Tuesday, October 18, 2005

الإستقواء بالسيستاني



فن الممكن، أم التزام ثوابت الوطن:
السيستاني يرفض الدستور الفوقي..يؤيد مجلسا تشريعيا حقيقيا يصيغ الدستور وينتخب الحكومة

عبدالجليل السنكيس
18 اكتوبر 2005م

كثرت هنا وهناك الدعاوي بأن يشارك الجميع في مشروع السلطة، بغض النظر عن ابعاد وحقيقة هذا المشروع، واثره على المطالب والإستحقاقات الوطنية التي قدم لها الشعب البحريني الضحايا والشهداء. تأتي الدعوة مكررة وبإلحاح إستلهام تجربة العراق بل الإستقواء بمواقف سماحة المرجع الإعلى آية الله السيد علي السيستاني، التي دعى فيها للمشاركة في العملية السياسية العراقية، وتقف هنا حدود دعوة أولئك.
أما ما هي حقيقة تلك الدعوة، وما هي اشتراطاتها، فإن هؤلاء المتطفلين على السياسة والثقافة، لا يرون فيه ذكر أو إشادة او دعوة للإستلهام؟ فما هي مواطن وحقيقة مواقف السيد السيستاني الخاصة بالتجربة العراقية، وكيف يمكن اسقاطها على الحركة المطلبية في البحرين؟ سوف نشير لبعض مواقف سماحة السيد السيستاني التاريخية لنسقطها على واقعنا البحريني، ليسترشد منها الجميع موقف المرجعية من القضايا المفصلية من حياة الأمة.

مواقف السيد السيستاني في العراق

مما يذكر للسيد السيستاني انتقاده للدستور العراقي المؤقت الذي صدر أبان الفترة الإنتقالية الأولى- فترة مجلس الحكم ووجود الحاكم الأمريكي بول بريمر حيث قال السيد:" بأن هذه الوثيقة (الدستور العراقي المؤقت) تضع عراقيل نحو إمكانية التوصل إلى دستور دائم للبلاد."وفي مقام آخر قال:"إن أي قانون يتم إعداده خلال المرحلة الانتقالية لن يكون شرعيا، مالم يحصل على موافقة من جمعية وطنية منتخبة."
وقد فسر السيد السيستاني تحفظه على القانون المؤقت للدولة العراقية المزمع إصداره من قبل المجلس التشريعي المرتقب الذي ستعينه سلطة التحالف ومجلس الحكم بسببين أساسيين:
1) ان كلا من سلطات الاحتلال والمجلس الانتقالي لا يمتلكان الشرعية التي تؤهلهما لسن قانون للدولة العراقية لكونهما غير شرعيين أصلا وغير منتخبين من قبل الشعب، فضلا عن عدم توافر الضمانات الكافية لأن يكتب القانون المذكور وفق مصلحة البلاد ويحافظ على هويتها الإسلامية.
2) أن آلية إنشاء المجلس التشريعي قائمة بجميع تفاصيلها على التعيين المباشر وبالتالي فإنها بعيدة عن تلبية الاحتياجات الحقيقية للشعب العراقي وغير مستوفية لمتطلبات الحياة الكريمة له.
وأشار السيستاني في بيانه الذي أصدره بمناسبة موقفه من القانون المؤقت للدولة الى ان عدم وجود تمثيل حقيقي ومباشر للشعب العراقي لن يجعل أية حكومة قادمة في منأى عن الطعن والتشكيك وبالتالي فإن البلاد ستكون مرشحة للدخول في دوامة العنف بسبب الصراع القائم بين السلطة والمعارضة.

وكان لسماحة السيد السيستاني تحفظين اساسين على اتفاق نقل السيادة الموقع بين مجلس الحكم وسلطة الإحتلال:
التحفظ الأول بان قانون إدارة الدولة العراقية الانتقالية يكتب بالتشاور ما بين مجلس الحكم وسلطة الاحتلال، بينما يفترض أن يعرض هذا القانون على ممثلي الشعب العراقي لإقراره؛ لأن بدون ذلك سوف لن يكتسب الشرعية المطلوبة، كما اشار. التحفظ الثاني بان آلية تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي المعتمدة على مجالس المحافظات-وهو مقترح امريكي- هي آلية غير ديمقراطية؛ لأن أغلب هذه المجالس هي غير منتخبة من قبل الشعب العراقي وإنما معينة تعيينًا.
أما عن عقد انتخابات الجمعية الوطنية في وقتها، وبعد تعالي أصوات تأجيل الإنتخابات، جاء موقف السيد حفظه الله ليحسم الامر. فبعد المشاورات المختلفة من الخبراء والثقاة من المختصين والاكفاء، التي أكدت إمكانية إجراء الانتخابات العامة التي يمكن أن يشارك فيها جميع العراقيين والتي يمكن أن يتمخض عنها انتخاب المجلس التشريعي الذي يعين الحكومة العراقية المستقلة القادمة ويضع الدستور الدائم للبلاد، اعلن سماحة السيد السيستاني عن التزامه بموقفه الداعي لعقد الإنتخابات العامة في وقتها "وليس هناك ما يمنع أو يعرقل إجراء هذه الانتخابات وأنه لن يحيد عن رأيه هذا إلا إذا قدمت له جهات دولية متخصصة ما يخالف هذه التوصية أو ما يثبت استحالة نجاح الممارسة الانتخابية لأسباب لا يمكن التغلب عليها أو تجاوزها".

اسقاط الوضع العراقي على الوضع في البحرين
هذه هي مواقف آية الله السيد السيستاني. رفض أن يضع الحاكم المحتل الدستور ويفرضه على الشعب، وأصر على أن تعقد الإنتخابات العامة ليشارك فيها كل العراقيين، لينتخبوا جمعية وطنية تنتخب رئيس الحكومة وتصادق على وزرائه، وتصيغ دستوراً دائماً للبلاد بعد ان يصدق عليه كافة الشعب.

فهل هذا ما لدينا في البحرين، حتى يدعوننا البعض لأن نشارك في العملية المزيفة للمشروع السياسي للنظام؟ الدستور العقدي المتوافق عليه، ألغاه النظام وصادره وفرض دستوراً فوقياً لا يحظى بأي مصداقية شعبية، ويسعى لسلب السلطات التشريعية والرقابية من ممثلي الشعب، فهل هكذا دستور-يلغي الوجود الشعبي- سوف يكون مدعاة لدعم السيد السيستاني والقبول به، وهو رفض الدستور المقدم من قبل سلطات الأحتلال؟ ألم يصر السيد على عقد الإنتخابات التشريعية، برغم الوضع الامني وتهديدات الإرهابيين والتكفيريين؟

نعم، السيد السيستاني دعى للمشاركة وبقوة في الإنتخابات الأولى للجمعية الوطنية. كانت الإنتخابات ممثلة لجميع أفراد الشعب ومحترمة لوجوده من خلال الدائرة الواحدة، فهل هذا ما هو موجود في البحرين؟ أين العدالة بين المواطنين في انتخابات تعتبر تمثيل حوالي 300 مواطن من المحافظة الجنوبية في البحرين مساوٍ لأكثر من 13000 مواطن في المحافظة الشمالية؟ وأين السعي الحقيقي لتمثيل المواطنين، عندما يسمح لأكثر من عشرين ألفاً من مواطني المملكة العربية السعودية المجنسون وهو في بلدهم- من قبائل الدواسر وغيرها- من المشاركة في اختيار من يريده النظام، وتوجيه نتائج العملية الإنتخابية؟ أين التوجه الجاد لفسحة مشاركة سياسية حقيقية، عندما ترسم الدوائر الإنتخابية بيد رأس النظام على أسس قبلية وطائفية، الغاية منها تغييب العنصر المنتخب عن المشاركة في صنع القرار والتشريع والمراقبة؟

نعم السيد السيستاني دعى للمشاركة في التصويت على الدستور العراقي الذي نتج من لجنة منتخبة من الجمعية الوطنية، كما شارك فيها ممثلين لقطاعات مختلفة من الشعب العراقي. أين الدستور العراقي من دستور مملكة البحرين؟ الأول صاغه وضع حدوده الشعب بكل مكوناته، أما الثاني، فقد صدر بطريقة انفرادية وفوقية، وتم فرضه على الشعب بكامل فئاته وقواه، ولم يكن لهم فيه قول ولا فصل، ناهيك عن فقدانه لأي مشروعية أو تصديق الشعب البحريني.

الدستور الذي دعا السيستاني لدعمه والتصويت له بـ"نعم"، يعطي السلطات التشريعية والرقابية الكاملة لممثلي الشعب الحقيقيين، منتج آلية انتخابية منصفة وممثلة لهم، ويعزز موقعهم، بل يرى في تمثيلهم الضمان الصادق لديمومة الوضع الدستوري والديموقراطي، بينما دستور الملك البحريني، يسعى لتغليب العائلة والسلطة الحاكمة ومن يمثلهم على ممثلي الشعب الذين جاءوا بفعل آلية انتخابية منتقصة ومهينة لهم. هذا الدستور الذي يمتلك من الحصانات والمناعات ما يمكّن ممثلي الشعب- على ضعف تمثيلهم- من القيام بدور تشريعي ورقابي حقيقي. وما الإنتكاسات للمجلس البحريني الحالي، الذي مضى عليه ثلاث سنوات، في البروز بذلك الدور إلا دليلاً عملياً دامغاً. ذلك المجلس الذي لم يستطع ان يوقف فساد السلطة ورموزها (سرقات المال العام والأراضي والسواحل العامة وملفي التمييز الرسمي الطائفي الممنهج والتغيير الديموغرافي)، ولم يستطع المبادرة واصدار تشريع واحد يهدف لمصلحة الشعب. بل السلطة استطاعت أن تمرر قانون الجمعيات السياسية السيئ الصيت بهدف لجم وتفريغ الجمعيات من أي نشاط سياسي معارض للنظام.
فهل يمكن أن يدعو السيد السيستاني لدعم هكذا دستور فوقي يلغي الوجود الشعبي، وهو الذي رفض دستور الإحتلال وأصر على أن يضع العراقيون دستورهم بأنفسهم؟

السيستاني لا يمكن ان يزكي الظلم وتغييب الشعب

كفى استهبالا بعقول البحرينيين، وكفى استنقاصاً بألبابهم. وكفى الدفع باتجاه المشاركة في مشروع رأس النظام، بالإستقواء بمواقف السيد السيستاني وغيره، وهم براء من هذه مواقف. ألم تدعون لعدم الأستقواء الخارج؟ ألا تعتبر الدعوة بالتمثل بموقف السيد السيستاني، استقواءً بالخارج، أم إنها ازدواجية وتطبيق لمبادئ ميكافيلية؟ وبغض النظر عن هذا الجانب، فيجب ان تتم الدعوة من خلال الطرح الامين والصادق، وعدم الإنتقائية في انصاف المواقف والتصريحات.
ما دعى له السيستاني بعيد كل البعد عما لدينا في البحرين. لدينا دستور لم نشارك في صياغته، فرضه النظام علينا، ضيق آلياته الدستورية، وضمن عدم وصول العدد الكافي ممن يرتجى في قدرتهم في تغيير ذلك الدستور والتشريع والرقابة، من خلال دوائر انتخابية طائفية وقبلية تهمش الشعب. بل شارك ممثيله المعينيين في التشريع وإعاقته. فهذا الدستور الملكي الفوقي، والمجالس الناتجة من ذلك الدستور والدوائر الإنتخابية الظالمة، لا يمكن ان تحوز على تزكية احرار وشرفاء أمثال سماحة السيد السيستاني.

* * * * *