Wednesday, May 30, 2007

صنع الفقراء والمتسولين في البحرين

صنع الفقراء والمتسولين من شعب البحرين

عبدالجليل السنكيس
29 مايو 2007م
كلما وددت أن أكتب في موضوع، غصصت بآخر، حتى كاد القلم أن يجف، وكدت أصاب بداء الإحباط واليأس- الذي نال الكثير من الكوادر
والنشطاء- من تغيير الحال. فمقابل طيبة هذا الشعب، يقابل بالغدر والمكيدة والتآمر، ومقابل السماحة والقناعة، يقابل بسرقة قوته وثرواته، ومقابل التسامي على الجراح، ومحاولة نسيان الماضي، على ما فيه من معاناة، يقابل ببرامج تهجيره (سنعود لذلك لاحقاً بكشف إحدى ملفات التهجير المقنن) من أجل لقمة العيش تارة، ومن أجل الكرامة تارة أخرى، ومن أجل الأمن والأمان تارة أخرى. فماذا جنى شعب البحرين، حتى يعاني ما يعاني ويقاسى برغم كل تلك السماحة والدماثة ورفيع الخلق؟ هل يجب عليه أن يتخلى عن خلقه ويطالب عن حقه بالقوة، حتى يتم احترامه، وهل يجب أن ينتشر الخراب والدمار في هذه الأرض حتى تسمع صيحة أبناء وبنات هذا الشعب؟
وسبب هذا المقال، هو ما قرأته منذ عدة أيام، بشكل يومي وحتى هذا اليوم، وتغطية في جريدة الوقت، بخصوص البحث عن آلية لتوصيل الدعم المالي للأسر البحرينية الكريمة. وقد جاء في موضوع الجريدة:

"علمت «الوقت» من مصادر مطلعة، أن لجنة توصيل الدعم لمستحقيه وضعت أمام الحكومة سيناريوهين اثنين يتعلقان بطريقة إيصال الدعم إلى مستحقيه، كإجراء بديل عن الدعم المباشر للمواد الاستهلاكية.

وذكرت المصادر أن السيناريو الأول يتضمن توجيه الدعم إلى المواطنين عن طريق البطاقات التموينية (الكوبونات)، في حين يشتمل الثاني على دعم الأسر مادياً وبشكل مباشر (علاوة معيشة). ولم تحدد اللجنة سقف الدخل الذي ستصرف علاوة المعيشة بناء عليه، بحسب السيناريو الثاني، في حين أن هناك 3 احتمالات تبحث، حيث من الممكن اعتماد 400 دينار فما دون، أو 500 دينار فما دون، أو 1000 دينار فما دون بالاعتماد على عدد أفراد الأسرة ودخل الزوجين معاً. واستبعدت المصادر السيناريو الأول والمتعلق بالبطاقات التموينية (الكوبون) لعدم نجاح الطريقة في بعض الدول التي اتبعتها، بسبب قيام المواطنين ببيع البطاقات في السوق السوداء. وبحسب الأرقام، فإنه إذا تم اعتماد سيناريو تقاضي الأسرة رواتب ذات دخل أقل من 400 دينار، فإنه سيشكل 89% من الموظفين، وترتفع هذه النسبة في حال اعتماد الـ 500 دينار فما دون، أو ألف دينار بشكل متفاوت. وبيّنت أن المبلغ الشهري المتوقع تقديمه للأسر المستحقة للدعم يصل إلى 30 ديناراً شهرياً.
الوقت- 29 مايو 2007م
[1]

نسبة الفقراء:

نسبة الموظفين الذين يتقاضون رواتب أقل من 400 دينار هي 89 %، والنسبة تزيد إذا أخذ في الأعتبار من يتقاضون أقل من 500 دينار شهرياً. إن هذه التوجه، يدلل على استحقاق من يتقاضي أقل من 400 و500 دينار شهرياً، نظراً للتضخم في الأسعار، احتكار البضائع، انتشار حالة الفساد الإداري والمالي، وتخلي السلطات عن دورها ومسئوليتها في حماية ورعاية المواطنين مادياً، على أقل تقدير. تمثل هذه الأرقام حالة من وضع البحرينيين المادي السيئ، بحيث تفكر الحكومة في خيار البطاقات التموينية – وما يرتبط به من فساد من جهة، وحالة إذلال وسيطرة من جهة أخرى، يذكرنا بالوضع في الاتحاد السوفييتى السابق، وفي دول الدكتاتوريات المؤسسة على المافيا عصابات المال.

وضع الفقراء- أغلبية الشعب فقير أم مفقر:

إذا كان تقييم الوضع بالنسبة للأسر ذات الدخل الذي يصل 400 و كذلك 500 دينار شهرياً ( ويصل لألف دينار) بأنه وضع يحتاج الدعم المادي، فماذا نقول عمن لا يتجاوز راتبه 100 و120 دينار شهرياً؟ كيف يستطيع أولئك، وهم أعداد كبيرة جدا من شعب البحرين، تحت هذه الخط، في معاناة ومغالبة للمعيشة. بعضهم، يستلم إعانة من الصناديق الخيرية، بعضهم يجود عليه أصحاب الأيادي البيضاء من أبناء الشعب بشكل مباشر، وبعضها، لا تتحمل كرامته أي إعانة من أحد، فهو إما أن يبحث عن أي عمل إضافي آخر، حتى وإن اضطره لأن يعمل "حمّالاً"، أو أن "ينظف" سمكاً، أو غيرها من المهن في أحد الأسواق، وهي مهن لا تدر على صاحبها إلا النزر القليل في ظل المنافسة الشديد من المتكدسين عليها من البحرينيين، الأَصليين و"المستوردين".

قانون خاص للتسول في البحرين، وما هي أسبابه ودلالاته؟

صدر يوم أمس الأول قانون "مكافحة التسول والتشرد" رقم 5 لعام 2007م. وقد جاء في ذلك القانون أنه "يعد متسولاً كل من وجد في الطريق العام أو الأماكن أو المحلات العامة أو الخاصة يستجدي صدقة أو إحساناً من الغير حتى وإن كان غير صحيح البنية أو غير قادر على العمل." وكذلك "يعتبر من أعمال التسول ما يأتي: عرض سلع تافهة أو ألعاب استعراضية أو غير ذلك من الأعمال التي لا تصلح مورداً جدياً للعيش بذاتها، وكان ذلك لقصد التسول، اصطناع الإصابة بجروح أو عاهات أو استعمال الأطفال أو أية وسيلة أخرى من وسائل الغش بقصد التأثير على الجمهور لاستدرار عطفه".

أليس غريباً أن يصدر مثل هذا القانون في البحرين- هذه الدولة الغنية في نفسها، الفقيرة مقارنة بغيرها من دول الخليج؟ وصل الحال لوضع الناس وضيق الحياة عليهم انتشار حالة التسول بشكل ملفت، بحيث أن السلطات تستخدم قوة القانون- كما تستخدمه لمنع أي مظهر من مظاهر التعبير والاحتجاج- لمنع بروز تلك الحالة في الشارع وأمام أعين الناس. إلا يدلل ذلك على وضع اقتصادي واجتماعي سيئ ومتدني، بحيث يلجأ ويضطر- وبعضها يمتهن مهنة- للتسول ومد يده للآخرين، ويكشف وجهه- الذي فقد أي ماء، بعد مد اليد وتعاطي الآخرين، من تجاوب أو رفض أو نهر؟

ألا يشين هذا الوضع – وهو اضطراري للبعض- البحرين والبحرينيين؟ كيف يرضى النظام والعائلة- إذا كانت تدعي الانتماء لهذه الأرض- أن تنتشر هذه الظاهرة في البحرين؟ لم تأت هذه الظاهرة من فراغ، كما لم يأت انتشار غيرها من الظواهر الاجتماعية، كالسرقة والجريمة، والدعارة والمخدرات والاعتداء على الآخرين، بشكل يعبر عن طبيعة شعب البحرين. فهذه ليست طبائعه لم تكن فيه، ولم تترعرع في وسطه، ولكنها جاءت ردة فعل ونتيجة طبيعية لحالات الإفقار والإدقاع وسحق الطبقة الوسطى وكبسها باتجاه الطبقة الدنيا، لتوسيعها وخلق طبقتين في المجتمع؛ طبقة غنية فاحشة الغناء، تنال ما تشاء دون جهد أو عناء، وطبقة مسحوقة، لا تكاد تعيش وتحس بوجودها، همها لقمة العيش غير المضمون. وهذه السياسة الفعالة التي تنتهجها الأنظمة العربية وفي مقدمتها راعية النهضة العربية- مصر، وسوريا والأردن وغيرها، بقصد التحكم في زمام الأمور، ولجم التحركات الشعبية المطالبة بالمشاركة في السلطة والثروة.

النظام البحريني- على خلاف أنظمة دول الخليج- لم يكتف بإتباع منهجية التفقير المستقاة من تجارب الدول العربية التي ذكرت، ولكنه تعدى على تلك الأنظمة بانتهاج أساليب أكثر تدميراً للشعب. في مقدمة تلك البرامج استيراد الجنسيات المختلفة- وتخفيف الضغط الذي تمثله على أوطانها اقتصاديا واجتماعياً- وتمكينهم اقتصاديا في البحرين. وهذا أمر لم يحدث في أي من تلك الدول المشار إليها. فلم نجد ان مصر تستورد سويين وتمنحهم الوظائف على حساب المصريين، أو أن يقوم الأردنيين باستيراد المصريين وزرعهم في وزارات الأردن ومؤسساتها على حساب مواطنيها، ولم نرى أن اليمن دعت السوريين او الأردنيين أو المصريين للانتقال لها ووفرت لهم الوظائف والسكن والأمن الاجتماعي. النظام البحريني هو المتفرد الوحيد بين الدول العربية الذي ينتهج هذه المنهجية دون مراعاة لآثاره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد ذهب النظام أبعد من ذلك، حينما تخلى عن مسئولياته تجاه البحرينيين، وبدأ بالتنسيق مع دول الجوار للمساعدة في صنع عمالة مهاجرة ومهجرة تترك بلدها ووطنها الذي يحتضن غير البحرينيين. وفوق كل ذلك، فهو يترك مسئوليته عن توظيف من يبتعثهم للدراسة على حساب الدولة، وبعنوان فتح المجال- وكأنه مفتوح للجميع- للانتساب لأي مؤسسة يشاءون بعد تخرجهم أو انتهاء بعثاتهم. إنها وسيلة لتخلي الدولة عن توظيف المواطنين، أو ترقيتهم بعد ابتعاثهم، بل هي فسح المجال لهجرة وتهجير العقول البحرينية لخارج الوطن (ملف سنتناوله لاحقاً).

مقدرا الدعم: 30 دينار شهرياً- تفنن في الإذلال

تصوروا مقدار الاذلال والمهانة، 30 دينار شهرياً إعانة لكل أسرة، وهي لا تساوي ثلث يومية وكيل الوزارة المنقطع عن العمل لعشر سنوات ولا زال يستلم راتبه في إحدى الوزارات (انظر الوسط العدد 1719 - الثلاثاء 22 مايو 2007 الموافق 6 جمادى الاولى 1428 هــ
[2]). ألم تقل تصرح الحكومة من يومين بعد كشف الحساب الختامي الموحد للدولة لعام 2006 عن تحقيق فائض تجاوز ١٤١ مليون دينار؟ ألم تستند هذه الحكومة الفاسدة والطائفية بامتياز على مقدر 40 دولار لبرميل النفط في حين انها تبيعه بأكثر من 60 دولار في السوق العالمية؟ أين المائة وخمسين ألف برميل (نصيب دخل النفط من بئر أبي سعفة البحري، وهو الذي تتقاسمه البحرين مع السعودية مناصفة. يبلغ الانتاج اليومي لهذا البئر حوالي 300 ألف برميل يومياً. فإذا كان قيمة البرميل النفط في السوق العالمية 60-70 دولار، فمع أعتبار القيمة الدنيا، فإن مدخول هذا البئر للبحرين - يومياً- 9 مليون دولار فقط، لاتدخل في ميزانية الدولة وإنما في جيب الشيخ حمد وعائلته).

أما عن قيمة الأراضي، البرية والبحرية، وهي أعلى قيمة ومدخولاً من النفط والغاز، فقد استحوذ عليه أبناء الشيخ حمد عبر شركات التمويل، والإستثمار والعقارات، التي تغص بها البحرين بأسماء مختلفة، ولكنها كلها مملوكة لـ"أبناء الملك". فهناك درة البحرين، وأمواج، وتوسيز، وإعمار، ورفاع فيوز، وغيرها، يتلاعب الصبيان بأموال الشعب المسروقة، بينما تفكر "الحكومة الرشيدة الموقرة" بوسيلة تتفضل بها بدينار واحد يومياً على العوائل التي يقل مدخولها عن 400 أو 500 دينار.

وتأتي المسخرة الأخرى، بأن الزيادات والتفضلات والمكارم التي يتفضل بها النظام يعطيها بيد ليأخذها باليد الأخرى. فيفكر في المعونات، البونس، والزيادات في الرواتب، ليسترجعها مرة أخرى من خلال الزيادة في الإستقطاعات، و"الضرائب غير المكتوبة"، عبر صندوق دعم التعطل والتأمين عليه، وصندوق التقاعد وتسديد النقص الذي نتج بسبب السرقات التي أصدر عنها مجلس 2002 شهادة زور، عفواً الزيادات المطلوبة من الخبير الإكتواري لتمكين الصندوق من القيام بدوره المستقبلي في دفع الإستحقاقات!!!

وبالتالي، فإن النظام لم يعمل بشكل جدي لرفع مستوى الدخل، وحماية المواطنين من طائلة الفقر، بل عمل من خلال سياسته المبنية على الولاءات، من تقريب وإغناء من يواليه، فيغدق عليه ما يشاء، فهو عضو في الشورى، ومجلس أعلى، وصاحب مركز، وكاتب، وأمين عام، وعضو منتدب، وهكذا المسميات التي ينتج عنها دخولات من مصادر شتى. وكيف لا يقوم أولئك بالدفاع المستميت عن النظام، على كل منبر وفي كل مكان، وهو يغدق عليهم- كما يغدق على المرتزقة الذين يأتي بهم من الخارج ليساهموا في إفقار الشعب ومحو وجوده.

إنما يقوم به هذا النظام الدكتاتوري المتفرد والمتسلط، هو إتباع سياسات متوازية، من التفقير والتهجير وإحلال الشعب بشعب آخر، كل ذلك للتفرد بالسلطة والثروة. البحرين ليست فقيرة، والدليل على ذلك المباني التي تعانق السماء على حدود المنامة الشمالية، وتلك الجزر الصناعية التي تحاصر سواحل البحرين المسروقة، وتلك المجمعات التجارية التي بدأت تغص بها البلاد. إنما هي سياسة الاحتكار والتسلط على مصادر الدخل المختلفة والتي لا يريد النظام- ومستعد ان يصفي معارضيه الذين يكشفوا ذلك للعالم- أن يسمح لأحد أن يشاركه فيها.

وأعجب كل العجب من هذا الشعب المسكين الذي يرى ماله وثرواته يتلاعب بها الصبيان، وهو يمد يده – بكل ذل ومهانة- لدينار لا يكفي لقوته اليومي. وبينما يتنعم السارقين والفاسدين وأولئك الذين يستلمون آلاف الدنانير وهم في بيوتهم يتنعمون، لا يرى الالآف من الشعب ما يحفظ ماء وجههم، وعزتهم.

النتيجة:

يراد لهذا الشعب أن يكون فقيراً، لأنه "إذا دخل الفقر قرية، قال له الكفر خذني معك". ومتى ما أصبح الشعب فقيراً، فلن يسعى للمطالبة بحقه في السلطة والثروة التي تتفرد بهما العائلة ومن يلف حولها. وأخيراً، أتعجب، كما تعجب الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري الذي يقول، أعجب من لايجد قوت يومه، كيف لا يخرج للناس شاهراً سيفه. هذه ليست للعنف أو الإرهاب كما يصفون، وإنما هي للمطالبة المشروعة للانتفاع من مخرجات خير هذه الأرض ومواردها التي يجب أن ننتفع بها جميعاً، وبالتساوي، لا أن تتفرد بها
عائلة أو عوائل، ويموت الشعب فقيراً مدقعا. إن ذلك ممكن، متى ما عرفنا الحق وسعينا للمطالبة به، فما ضاع حق وراءه مطالب.
[1] http://www.alwaqt.com/art.php?aid=57459
[2] http://www.alwasatnews.com/newspager_pages/ViewDetails.aspx?news_id=48776&news_type=LOC&writer_code=