Friday, March 03, 2006

خارطة الطريق

عندما تضيع البوصلة#2:
خارطة الطريق
عبدالجليل السنكيس
البحرين:22 فبراير 2006م

جاء قرار المقاطعة في الجمعيات السياسية الأربع في 2002م بعد ولادة طبيعية اتسمت ببرنامج متكامل من الإستشارات على مستوى النخب، والرموز والقيادات الجهادية ورفقاء الدرب، كما كان للقاعدة الشعبية الدور المتميّز. ومما أذكره جيداً أن جمعية الوفاق لوحدها أجرت أكثر من خمسة (5) استفتاءات أولها في جمعية المهندسين عندما اتخذ قرار المشاركة في الإنتخابات البلدية، وآخرها في مركز السنابس الثقافي، حيث اجتمعت اكثر من 200 شخصية من طلبة العلم والمهنيين والكوادر. ولا أنسى الإستبيانات التي قامت بها كل من لجنة الدراسات والبحوث واللجنة السياسية، والتي استقرأت وجهات نظر القواعد الشعبية والنخبة، بعد ان قدمت كل منهما دراسات مستفيضة تتناول إيجابيات وسلبيات المشاركة والمقاطعة في انتخابات اكتوبر 2002م. لقد كانت هناك مداولات مطولة- في الجمعيات الأربع والتجمعات المستقلة- تناولت بالبحث والتمحيص الخيارات المطروحة. وكلها، استفتاءات دراسات، لقاءات، مداولات، محاضرات مثلت جزءاً من خارطة طريق للوصول الى قرار المقاطعة في 2002م. وقد استلزم ذلك القرار، خارطة طريق اخرى للضغط من أجل نيل الحقوق عبر ذلك الموقف، وهو أمر لم يحدث لضياع البوصلة، أو تغير أجندة المعارضة. هذا أمر سنتطرق له مستقبلا، ولكن دعونا فيما نحن فيه من ضياع للبوصلة الحالي.

هل هناك خارطة طريق للوصول (لإعادة) الى قرار المشاركة / المقاطعة في 2006م؟

المنطق يقول، لابد من اتخاذ آليات مشابهة، او تطويرها، إن ثبت عدم رجحانها، فلا بد من الاستناد على الأمور الآتية:
1) القاعدة الشعبية: وحيث هي الكتلة الحرجة أو الجهة التي ستنجح القرار أو تفشله، فلابد من ان تكون شريكاً أساسيا في طبخ ذلك القرار. ولا أعتقده أخلاقيا، أن يطلب من القاعدة أن تفعل أي قرار جديد دون أن تكون قد شاركت في صياغته. وأوليات تلك المشاركة، الإعتراف بوجود تلك القاعدة في آليات اتخاذ القرار. أما أن تهمش، وأن تترك في الظلام دون علم بحقيقة التوجهات التي تطبخ في الظلام مع بعض انواع "النخبة"، فذلك أمر، لعمري، بغيض بغيض. ويستوجب رد بني إسرائيل السلبي "إذهب أنت وربك قاتلا، إنا ههنا قاعدون". أي لا تحسبونا جنوداً لكم، فلنا إرادة ونحن هنا.
وفي حال تم إشراك القاعدة، بآلياتها المختلفة، حقيقية وليست صورية، فإن الرد سيكون مختلفاً. حينها سترد القاعدة، بأننا الحواريون، وسنعمل ما في وسعنا لإنجاح القرار الذي شاركنا فيه، ونتحمل وزر نجاحه أوفشله.
2) النخبة المتنوعة: ليست التجار فقط، ليست شريحة من الطبقة الوسطى فقط، ليس من يحمل هوى المشاركة فقط، إنما جميع مكونات النخبة. وأقصد، بغض النظرعن هوى وخلفية النخبة، فلا يجب التبعيض، ويجب إشراك جميع المهن، والحرف، والمكونات الإجتماعية من خلال برنامج متكامل يشرك الجميع ولا يقصي أحداً.
3) قوى التأثير: ولا أقصد هنا رمزاً دينياً او سياسياً معيناً. بل يجب إشراك جميع الرموز، والكوادر السياسية المؤثرة، من خلال دائرة استشارات واسعة ومتنوعة في الخبرات والطاقات.
4) ذوي الإختصاص القانوني والدستوري: حيث أن هؤلاء من يعرفون المفردات القانونية والدستورية، ولهم علم وخبرة بما تم إحداثه عبر دستور الشيخ حمد للعام 2002م والقوانين المكملة للقبضة الحديدة، ويمكن أن يقدموا "الفتوى" القانونية اللازمة للقرار وإمكانية التغيير والتعديل. وحيث إن القرار يستلزم البعد السياسي والقانوني، فإن أي قرار دون أصحاب الفتوى، فهو قرار ناقص، ويجانب الحكمة والصواب.
5) مؤسسات المجتمع الأهلية: حيث يتم الإستفادة من خبرتها ونظرتها للأمور، وتستطيع أن تثري الموقف وتلعب دوراً مهما في إنضاجه. وأشير هنا للمؤسسات الحقوقية، الدينية، المهنية، التخصصية، وغيرها.

ومن المفترض أن يتم التركيز على الجوانب الآتية في الطرح:

أولاً: الأبعاد الدستورية والقانونية:
وحيث أنه تم إثراء هذا الجانب من قبل المختصين، فيتم التذكير بالقيود والمساحة الحقيقية للتغيير الدستوري، وأثر ذلك على التشريع والرقابة. كما تتم الإشارة الى القوانين المكملة لعملية التقييد والتكبيل للعنصر المنتخب، إضافة الى أي استحداث في هذا الجانب منذ العام 2002م.

ثانياً: السيرة الذاتية والتجربة:
من ضمن النقاط المهمة التي أشارت لها مداولات الداعين للمقاطعة في 2002م، هي الدور الفعلي للمشاركين بعد دخول مجلس نواب الشورى، والذي كان حينها فرضية وتصوراً ينقصه الاستقصاء العملي والتجربة. (هذا هو الإسم الحقيقي للمجلس بعد توصيف رئيس وزراء البحرين الاوحد الشيخ خليفة بن سلمان في لقاءه مع رئيس المجلس خليفة الظهراني في رمضان الفائت حين قال (للظهراني) بأن الحكومة لا تستغني عن مشورتكم- يقصد مجلس النواب). أما الآن، فبالإضافة الى النقاط الخاصة بالقيود القانونية المشار إليها في دستور الشيخ حمد للعام 2002، هناك تجربة غنية لدورة كاملة، اتضح فيه للعيان المساحة المسموحة وقدرات المنتخب، دور المعين ومناطق تاثيره، وصلاحيات السلطة بقطبيها: الشيخ حمد بن عيسى بموقعه، والشيخ خليفة بن سلمان بموقعه. عشرات من المشروعات بقوانين برغبة. وعليه، فإن هناك إثبات عملي لقدرة المشاركين، الذين اقتصر دورهم على الصراخ، وفق ايقاع معين. فليس لهم الحق في الكلام كلما دعت الظروف أو اشتهت أنفسهم. النظام ليس غبياً ولديه من الخبرة والخبراء، وقد تم السماح لهذا الجانب بقدر معلوم، ليعطي للتجربة نكهة "عربية" خاصة. النظام قادر على إسكات من يريد من نواب الشورى، والإيعاز للآخر بالكلام. وتجربة السنوات السابقة خير برهان، ولا داعي لإستهبال الناس وايهامهم بان المشاركين سوف يتمكنون من الحديث والصراخ كيفما شاءوا. اللعبة محسوبة ومقننة ومحكمة، ولا يسمح للمتطفلين أن يعبثوا بها.

ثالثاً: مقاييس المصلحة: المكسب والخسارة:
يتم ذلك من خلال دراسة مقارنة للوضع السابق والحالي، واستنطاق الظروف في ظل منهجية اتخاذ القرار في البلاد ومن ثم اسقاطه على القطاع الشعبي. البعد الإقتصادي وأثره على القطاع الأوسع، وامكانية المشاركة في انتخابات 2006م من تعديل ميزان توزيع الثروة بحيث يحصل المحرومون من الشعب (وليس النخبة المنتقاة فقط) على جزء من الغنى الموجود في البلاد ولكنه يذهب في جيوب من يظهر الولاء. هل يمكن تبرير المشاركة بقدرة من يتم انتخابهم على تعديل هذه المعادلة السياسية (التفقير والحرمان للإضعاف وإحداث الفرقة والطبقية المجتمعية)؟ هذا أمر أثبته السجل السابق، وفي ظل القيود الدستورية والقانونية، وأجواء "الحياة النيابية" وعلاقتها مع السلطة، بالفشل الذريع، وما قضية السواحل، والأراضي العامة المنهوبة، وأموال التأمينات ببعيد.

رابعاً: خطة واضحة لـ"ما بعد":
لابد من وضع الجماهير في تصور مبدئي –خطوط عامة- لمرحلة ما بعد القرار. وهذا ينطبق على القرار الجديد، او القرار السابق. لم يعد كافياً أن تخذ قراراً لمرحلة ما، دون أن نعرف تواصلها مع المرحلة التي تليها، وهو أمر يرتبط بالإيمان الحقيقي بالمرحلة وأهميتها، والقدرة على قيادة أدواتها، إضافة لسمات خاصة بقيادة المرحلة. لا أريد ان أخوض كثيراً في هذا الجانب، ولكن أؤجل تفصيله لاحقاً. ما يهم هو تواصل المراحل، وضرورة أن تكون القاعدة الشعبية على علم بسمات هذه المراحل، وحتى يمكن بعض تفصيلاتها في بعض الأحيان، حتى تتمكن من فهم الدور المطلوب منها وتلعبه بقناعة، وليس بانجرار.

الخلاصة:
هذا نموذج وخطوط عامة لخارطة طريق تقودنا لإتخاذ قرار جديد أو تأكيد استمرار القرار السابق الرافض لأن يكون مقيداً ضمن أسس اللعبة، حدودها ومكوناتها. وكلا الخيارين يستدعي وجود "خطة طريق" أخرى تواصل المشوار دون كلل أو ملل، مستخدمة كل وسائل الضغط الممكنة، بما فيها وسائل المقاومة المدنية المدولة.

فهل ما سيتخذ (أو ما تم اتخاذه) من قرار، سيتبع هذه الخطوط العامة؟ أم أن هناك خطة طريق أخرى؟ من حقنا وحق الشعب أن يعلم، حتى يتخذ القرار الجماعي المسئول.