Monday, October 17, 2005

De Facto & De Jury

الجمعيات السياسية بين "دي فاكتو" و"دي جوري"
:De Facto الشرعية الواقعية
De Jury: الشرعية القانونية

عبدالجليل السنكيس

عند ما احتل الصهاينة فلسطين وطردوا اهلها وصادروا الأراضي والمزارع والممتلكات، وجلبوا آلاف من أصقاع الأرض ووطنوهم، كانوا يتبنون مبدأ خلق واقع جديد يصعب تغييره، حتى باللجوء الى الشرعية الدولية التي تبنت وتعاطت مع الواقع الجديد المفروض واسمته دولة اسرائيل. كان اليهود، ومن خلال تسخير وسائل التأثير المختلفة- المالية والإعلامية والسياسية- يشيعون بان اليهود شعبٌ بلا أرض، وفلسطين أرض بلا شعب، وعليه فإن نزوح اليهود الى فلسطين أمر طبيعي. وفي ظل التواطؤ الدولي والإقليمي والتأثيرات المختلفة، حاول اليهود أن يخلقوا واقعاً جديداً يصعب تجاوزه.
لسنا الآن في صدد القضية الفلسطينية التي لن يتنازل عنها شعبها الفلسطني والعربي والمسلم، مهما عمل اليهود، وإن فلسطين ستعود بسواعد أبناءها، إن شاء الله. ولكننا في صدد التعرض لمحنة الجمعيات السياسية التي استطاع النظام أن يتلاعب بها كما يتلاعب الصبيان بالكرة. وصارت هذه التجمعات رهينة ردة فعل ومبادرات السلطة، تذهب بها يمينا وشمالاً. فمرة هي أحزاب سياسية على أرض الواقع، ومرة هي "تنشغل ولا تشتغل"،.

عندما بدأ عهد الإنفتاح السياسي واصبح لزاما التعاطي مع الكيانات الشعبية التي فرضت وجودها من خلال الإمتداد النخبوي والشعبي، تم اقتراح أن تنضوي هذه المجاميع تحت مظلة القانون لتكسب شرعية قانونية أو ما يسمى بـ "دي جوري"- de jury. وحيث لم يكن هناك استعداد واقعي لتعاطي السلطة مع الواقع الجديد بكل أمانة، كان لا بد من حركات التفافية تعمل على تصفية هذه القوى الشعبية وإفراغها من مضامينها، إبعاد قواعدها عنها عبر مبدأ التململ والواقعية، وتحويلها الى مؤسسات مسايرة تدعم مشاريع السلطة وتتخلى في نهاية المطاف عن أصل وجودها، وهو المطالب الشعبية الحقة.

بدأت السلطة بفرض عملية الإنضمام الى قانون الجمعيات السيء رقم 21 لعام 1989م، ولكن بتجميد تفعيل المادة 18، بإرادة سياسية. فلم يتم إلغاء هذه المادة أو تعديلها، بل تم التغاضي عن تحريكها لحين التوصل الى الحركة التالية من مشروع التفريغ السياسي. وبفعل فرض سياسة الأمر الواقع، وهو ما يطلق عليه بـ"دي فاكتو"-de facto، نجحت السلطة في الزام الجميع في داخل البحرين، ممن يريد أن يعمل أو ينشط سياسياً، أن يسجل تحت مظلة ذلك القانون المنتهك لحرمة وحرية تلك المجاميع الشعبية. وصار كل من يبدي أي توجه لإبداء موقف سياسي معارض خارج تلك المظلة "الواقعية"، يعتبر فاقداً للشرعية القانونية أو "دي جوري"-  de jury، بغض النظر عن ملائمة ذلك القانون لمبادئ الحريات العامة والمواثيق الدولية من جهة، وخنقه لأصوات المطالب الشعبية من جهة أخرى.
لقد تبنت السلطة في أكثرمن محطة سياسة الأمر الواقع، وفي مجالات أخرى سياسة الشرعية القانونية. فمصادرة الدستور العقدي لعام 1973م وفرض دستور 2002م بشكل انفرادي هو أبلغ مثال على اتباع منهجية فرض الأمر الواقع. كما استخدمت سياسة الشرعية القانونية لمحاربة التوجهات الشعبية المطالبة بالحقوق الدستورية والرافضة للدستور المنفرد، وذلك عن طريق تفعيل قوانين مصادرة الحريات وكبتها وخنق الأصوات مثل قانون التجمعات لعام 1973، قانون العقوبات لعام 1976، قانون الصحافة والنشر لعام 2002، قانون العفو عن مرتكبي جارئم التعذيب رقم 56 لعام 2002م، وغيره من القوانين التي تحد من حرية التحرك الرافض والمعارض.

وهاهي السلطة مرة أخرى تستخدم التكتيكين معاً، تكتيك فرض سياسة الأمر الواقع،- دي فاكتو، وسياسة الشرعية القانونية-دي جوري، لتفرض على الجمعيات السياسية  قانوناً سيئأ هو النتاج الوحيد من التشريعات  من المجلس الذي أفرزه  دستور 2002م. ويراد من خلال هذا القانون إدخال الجمعيات في قفص يؤدي بها إلى المشاركة في المشروع السياسي للسلطة حتى وإن كانت رافضة أو معارضة له.

وهاهي الجمعيات السياسية مرة أخرى تستجيب لهذه الأساليب، مما يعبر عن خلل كبير في طريقة تفكير ونفسية القيادات الحالية لهذه المؤسسات ومعرفة السلطة لقدرات ومؤثرات هذه القيادات ومحاولة التأثير على قراراتها من خلال هذين المفهومين. وآن الأوان لأن يفسح المجال لقيادات أخرى عارفة وقادرة على مقارعة النظام ونقل مستوى التعاطي السياسي من موقع التلقي وردود الفعل الى مستوى المبادرة والبرامج والمشاريع التي تحتل فيها الورقة الشعبية مساحة أكبر، في القرار و التنفيذ.
الشرعية للحق والمبادئ وليست لقوانين قتل الحق والثوابت. الشرعية لا تأتي من خلال المصدر فقط ولكن من خلال الإيمان بشرعية ذلك المصدر والتي تأتي من  ثوابت الأمة وإيمانها، وتوافقها على أن ذلك المصدر هو مصدر تشريع وقد تعاقدت عليه.
الأمر الآخر، بما أن مجالس إفراز دستور 2002 المنفرد، هي مجالس لم يتم الإتفاق أو التوافق عليها، بل فرضها رأس النظام فرضأ، فإنها تفقد الصفة التعاقدية، ولا يمكن وصف ما يصدر منها أنه شرعي. وعليه، فإن هذا القانون- قانون العقم والقمع السياسي، وما سيأتي من قوانين أمن الدولة: التجمعات والمواكب، الإرهاب، الولاء الوطني، كلها قوانين تفتقد الشرعية، ففاقد الشيء لا يعطيه. دستور 2002 فاقد الشرعية، والمجالس المتولدة منه، وكذلك ما يصدر عن تلك المجالس.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال، فرض تلك المجالس وما ينتج عنها كأمر واقع-دي فاكتو، ولا يمكن التعامل مع القوانين والتشريعات بعنوان الشرعية القانونية، دي جوري.