عبدالجليل السنكيس
مداخلة في ندوة الأمانة العامة "الأزمة الدستورية والإستقواء بالخارج" / 27 سبتمبر 2005- جمعية العمل الوطني الديموقراطي
يسنون القوانين كي يمنعونا من البوح بما يصنعون في هذا البلد وشعبه الكريم، أتذكرون بعض مواد قانون العقوبات المدان دولياً والذي لا يزال ساريَ المفعول، والذي على أساسه تم توجيه التهم إلى كثير من المعتقلين السياسيين في الفترة السابقة والحالية. وأذكركم بمادتين من ذلك القانون السيء: الأولى "التحريض على كراهية النظام" والثانية "بث إشاعات ودعايات مثيرة من شأنها التسبب في اضطراب الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
لقد استعمل النظام هذه الموادَ، وغيرَها من المواد المشابهة، لتكميم الأفواه وحجز من يريد وراء القضبان، ومنع أي تواصل مع العالم الخارجي ليعرف ما يدور في بحرين أوال. فإذا كان النظامُ لا يريد أحداً أن يتكلم عنه وعن أفراده، فلماذا لا يتوقف، ويغير من منهجيته في التعامل مع البحرين وأبناءها؟
- لماذا لا يتوقف عن التعامل مع البحرين كانها نتاجُ فتحٍ، ومع البحرينيين كرعايا، يتفضل عليهم الوالي، كيفما ومتى شاء؟ عرفت البحرينُ، كما تشرفت، بدخولها الإسلام، دون قوة أو عنوة. فلماذا يصر النظامُ على أن يعتبر نفسه فاتحاً لها؟ شعبُ البحرين لم يكن كافراً أو قاطناً أرضَ كفرٍ حتى يمن عليه الفاتحون بفتحهم. هذا تزويرٌ وتلفيقٌ للتاريخ، وعلى النظام أن يتوقف، بل يجدر به أن يغير من عناوين أو إشارات الى هذه المعاني في جميع مرافق وسجلات النظام، وإلا من حق البحرينيين أن يقابلوا ذلك بعناوين الإحتلال والغزو، ويرفضوا استمرارها وبقاءها.
- لماذا لايتوقف النظام عن تحويل البحرين الى ملكٍ خاصٍ للعائلة الخليفية ومن يلف حولها؟ فالأراضي العامةُ مسلوبةٌ، والسواحلُ مسجلةٌ باسم أبناء العائلة، يتاجرون بها ويهبونها لمن يشاءون من فقراء أمراء الخليج؟
- وكيف يريدنا النظامُ ان نصمتَ، وجزرُ البحرين- ذاتُ المساحاتِ الكبيرةِ- يتم تسييجها واحتلالها، وأبناءنا وأحفادنا دون سكنٍ أو مأوى، يحيون ويموتون في بيوت آباءهم الصغيرة، وينتظر البعضُ منهم سنينَ طويلةً كي يتعطف عليهم النظامُ بمسكن، يدفعون نظيره كل ما يملكون، وبعد ذلك يصبح- هبة من الملك؟
- هل تعلمون أن عشرات الآلاف من البحرينيين يعملون في دول الخليج (جريدة الأيام بتاريخ 30 أبريل 2005م) من زاوية الى أخرى يطلبون الرزقَ والحياةَ الكريمةَ، وفي المقابل، يستورد الآلافُ من البادية والصحراء من جميع أصقاع العالم- من لا علم لهم بالبحرين إلا إنه بلد الكرام يكرم الغرباء، يوطنهم ويوظفهم في المؤسسات الرسمية على حساب ابن البلد. ألا يذكركم ذلك بـ"الترانسفير" الذي تمارسه السلطات الصهيونية مع الفلسطينيين؟ شعب أصيل يدفع لمغادرة أرضه ومحل سقوط رأسه، ويستبدل بمن لا إحساس له بالوطن والمواطنة ومن لا يهمهم الإنتماء للوطن وتربته.
- وكيف يريدنا النظام أن نصمت، ونحن نرى هويتنا تسلب، طفولتنا تقتل أما ناظرنا، ثقافتنا تجفف من منابعها، وتاريخنا يوجه للنسيان؟
- وكيف نلوذ بالصمت، ونحن نرى أبناءنا وأخواننا بلا عمل كريم، وغير البحريني في أعلى المراتب والمميزات؟ كيف يصمت الشاب وتصمت الشابة، وهما يرون شمعة شبابهما تذبل أمام ناظريهما. فبدلاً من صناديق الإستثمارات الهادفة إلى حماية أبناء وجيل المستقبل، تصادر الأراضي وعائدات النفط لتكون ثروات خاصة وتكدس الملايين، بل المليارات في بنوك العالم.
- وكيف نضمن حقوقنا وحمايتها، وما توافقنا عليه من دستورٍ عقدي، ديس تحت الأرجل، صودر وألغي وفرضت علينا وثيقة لا ناقة للشعب فيها ولاجمل ؟ وكيف نضمن المستقبل الجميل، والإرادة الشعبية مغيبة وراء قضبان تلك الوثيقة والنظام؟
- وكيف تريدوننا أن نصمت عمّن يزرع بذور الطائفية والشتات في المجتمع، ويصر على تقسيم المجتمع بين موالٍ يغدق عليه ويضمن له المستقبل، وبين مناوء، يستهدف وجوده، يفقره ويجوعه، يمنع عنه خير بلده، يسلبه الأمان، يشعره بالغبن والنقيصة، يجعله على قارعة الطريق يمد يده ويبيع ماء وجه لكي يعيش؟
أمرٌ آخر، ،
وقبل ثلاث سنوات ألغى النظام الدستور العقدي، وأنزل علينا وثيقةً من السماء مفصلة لتعزز المركزية في السلطات، مانعةً للتشريع والرقابة الحقيقيين الذين يعززان الوجود الشعبي، فهل خولهم الشعب لصنع ذلك؟
وبالأمس القريب، سيجوا جزر البحرين، وهي لكل البحرينيين، وخططوا وباعوا واستثمروا لحسابهم الخاص سواحل البحرين، وهي لكل البحرينيين، وصارت سواحل البحرين يملكها أمراء الخليج، فهل خولهم الشعب لصنع ذلك؟
قابلوا الصهاينة في المؤتمرات، واعلنوا التطبيع مع الكيان الغاصب للقدس، والتطبيع التجاري هو البداية ولا داعي للإستغفال. عملوا ذلك دون أن يرجعوا للشعب ويأخذوا رأيه، فهل خولهم لذلك؟
واليوم، عينوا من عينوا للسلطة التنفيذية، وعملوا على تكريس المواقع بحسب الولاء وليس القدرة والحرفية، ولم يهتموا بوجود شعب له سلطة القرار، فهل خولهم الشعب لهذه المنهجية؟
تحدث الميثاق عن ملكية دستورية، فأين الملكية في 11 وزير من العائلة الخليفية، و11 لباقي أفراد الشعب؟ وأين الملكية الدستورية في زيادة تولي أفراد العائلة الخليفية للمواقع الرسمية بما يزيد عن 60% منها برتبة مدير فما فوق؟ ما رأيناه من بعد الميثاق، زيادة في هذا المنحى. ففي كل تعيين للمواقع وكل توزير، يكون للعائلة نصيب منه، وهذا يتناقض مع مبادئ الملكية الدستورية التي فيها تتحول العائلة الحاكمة الى ملَكية. وهذا مؤشر الى أنه لا يوجد توجه لإصلاح حقيقي، لأن منهج الخلفنة المتزايد يتناقض معه بشكل مباشر، والمفروض أن يتم تقليص وجود العائلة بما يتناسب ومعنى الملكية الدستورية.
نعم، نريد أن نفخر ببلادنا التي تضمنا، تغدق علينا، وتحمينا جميعاً. نعم نريد المستقبل الواعد، واليوم الجميل الموعود، الذي لا تفريق فيه بين أبناء الوطن الواحد. نعم نريد بحريننا أن تعود لأبناءها جميعاً، أراضيها، سواحلها، جزرها، وتاريخها. وهذا لن يتم، إلا بإصلاحٍ سياسي حقيقي ينتج منه استقرارٌ سياسيٌ. هذا لن يتم بتمركز السلطة وتمكين أفراد العائلة الخليفية كما هو حاصل، وما يسمى بالتغييرات الوزارية المعلنة هذا اليوم أكبر دليل. فهل عقمت البحرين ولايوجد من أفراد الشعب من المؤهلين والقادرين والتكنوقراط؟
هذا لن يتم من دون حكومة منتخبة من الشعب يرأسها من يحوز على ثقته..
هذا لن يتم دون المساواة بين المواطنين ومشاركتهم في صناعة القرار وتقديمهم على غيرهم في جميع المستويات..
هذا لن يتم دون سيادة القانون النابع من دستورٍ تقدمي وعقدي..
وسنظل نطالب بهذه المطالب بكل الوسائل السلمية المتاحة، وسنظل نحفر في الجدار، فإما ثغرة من نور، أو نموت على وجه الجدار.