وحــش البحــــر
01/05/2008
زهراء مرادي
جريدة الميثاق
جريدة الميثاق
في غفلةٍ من القانون والضمير والوازع الأخلاقي أقدم ''وحش البحر'' على قضم سواحل جزيرتنا الوادعة والصغيرة متراً متراً، حتي لم يُبْقِ منها شيئاً. كان معظم سكّان هذه الجزيرة يدركون جيداً طمع الوحش وجشعه، لكنّهم لم يتصوّروا يوماً أنّ جشعه سيؤول إلي حرمانهم حتي من حقّ الفرجة والنّظر إلى البحر الذي يحيط بهم من الجهات الأربع. وعندما أعلن حاكم الجزيرة أنّ عهداً جديداً قد بدأ .. عهداً قوامه حاكمية القانون وسيادته .. أخذ النّاس يبحثون عن ساحلٍ كان يُدْعَي في يومٍ ما ساحل النّعيم، والسنابس، والبسيتين، وحالة بو ماهر، وغيرها من السواحل ... إلا أنّهم لم يعثروا لها علي أيّ أثر. في تعليقٍ طريفٍ - وليس طريف - للشيخ محمّد علي المحفوظ عدّ فيه سواحل البحرين من عجائب الدنيا السبع، وهي بالفعل كذلك؛ فالشركة الأمريكية ''سكودمور ونغز اند ميرل'' توصّلت إلي أنّ 3% فقط من سواحل البحرين هي لعموم المواطنين، والـ97% تخصّ عدداً محدوداً من الشخصيات النّافذة. معادلةٌ لم تتكرر - ولن تتكرر - إلا في عهود الفراعنة والأباطرة المستبدّين. لقد تحوّل هؤلاء المتنفّذون من استملاكهم اللامشروع إلى أصحاب الملايين والمليارات، فقد أخذوا ما ليس لهم وباعوها مرةً للحكومة ومرةً للشركات الاستثمارية. وكان من نتائج جشعهم وهوسهم بالمال أن دمّروا البيئة البحرية التي تكوّنت عبر آلاف السنين، وهدّدوا البحّارة في أرزاقهم، وأضرّوا بهذا الجيل والأجيال اللاحقة حينما وسّعوا من الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بينهم وبين عموم الشعب من الفقراء والمُعْدَمين.في الواقع لم يستفد من المشروعات التي أُقيمت على سواحل المملكة إلا ثلةٌ قليلةٌ من المتنفّذين والمستثمرين، أمّا عموم المواطنين فرغم تضحياتهم وجهودهم لم ينالوا إلا الحصرم .. وما عادت الأنشودة القديمة '' أيّها العنب الحبيب .. حصرمٌ كنتَ أم زبيب '' مقبولةً لديهم؛ فالنّاس قد ضاقت ذرعاً بما يدور حولها.إنّ حالتنا اليوم شبيهةٌ بحالة الشعب المصري الذي قدّم آلاف الضحايا في حفر قناة السويس، إلا أنّه لم يستفد من تلك المشروع الضخم لعقودٍ طويلة، فقد بلغ عدد المصريين الذين وُظِّفوا في شركة القناة '' في العام 1936م '' ثلاثة عمال فقط !! وحينما طُلبَ من الفرنسيين في العام 1864م إعادة بعض الأراضي التي نهبوها دون ثمن، أو أن يتنازلوا عن تسخيرهم للمصريين، أصدر نابليون الثالث حكماً بأن تدفع مصر لشركة القناة أكثر من 3 ملايين جنيهاً تعويضاً للشركة عن نصبها واحتيالها، كما يطالب اليوم هؤلاء المتنفّذون حكومة البحرين بتعويضهم عمّا سلبوه ونهبوه مجاناً من أراضٍ وسواحل وبحار .. وما أشبه اليوم بالبارحة!!إنّ مهمّة تأميم أو تحرير هذه السواحل هي مسئولية مجتمعية، يتشارك فيها المواطنون والمشرّعون. فالمجلس التشريعي أمامه جملة من الاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، والتي تلزم الدولة باحترام مياهها الإقليمية وحدودها الجغرافية، من قبيل اتفاقية جنيف لسنة 1923 الخاصة بتنمية القوي المائية، وقانون البحار لسنة 1982، وقانون رقم 20 لسنة 2006 بشأن حماية السواحل والشواطئ والمنافذ البحرية. أمّا على الصعيد الجماهيري فقد تحرّك أهالي البحرين الغيورون من المالكية إلى المحرق يطالبون باسترداد سواحلهم المنهوبة. ويرى المراقبون أنّ ملف السواحل من الملفات التي يمكن أن توحّد الشعب بكافة طوائفه وفئاته، فالهمّ واحد والتهديد مشترك. إنّ إنجاز مثل هذه المهمة لا يمكن أن تتم دون روحٍ مغامرة واثقة من نفسها ومن مطالبها. لقد اتّهم البعض جمال عبد الناصر بالمغامرة حينما أقدم علي تأميم قناة السويس، واليوم يصف البعض السيد حسن نصر الله بالمغامرة والتهور حينما يسعي لتأميم نهر الليطاني وحمايته من تجاوزات الصهاينة، لكنّ التجارب تثبت يوماً بعد يوم أنّ الحقوق يمكن استردادها متي وُجِدت العزيمة والإصرار، وما تجربة ساحل المالكية عنّا ببعيد