Thursday, April 16, 2009

راحــت الــســـكــرة.. ولا زلنا في السجن الكبير"البحرين" لأجل غير مسمى

راحــت الــســـكــرة.. ولا زلنا في السجن الكبير"البحرين" لأجل غير مسمى

الإنفراج المصطنع ..الإفراج المبتور .. الإلهاء والإلتفاف على المطالب

عبدالجليل السنكيس
15 أبريل 2009م

لم أشأ أن أعكر على البعض فرحته "المفرطة" في التعاطي مع الإفراجات، مع تقديري الشديد للجنبة الإنسانية ومعاناة المعتقلين الأحرار وأهاليهم وهم تحت سطوة جهاز "الإرهاب" الوطني ومعذبيه. وأعتقد أن هناك سكرة في التعاطي مع ما يسمى بالإفراجات، وبهجة مفرطة، وكانما قد حلت جميع مشاكلنا وتحققت مطالبنا التي بسببها اعتقل الأخوة الأعزاء وعذبوا لاقوا الآلام والويلات، عبر مسرحيات النظام غير المنتهية. لاأريد أن أهون من أهمية ما أنجز، والحمد لله والشكر لكن من ساهم بصورة أو أخرى في تحقيقه، وخصوصا أولئك الابطال المجهولون على الأرض، حيث صنعوا واقعاً أرغم النظام على التنازل والإفراج عن المعتقلين. ولكن لا نريد أن تستمر سكرة الفرح والبهجة عن التعاطي والإستمرار في التعاطي مع القضايا الحقيقية التي يعاني منها الشعب، ومطالبه الحقة.

ولهذا أشرت في مقالي قبل يومين ( بعنوان "في ظل عدم تحقق المطالب، سنظل نحفر في الجدار"- والموجود في مدونتي المحظورةhttp://alsingace.blogspot.com/2009/04/blog-post_12.html) وأكدت على المطالب الحقيقية لأبناء هذا الشعب التي لم تكن قضيته المعتقلين الذين تسبب النظام بتهور قياداته الأمنية في تأزيم الوضع وتوريطه. وأشرت الى مطالب أربعة أساسية، هي التي بسببها جن جنون النظام وأظهر هيسترية غير اعتيادية أدت الى اعتقال الرموز والقيادات الشعبية المعروفة الأمر الذي أدى الى تدهور الوضع الأمني والسياسي وانعكس على التقارير الدولية الأعلامية والحقوقية والدبلوماسية.

وقد أشرت في مقابلة مع البي بي سي http://www.facebook.com/ext/share.php?sid=68927382339&h=1sPf-&u=EaevK&ref=nf الأخيرة الى انني أتمنى أن لا تكون (هذه المرحلة) مؤقتة للالتفاف على حالة الغضب الشعبي والتفاعل الاعلامي، قبيل موسم سباقات الفورميلا واحد التي تصادف 24-26 ابريل.

ويبدو من خلال الأيام الماضية، بروز هذه الشكوك التي تدلل على توجه لإعادة التاريخ من خلال الخداع والتضليل والتلاعب والرهان على العاطفة والذاكرة الشعبية وسياسة الديفاكتو التي تعمل على خلق جو ووضع مسيطر يشغل الجميع عن القضايا الأساس.
من جانب آخر، فإن مؤشرات أخرى أشير لها الان، عززت من توجه تلافي بروز أي تعاطي أعلامي مع موسم سباقات الفورميلا واحد مع الإحتجاجات الشعبية، سواء ارتبطت بقضية استمرار المسرحيات الأمنية والتعذيب وتجاوزات حقوق الإنسان أو مع المطالب الشعبية وفي مقدمتها كتابة دستور عصري ديمقراطي يعترف بشعب البحرين له الحق في كتابة وصياغة دستوره بيده، ومناهضة جريمة استهداف وجود هذا الشعب من خلال الهندسة الديموغرافية عبر جلب وتوطين المرتزقة في البحرين.

من الدلائل التي تؤكد استمرار تحكم جهاز "الإرهاب" الوطني في الوضع الحالي وعدم جدية النظام في إغلاق الملف الأمني وفتح صفحة جديدة تبدأ بتوجه حقيقي وجاد للبحث في الإستجابة للمطالب الشعبية ما يلي:
1) استثناء معتقلي كرزكان والمعامير الأحرار من قرار الإفراج، بدعوى ارتباط ذلك بحق المتوفى في القضيتين. وحيث أن الأمر كان بصورته العامة شاملاً لجميع القضايا في المحكومة والجارية والمعدة للتناول القضائي، مما يجعل استثناء معتقلي حادثة "بخش" الموجودة في المحكمة، وحادثة المعامير الموجودة في النيابة العامة أمراً غير صحيحاً أو لائقاً. وكان بالإمكان الإفراج عن جميع المعتقلين، بما فيهم أولئك، فيما يتم النظر في الأمور الأخرى المتعلقة "بالدية" وغيرها، فالجميع يعلم أن الأمر متعلق بالسلطات وحدها، ولايمكن لأحد، مع الإحترام لعوائل "بخش ورياض"، من الوقوف أمام أي قرار لها، وأن هناك اتفاقات مسبقة مع تلك العوائل، ولا نحتاج ان ندخل في هذه التفاصيل التي فيها محاولة للضحك على الذقون.

إن عملية إبقاء معتقلي كرزكان والمعامير، هي رسالة من جهاز "الإرهاب" بأنه هو كان ولا زال صاحب القرار، وأنه قرر بأن أولئك لا يخرجون، في تجاوز لكل الأوامر وحتى القوانين التي خرجت من الديوان. ومن المتوقع أن يبقوا ويستمر وضعهم معلقاً، بينما هم في المعتقل بين المعذبين، حتى بعد تجاوز فترة الفورميلا ون.

2) تجميد القضايا لا إنقضاءها: فبحسب ما نشر اليوم من أن المحكمة الكبرى الجنائية- المسئولة عن جميع القضايا الأمنية والسياسية قررت "تجميد النظر في القضايا الأمنية لأجلٍ غير مسمى وذلك على خلفية صدور العفو الملكي بالإفراج عن 178 متهماً ومحكوماً في قضايا أمنية". وبحسب المحامي الأستاذ محمد التاجر، "لا يوجد في القانون ما يفيد جوازية وقف الدعوى لأجل غير مسمى، وإنما حددت المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية أنه يجب على المحكمة الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية وعدم جواز نظرها لصدور العفو العام أو العفو الشامل بحسب المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية للعام 2002، وهو ما جرت عليه المحاكم في مثل هذه الأحوال، من حجز الدعوى للحكم والحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالعفو الشامل، أما وقف الدعوى لأجل غير مسمى فهو مصطلح جديد لم نتعود عليه في المحاكم الجنائية". (جريدة الوسط- 15 أبريل 2009م). المادة 17 من مرسوم بقانون الإجراءات الجنائية رقم 46 للعام 2002م تشير الى " تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم أو بصدور حكم بات فيها أو بالتنازل عنها ممن له حق فيه أو بالعفو الشامل أو إلغاء القانون الذي يعاقب على الفعل أو بمضي المدة".

وفي اليومين الماضيين، تم تأجي تأجيل قضية دمستان الى 10 مايو، بينما تم تعليق قضية سماهيج، وأيضا قضية الأستاذ عبدالهادي الخواجة لأجل غير مسمى. وتجدر الإشارة هنا الى قضية الخواجة على لسان بعض المسئولين في تصريحات إعلامية لوكالات أنباء خارجية بأن العفو أيضا يشمل قضيته لإعطاء الإنطباع بأنه قد تم إغلاقها أيضا في محاولة للتضليل وتعطيل تفاعل المنظمات الدولية مع قضية الخواجة.
وعليه، فإن من كان معتقلاً أو مطلوباً قد يجد نفسه مقبوضاَ عليه مرة أخرى عندما تفتح القضايا لاحقا- بعد الفورميلا ون- وقد أكد هذا التوجه ما قام به بعض ضباط ومسئولي تعذيب معروفين في جهاز الأمن "الإرهاب" الوطني، من قراءة ورقة على بعض المعتقلين المفرج عنهم مؤداها بأن الجهاز والنيابة (والمحكمة بحسب النقل) متحفظين على قرار العفو، وإن كل أولئك "المعفو" عنهم سيكونون تحت النظر، وإن أي مشاركة لهم في أي فعالية ستكون كافية لجلبهم مرة أخرى. ومن خلال لقاءات المفرج عنهم، ذكر أكثر من معتقل بأنه خلال مغادرة السجن، بان ضباط جهاز التعذيب قالوا لهم بالحرف الواحد، هناك مسرحيات قادمة وسنستدعيكم مرة أخرى. آخرين نقلوا بأن أولئك المعذبين قالوا لهم" سنحفر لكم، وستعودون مرة أخرى"

وآخر المؤشرات هو ما حدث اليوم، عندما قررت السفر للسعودية، والتأكد من سريان مفعول القرار من عدمه أيضا. وقد تم التواصل مع جميع مكاتب الأمن في الجسر وفي إدارات الأمن في وزارة الداخلية والنيابة العامة فيما يخص منعي من السفر منذ اعتقالي في 26 يناير الماضي على ذمة ما عرف بمسرحية "الحجيرة". وفي أثناء تواجدي في مكتب الأمن البحريني على جسر الملك فهد، تم تزويد القائمين باسم رئيس النيابة المسئول عن القضية وهو نواف حمزة، وقد تم الإتصال به على هاتفه النقال للإستفسار عن الأمر. لم يكن هناك نكران للمنع من السفر الأول، حيث أنه كان وراء تنفيذ ذلك القرار، ولكنه أشار الى رجوعه لمن له القرار الأول والأخير في الحظر، وهي الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني. لم ينكر نواف حمزة شمول اسمي في قائمة المفرج عنهم في الأمر الخاص بذلك، ومع ذلك رجع بعد فترة ليخبر الى أن الحظر على السنكيس قائم ومستمر الى أجل غير مسمى. فهي لم تكن إجراءات، ولم تكن متطلبات ولم تكن مسألة وقت- كما يحاول البعض بسذاجة أن يوحي، ولكنه قرار يؤكد أن توجه استهداف وقمع النشطاء والمدافعين عن الحقوق قائم، ودون الحاجة لقضايا موجودة في المحاكم الصورية، ويكفي قرار من شخص "الوزير" أو رئيس الأمن العام- عبداللطيف الزياني ليمنعني من السفر.
لم تبرر أي من السلطات المستندات المنطقية والقانونية المسوغة لمنعي من السفر لا في المرة الأولى أثناء المحاكمة، ولا بعدها. وأتمنى بان يظهر الزياني- وهو صاحب شهادة دكتوراة- أو وزيره- في العلن ليبرر منعي من السفر والإنتقال خارج البحرين، ليعلم الجميع الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار التعسفي وغير الإنساني.

وللعلم فإن السلطات لم تكتف بذلك، ففي 29 مارس الماضي قد قامت بمنعي من لقاء سواح أكاديميين وإدرايين من جامعة ستانفور العالمية، بل منعت حتى من حضور الغذاء مع أحد مشاهير الفلاسفة والكتاب في مواضيع الإصلاح والديموقراطية والتطوير وسيادة القانون من معهد هووفر في كاليفورنيا. وكان الأمر مشيناً حقاً للبحرين، وقد أعطته وأعطت باقي السواح صورة عن حقيقة وضع الحريات ودعاوى الديمقراطية فيها. طبعاً، مع منعي من الإلتقاء بأولئك الضيوف الذين قدموا من الولايات المتحدة لزيارة المنطقة، عملوا على ترتيب لقاء معهم ضم عبدالعزيز بن مبارك الخليفة- وكيل مساعد في وزارة الخارجية، وألسن سمعان- نائبة رئيس مجلس الشورى. لم يجرأ أي من المسئولين في الدولة أن يقدم تفسير أو حجة أو حتى أن يقول بأنني غير مرغوب في يلتقي بأي من السواح الأجانب، بل تركوا الأمر معلقاً ولم يردوا على استفسارات وطلب صديقنا من معهد هووفر، الأمر الذي فهمه وعرفه منذ أول علامة تعطيل وتأخير. لقد ساهمت تلك المعاملة السيئة لذلك الأكاديمي المعروف لتعريفه وتعريف آخرين عن حقيقة الوضع في البحرين، دون عناء أو مشقة.
إنني أعتبر منعي من السفر جريمة أحمل النظام مسئوليتها، وليعلم بأنني لن أقف مستسلماً أمام سياسات قطع الإلسن والأوصال. هي بلا شك سياسة ظلامية تعبر عن رجعية وتخلف وعدم قدرة على استيعاب من يظهر الإختلاف والمعارضة.

وأما ما يخص الفورميلا ون..

فأعتقد، بأن مطالبنا..مطالب هذا الشعب لم يتم الحديث عنها أو جدولة تناولها من خلال ما حدث، بل يتجلى بوضوح عملية الإلتفاف عليها
وإلهاء الشعب بإنفراج مصطنع وإفراجات غير مكتملة ومشروطة، تعبر عن عدم صدق في التوجهات. لدينا تجارب عديدة مع السلطة في السنوات الماضية، وخصوصاً في فترة الفورميلا، حيث تسعى لإسكات الأصوات المعارضة والمنادية بالإصلاحات مستغلة الإجواء الإعلامية الصاخبة المصاحبة للفورميلا لتوصيله صوتها. فهل سنتعلم من الدروس أم نلدغ كل مرة من نفس الجحر؟!
وعليه، وفي ظل هذا التوجه الملتوي، وكما تريد السلطة أن تستغل فترة الفورميلا لعكس صورة غير حقيقية للواقع الشعبي، فإن من حق القواعد الشعبية وقياداتها أن تمارس نفس الحق صادحة بالحقيقة ومعلية صوتها بمطالبها العادلة، وفي مقدمتها كتابة دستور عصير يعبر عن اعتراف بشعب البحرين، وتصحيح ما نتج عن جريمة التلاعب بالتركيبة السكانية، وإسترجاع الثروات المنهوبة، واعمال برامج العدالة ومناهضة التمييز والتعذيب والتآمر على شعب البحرين الأصيل بشيعته وسنته.