بعد قرع الجرس الأول على قانون الجمعيات السياسية، هذا هو الجرس الثاني
إرهاب الدولة
د.عبدالجليل السنكيس
تقديم
بعد ان استطاع النظام ان يخلق حالة من الإرهاب للمؤسسات السياسية من خلال اصدار قانون رقم 26 لسنة 2005م (قانون الجمعيات السياسية) ياتي دور إرهاب الموطنين والأفراد، وذلك من خلال تقنين التعاطي الفردي سواء من خلال الحركة الفردية او المنضوية تحت نسق جماعي. وقد طرح النظام مشروع النظام بدعوى ظاهرة ما يسمى بالإرهاب الدولي ومكافحته.
وحتى يولد القانون قاعدة قانونية، استند المشرع في تقديمه على عشرة قوانين بمراسيم أميرية وأخرى ملكية (قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم "15" لسنة 1976 وتعديلاته، والمرسوم بقانون رقم "16" لسنة 1976 في شأن المفرقعات والأسلحة والذخائر المعدل بالمرسوم بقانون رقم "6" لسنة ،1996 والمرسوم بقانون رقم "21" لسنة 1996 بشأن البيئة، المعدل بالمرسوم بقانون رقم "8" لسنة ،1997 والمرسوم بقانون رقم "15" لسنة 1998 بالتصديق على الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب، والمرسوم بقانون رقم "4" لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال، والمرسوم بقانون رقم "26" لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي، وقانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم "42" لسنة 2002، وقانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم "46" لسنة ،2002 والقانون رقم "9" لسنة 2004 بالموافقة على انضمام مملكة البحرين للاتفاق الدولي لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل):
تعريف الإرهاب البحريني
عرف مشروع القانون الإرهاب بانه كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد باستخدامه أيا كانت بواعثه وأغراضه، يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بهدف تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو أمن المجتمع الدولي، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو بث الرعب بينهم أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الصحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها أو عرقلة أدائها لأعمالها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم عن ممارسة أعمالها.
فأي عمل أو نشاط يفسره النظام او منفذ هذا القانون- وهو النيابة العامة بشكل أساسي- بانه يعطل احكام الدستور المنفرد الذي فرضه النظام على الشعب بطريقة فوقية، فذلك يعتبر ضمن تعريف الإرهاب. ولنضرب مثال: المادة 9-ز تتخذ الدولة التدابير اللازمة ن اجل تحقيق استغلال الأراضي الصالحة للزراعة بصورة مثمرة. فإذا قام شخص ما بجرف الأراضي الزراعية العامة وحولها لعقارات وأراضي استثمارية، فيكون قد عطل احكام الدستور وبالتالي قد قام بعمل ارهابي. وإذا اشار مواطن الى دور رأس النظام الأساسي في تغيير التركيبة السكانية عن طريق التجنيس باستخدام الإستثناء الموجود في المادة 6 من قانون الجنسية- كما اشارت لذلك الحكومة في ردها على توصيات لجنة التجنيس البرلمانية- فإن ذلك يتعارض مع المادة 33-أ التي تنص على أن الملك ذاته مصونة لاتمس، فإنه بذلك عطل احكام الدستور وأصبح ارهابي، يستحق العقوبات الرادعة. واما القول بأن دستور 2002 فاقد للعقدية والشرعية، فإنه اكبر تعطيل لأحكامه، وبذلك يعد من أكبر اعمال الإرهاب.
كذلك المسيرات والإعتصامات الاحتجاجية التي تمر بالشوارع، والأراضي العامة فإنها تخل بالنظام العام وتعرقل أداء المؤسسات العامة وتعرقل اداء عملها وكذلك عمل المؤسسات الخاصة كالدكاكين والمتاجر، كما تسد الشوارع وتعيق السلطات العامة من أجهزة مرورية ووزارية من ممارسة عملها، فالقيام بكل ذلك يندرج تحت الإرهاب.
العقوبات في هذا القانون
تتراوح العقوبات في هذا القانون بين الحبس لأكثر من 10 سنوات والإعدام، مروراً بالحبس المؤبد. ويكفي الإشارة الى المادة 6 من مسودة القانون لنعلم كيف يستعين النظام بمحاصرة النشطاء والمعارضين او من يتعاطف معهم، بعد ان فرض على غيرهم المسايرة من خلال قانون الجمعيات السياسية السيئ هذه المادة تقول:
"يعاقب بالإعدام كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، على خلاف أحكام القانون، جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة أو فرعا لإحداها، أو تولى زعامة أو قيادة فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها"... ويعاقب بالسجن المؤبد كل من انضم إلى إحدى هذه الجمعيات أو الهيئات أو المنظمات أو الجماعات أو العصابات أو أحد الفروع أو شارك في أعمالها بأية صورة، وهو يعلم بأغراضها الإرهابية.
وقارنوا بين هذه العقوبة، وعقوبة التدريب على الأسلحة في المادة 8 التي تنص على:
"يعاقب بالسجن المؤبد أو السجن الذي لا يقل عن عشر سنوات، كل من درب شخصا أو أكثر على استعمال الأسلحة أو المفرقعات أو غيرها بقصد الاستعانة به في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون. ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، كل من تدرب على استعمال الأسلحة أو المفرقعات أو غيرها من التدريبات بقصد ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة السابقة".
اما المادة 9 من القانون، فكيف يفسرها من رغب في التسجيل والتحدي في قانون الجمعيات السياسية:
يعاقب بالسجن المؤبد كل من أدار منظمة أو جمعية أو مؤسسة أو هيئة خاصة أنشئت طبقا للقانون، واستغل إدارته لها في الدعوة إلى ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
المادة 10 ترتبط بممارسة المواطنين لمعتقداتهم ومشاعرهم الدينية، إذ تنص على
"يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استغل الدين أو دور العبادة أو الأماكن العامة أو المناسبات الدينية في بث دعايات مثيرة أو أفكار متطرفة أو رفع لافتات أو وضع رسوم أو ملصقات أو صور أو شعارات أو رموز من شأنها إثارة الفتنة أو التحقير من الأديان السماوية أو رموزها أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو اضطراب الأمن أو النظام العام".
أما ما يخص الترويج والاصدارات، فيأتي القانون ليوقع العقاب الشديد عليها كما يلي (المادة 12):
يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن ألفي دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار كل من روج أو حبذ، بأية طريقة، أية أعمال تكون جريمة تنفيذا لغرض إرهابي.
ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من حاز أو أحرز بالذات أو بالواسطة محررا أو مطبوعا يتضمن ذلك الترويج أو التحبيذ إذا كان معدا للتوزيع أو لاطلاع الغير عليه، وكذلك كل من حاز أو أحرز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية أيا كان نوعها، استعملت أو أعدت للاستعمال ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة ذلك الترويج أو التحبيذ.
المادة 14 تحدد العقوبة لم يتصل أو يتواصل مع أي مؤسسة او هيئة او منظمة خارج البحرين:
يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، كل مواطن تعاون أو التحق بأية جمعية أو هيئة أو منظمة أو عصابة أو جماعة، أيا كان تسميتها، يكون مقرها خارج البلاد وتتخذ من الإرهاب أو التدريب عليه وسيلة لتحقيق أغراضها، إذا كانت أعمالا غير موجهة إلى مملكة البحرين..
المادة 18 تعاقب على " الشروع في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة". وحتى إذا لم يتم على "الجريمة" أثر، فإن القانون يعاقب كل من حرص على ارتكاب جريمة تنفيذا لغرض إرهابي أو اتفق مع غيره على ارتكابها يعاقب بالعقوبة المقررة لها، كما في المادة 19.
وفي المادة "24"، يجوز في الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون، فضلا عن الحكم بالعقوبة المقررة، الحكم بتدبير أو أكثر من التدابير الآتية:
1- حظر الإقامة في مكان معين أو في منطقة محددة. 2- الإلزام بالإقامة في مكان معين. 3- حظر التردد على أماكن أو محال معينة.
وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد مدة التدبير على خمس سنوات. ويعاقب كل من يخالف شروط التدبير المحكوم به بالحبس مدة لا تزيد على سنة
دور الإدعاء العام
ومن حق الإدعاء العام تسنم سلطات القاضي واقرار حبس اي متهم لمدة تصل الى 90 يوما على ذمة التحقيق، لحين ثبوت الجرم، كما وصفته المادة 29. ويستخدم كل ادوات التنصت والمراقبة وضبط الرسائل بجميع أنواعها والمطبوعات والطرود والبرقيات، وبمراقبة الاتصالات بجميع وسائلها، وتسجيل ما يجري في الأماكن العامة أو الخاصة، كما أوضحته المادة 32. كما يحق له الاطلاع أو الحصول على أية بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الأمانات أو الخزائن لدى البنوك أو غيرها من المؤسسات المالية أو المعاملات المتعلقة بها، كما في المادة 33. ويأمر، كما في المادة 34، بمنع المتهم من السفر أثناء التحقيق، أو أن يأمر مؤقتا بمنعه من التصرف في أمواله أو إدارتها أو غير ذلك من الإجراءات التحفظية، ويجوز أن يشمل أمر المنع من التصرف أو الإدارة، أموال زوج المتهم وأولاده القصر، إذا ثبت أن هذه الأموال قد آلت إليهم من المتهم.
الإستنتاجات
- أن النظام قد عزم على ملء سجونه مرة أخرى ولكن هذه المرة بالقانون المشرعن من خلال مجلس المعاق. فإن وضع الإنفتاح قد هيأ بلاشك لأنشطة احتجاجية رافضة لكثير من مواقفه وبرامجه. وسيتقدم هذا الرتل من المعتقلين، الشخصيات النشطة التي يرى فيها النظام تهديداً لبرامجه، وخططه الرامية الى تخدير الشعب وسلب ارادته وتحويله، باسم القانون، مع كل الإحترام، الى عبيد ومسلوبي الإرادة والكرامة.
- أن اقرار هذا القانون سيكون على يد من هم محسوبون على الشعب ومن هم يمثلونه ـ وبالتالي يكتسب هذا القانون، كما اكتسب سابقه- قانون الجمعيات السياسية- صفه يرى فيها البعض شرعية.
- أن هذا القانون يمثل قطعة من قوانين احكام القبضة المشرعنة والمتلبسة بقوانين النظام التي سيسعى من خلالها وبمساعدة النيابة العامة والقضاء للجم أي تحرك فردي أو جماعي، من خلال مؤسسة مسجلة أو غير مسجلة، وسلبه أي حرية في التحرك ميدانياً والتعبير عن أي حالة رفض أو احتجاج في داخل وخارج البحرين. من هذه القوانين:أ- قانون الجمعيات السياسية للجمعيات السياسية، ب- قانون الإرهاب للمواطنين، ج- قانون التجمعات والمواكب للمؤسسات الدينية ومواكب التعزية والعزاء، د- قانون الجمعيات الاهلية للمؤسسات الثقافية والأندية، هـ- قانون النقابات. وقد سبقهم قانون الصحافة والطباعة والنشر الذي صدر قبيل انعقاد مجلس الشورى نصف المنتخب من ضمن حزمة القوانين الـ56.
- ان اعطاء الشرعية وتجذير قانون الجمعيات السياسية، وهو قانون الإرهاب الأول، من خلال قبول التسجيل فيه سيكون الممهد لتمرير قانون الإرهاب الثاني: قانون بشأن مكافحة الإرهاب، حيث ان القبول به سهل اقرار القوانين الأكثر تعسفية ومصادرة للحقوق الاساسية، وحينها سيكون الوقوف مستحيلاً والمقاومة ضرباً من الخيال.