منشور على ملتقى البحرين الوطني:
عندما يكون حاميها حراميها
عبدالجليل السنكيس
13 مارس 2010م
نشرت بعض جرائد هذا اليوم تقرير لجنة التحقيق في"أملاك الدولة" التابعة للمجلس المنتخب (http://www.alwasatnews.com/2745/news/category/AMK/1.html، http://alwaqt.com/art.php?aid=202099) ووضح ببعض التفصيل بعض السرقات للمال العام عن طريق سوء استخدام السلطات العليا في البلاد. وحيث أن التقرير لم يشر الى السلطات العليا المسئولة الحقيقية ليس فقط عن التوجيهات والإيعازات لتغيير الملكية وتحويل المسميات التي نتج عنها معرفة "بعض مما تم نهبه"، ولكن في حقيقة الأمر هي التي تنتفع من هذه الإيعازات. بمعنى أن الإيعازات والتوجيهات منها وإليها. فالحديث وتوجيه اللوم والمسئولية لوزارة المالية أو العدل أو إدارة السجل العقاري هو من باب، وليعذرني القارئ على هذا المثل، ولكني لم أتذكر سوى المثل الشعبي القائل:" ما قدر على الحمار- أعز الله القارئ- حطاها في العدة". وأنا هنا لا أبرئ ساحة أي من هذه الجهات "المتواطئة" في الجرائم المشار لها في التقرير، ولكن المسئولية الأساسية في "بعض" سرقات الاراضي التي كشف عنها التقرير الذي يعترف بأن ما توصل إليه هو غيظ من فيض، هم جهات ثلاث وسوف أسميها:
المسئول الأول: رئاسة الوزراء متمثلة في الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة-
فالاراضي المشار لها في منطقة السنابس، وشماليها، ومن الفرضة المنهوبة (المرفأ المالي وما حوله) وحتى المنطقة المحاذية لفندق المريديان – سابقاً والرتز كارلتون حالياً، والأراضي في المحرق وصولاً للحد كلها مسجلة باسم رئيس الوزراء أو لشخصيات محسوبة عليه وتمت كلها بايعازات وتوجيهات منه. ومن قبل مجيء الحاكم الحالي- الشيخ حمد بن عيسى- كان يتحكم في العقارات وأملاك الدولة غير رئيس الوزارء. وقد بدأت برئيس الوزراء لا لتقليل مسئولية الجهات الأخرى، ولكن لكونه الأسبق في عملية النهب وتكوين الثروات المليونية من المال العام البحريني (لايوجد أرقام دقيقة عن ثروة رئيس الوزراء، ولكن بحسب المعلومات المتداولة فإنها فاقت الـ 70 مليار دولار أي 70 ألف مليون دولار). كان رئيس الوزراء ينهب لنفسه وحتى المشاريع العقارية الأخرى المتواجدة في المناطق المشار لها آنفاً، وأن كانت بأسماء شركات يمتلكها أشخاص غير رئيس الوزراء، ولكنه هو المالك الحقيقي، مثل أبراج اللؤلؤ، منتجع العرين، وريف والمرفأ المالي وغيرها). بالنسبة للمرفأ المالي وحتى يضمن دخلاً دائما أمر رئيس الوزراء وزارة التنمية باستئجار ثلاث طوابق لمكاتب الوزارة بكلفة شهرية قدرها 50 ألف دينار.
لم يستنكف رئيس الوزراء أن يستولي على مشاريع مخصصة للإسكان والمدارس والبريد وغيرها من الخدمات العامة في شمال السنابس وغيرها. بل إنه أمر بدفان المنطقة على حساب الدولة، ثم استولى على الآراضي المدفونة وقام ببيعها على الدولة (مركز المعارض) وعلى مستثمرين آخرين (مجمع البحرين جيان، وغيرها).
لا ننسى استحواذ رئيس الوزراء، بالإضافة لما سبق على جزيرة جدة، غرب البحرين بمحاذاة جسر البحرين – السعودية، حيث يوجد فيها قصر واحد ومرافق خاصة للاستجمام، وتبلغ مساحتها 0,56 كم مربع وتكفي لبناء مدينة متكاملة تحوي حوالي1400 وحدة سكنية.
المسئول الثاني: الديوان الملكي متمثلاً في رأس الدولة الشيخ حمد بن عيسى ووزير ديوانه الطائفي البغيض- خالد أحمد الخليفة.
وكان لرئاسة الديوان الأميري سابقاً، والمكي حالياً دور في التحكم في ممتلكات الدولة وعقاراتها باسم رأس الدولة،حيث كانت الهبات والعطايا توزع على المتزلفين وعلى من يراد شراء ذمته وموقفه. ولم يقتصر الديوان على التصرف في أملاك الدولة، التي يعتبرها ملكاً عضوداً له، على البحرينيين فقط، بل تعداها لمنح أراضي البحرين على بعض "فقراء" أمراء الخليج، تزلفاً وقربى. أشير هنا للأراضي البرية والبحرية في دمستان، وكزكان والمالكية التي وهب أجزاء كبيرة منها أمير البحرين السابق- الشيخ عيسى بن سلمان - لأمراء من الكويت (الأمير الراحل جابر الأحمد الصباح، وولي العهد السابق سعد الجابر الصباح) وكذلك بعض أمراء السعودية. الأمر نفسه للحاكم الحالي الذي وهب أجزاء لبعض أمراء السعودية وأيضا لأمير إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد.
وقد انتهج الديوان نفس المنهاج السابق في توزيع الاراضي على المتزلفين من خارج العائلة، من الضباط في قوة الدفاع والحرس الوطني، وبعض المسئولين في الدولة (خصوصاً القدامى) وأفراد القبائل والعوائل الموالية له. ولكنه أيضا أفرط في زيادة المحسوبين عليه في ضمن إطار العائلة وذلك بالإكثار من توزيع المناصب عليهم في الأجهزة الحكومية المختلفة (أكثر من نصف الوزراء من العائلة) وأجزل عليهم أيضا في حصة الأراضي البرية والبحرية، وهو بالتالي ضمن أن أكثر من 90% من أراضي البحرين هي لأفراد العائلة.
طبعا لايفوتنا الحديث عن جزيرة أم النعسان- غرب البحرين بمحاذاة جسر البحرين السعودية- التي يستحوذ عليها الشيخ حمد لوحده، وفيها قصر له وبعض المرافق. تجدر الإشارة الى أن مساحة هذه الجزيرة (20,47 كم مربع) أكبر من مساحة جزيرة المحرق التي تبلغ 18كم مربع ويقطنها أكثر من 75 ألف نسمة. وللعلم فإن هذه المساحة كافية لبناء مدينة متكاملة المرافق وحوالي 51 ألف وحدة سكنية.
من المشاريع الكبرى التى ظهرت من تحت دهاليز الديوان تشمل "درة البحرين" المملوك لأبناء الحاكم (عبارة عن مجموعة عقارات على جزر اصطناعية جنوب البحرين عند رأس البر بمساحة تصل حوالي 20 كم مربع بما يعادل مساحة جزيرة المحرق)، ولن نطيل في المشاريع الأخرى لأن الحديث عنها يؤلم أكثر، ودعنا نتحدث عن المسئول الثالث عن سرقة البحرين وخصخصتها. أضافة لذلك، مشروع سلام: منتجع الشاطئ وسبأ البحرين بالشراكة مع إمارة دبي، ومركزالبحرين التجاري العالمي –بجانب مجمع الشيراتون.
المسئول الثالث: ولي العهد ومجلس التنمية الإقتصادية-
والمجلس هو الذراع التنفيذي لتوجهاته الرامية لتكوين ثروة تتجاوز ثروة "العم العزيز". فبدأً بشركة "ممتكلات" للإستحواذ على المؤسسات والشركات العامة عبر عناوين الخصخصة، وانتهاءاً بشركة "إدامة" للاستحواذ على أراضي وعقارات الدولة، هي وسائل تكوين ثروة ولي العهد "الأمين".
بعض المشاريع والعقارات المحسوبة على ولي العهد الذي تخصص في تحويط الأراضي البحرية سيراً على نهج الوالد والعم العزيز بتحويط الأراضي البرية، فتشمل المدينة الشمالية وما حولها، عقارات أمواج وما حولها وعقارات رفاع فيوز، مشروع توسيز (Twoseas) شمال جزيرة المحرق،خليج البحرين (Bahrain Bay)، وما عدا رفاع فيوز، فجميع المشاريع تقع على أراضي مدفونة في البحر. الآراضي ملك الدولة، الردم على حساب الدولة، والمشاريع ملك ولي العهد المعروف بشيخ بحر.
ما ذكر في هذا المقال وتقرير لجنة التحقيق في أملاك الدولة هو لا يمكن مقارنته بما تم الإستحواذ عليه من موارد وثروات هذا البلد دون وجه حق، في ظل حرمان المواطنين الأصليين من الشيعة والسنة. إنها عملية مستمرة لخصخصة البحرين- مواردها مؤسساتها الوطنية، ولم يبق منها شيئ لم يتم "حلبه" واستخراج المال منه للنخبة الحاكمة.
محاكمة المسئولين عن تنفيذ إجراءات وبرامج الإستحواذ على الاراضي والمال العام، وإن لا تستثني المسئولين في وزارتي المالية والعدل وجهاز المساحة والسجل العقاري، إلا إنها يجب أن لا تتغاضي عن ما قام به المسئولين الأصليين الذين تم ذكرهم. أولئك الذين يفترض بهم أن يحموا المال العام، فإذا بحاميها حراميها. وثبت عدم ولائهم وإخلاصهم للبحرين أو شعبها، من خلال تقطيع أواصل البحرين وثرواتها والآنتفاع بها شخصياً وتوزيع الباقي على الموالين من العائلة والمتزلفين وكذلك من أمراء الخليج.
إن ما حدث للكثير من هذه المشاريع هو شبيه لما يقوم به عصابات المخدرات والمافيا، حيث يتم تدوير وغسل أموال تلك المشاريع من خلال أنشطة تجارية تبعد الشبهة عن أصحابها. وإن "غسيل الأراضي والعقارات المنهوبة" عبر مشاريع استثمارية تم تداولها بأكثر من مرحلة بيع تجارية لا يذهب بأصل الحق، وإن الحق لا يسقط بالتقادم. وعليه، فكون هذه المشاريع قد تم بيعها لأكثر من مشتر، لا يعني أن يتم التنازل أو الإدعاء بعدم استحصال واسترجاع هذه الممتلكات. أي ملكة للبحرين وشعبها لابد أن تعود له، ويجب العمل على عدم إغلاق هذا الملف الذي بسببه يعيش الشعب في مستوى متدني من الفقر والعوز في حين يتمرغ الحرامية والسراق في الأموال الناتجة من أراضي وثروات البلد.
لقد أشرنا سابقاً بأهمية تفعيل الدور الشعبي وتحكيم الإرادة الشعبية في صناعة القرار والإنتفاع في الثروة الوطنية، ولقد ساعد غياب هذا المطلب على تمادي حرامية الوطن وسراق الثروات الوطنية في غيهم.
لايكفي أن ننشر الارقام فكثير من المعلومات موجودة، ولكن المطلوب هو الموقف الشعبي الواحد والإرادة الواضحة في استرجاع ثروات البلد ومركز صناعة القرار له بحيث يكون الشعب هو السلطة العليا وهو صاحب الكلمة.
إننا نحمل الجهات الثلاث المشار لها المسئولية الكاملة ونطالبهم بارجاع جميع ما تم نهبه من أراضي وثروات وطنية والتي لن يتم التنازل عنها ولو بعد حين. إن مسلكية هذه الجهات تعزز عدم إخلاصهم في إدارة شئون البلاد والتفرغ لتكوين الثروات الخاصة، ولهذا نعيد مطلب كتابة الدستور الديموقراطي الذي يكون فيه الشعب صاحب القرار وإن النظام والحكومة ليستا قدر هذا الشعب المظلوم. النظام يجب أن يأخذ مشروعيته مت الشعب، كما يجب أن تكون الحكومة ورئاستها منتخبة ومنتقاة من أبناء الشعب المخلصين، فالحكومة الحالية أثبت تورطها في تأصيل الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام، وكما يقول المثل:" إذا كان رب البيت بالطبل مولعاً (أو ضارباً)، فشيمة أهل البيت الرقص". إذا كان المدير العام في مؤسسة سارق وناهب للمال – عينك عينك كما يقولون، فما تتوقع من المسئولين الباقين الذين تحت يده. نعيد مطلب تنحي رئيس الوزراء وانتخاب حكومة ورئيسها من أبناء الشعب المخلصين القديرين.
نؤكد على محاكمة المسئولين الأساسيين عن سرقات ونهب أموال وثروات البلاد على منصات المحاكمة الدولية حتى يرجع الحق إلى أهله.