مال. ولن ينسى الشعب كل أولئك من ساهموا في تضييع حقوقه وأعاقوا الوصول لها، وساعدوا في وضع العراقيل الممكنة لذلك، ورضوا بأن يكونوا ملك غيرهم يتلاعب بهم كيف يشاء. كما لن ينسى أولئك الذين عاشوا ورحلوا بكرامتهم وعزتهم- عاشوا فقراء مادياً ولكنهم كانوا أغنياء بما يملكونه من معاني الحرية والعزة والكرامة. اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد.









[1] http://www.legalaffairs.gov.bh/Portals/0/Dept_LegalLaw/O2499.htm


[2] http://www.arabhumanrights.org/ratification/country.asp?cid=3


[3] http://www.arabhumanrights.org/ratification/ilocountry.asp?cid=3


[4] http://www.bchr.net/ar/ngos، http://www.anhri.net/bahrain/bchr/2009/pr1112.shtml